تحالف ترامب وماسك.. صفقات السلطة ورهانات النفوذ
محمد علي الحيدري
شهدت العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورجل الأعمال إيلون ماسك تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، حيث انتقلت من الانتقاد المتبادل إلى تعاون وثيق ومؤثر في صنع القرار السياسي. في عام 2016، أعرب ماسك عن دعمه للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، منتقدًا ترامب بقوله إنه “لا يتمتع بنوع الشخصية التي تعكس صورة جيدة للولايات المتحدة”، وفقًا لما نقلته واشنطن بوست. لكن مع إعادة انتخاب ترامب في 2024، تحولت العلاقة جذريًا، حيث قدم ماسك دعمًا ماليًا لحملته بلغ 100 مليون دولار، بحسب وول ستريت جورنال.
لم يكن هذا الدعم مجرد مساهمة انتخابية، بل جاء في سياق شراكة إستراتيجية تجلّت في تعيين ماسك على رأس “وزارة الكفاءة الحكومية”، وهي هيئة مستحدثة تهدف إلى تقليص الإنفاق الحكومي وتعزيز كفاءة المؤسسات الفيدرالية. نيويورك تايمز أشارت إلى أن هذا التعيين منح ماسك نفوذًا غير مسبوق داخل الإدارة الأمريكية، وهو ما أثار قلق خصومه السياسيين الذين يرون في ذلك تكريسًا لهيمنة رأس المال على القرار السياسي.
تضارب مصالح
ظهر تأثير ماسك في قرارات عديدة، أبرزها إلغاء بعض القضايا الفيدرالية المرفوعة ضد شركاته، مثل سبيس إكس (SpaceX) وكوين بيس (Coinbase)، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا حول تضارب المصالح. ورغم ذلك، حرص ترامب على وضع حدود واضحة لهذا النفوذ، خاصة فيما يتعلق بسياسات الفضاء. في مقابلة مشتركة عبر فوكس نيوز، صرّح ترامب بأنه لن يسمح لماسك بالمشاركة في القرارات الحكومية المتعلقة بهذا القطاع، نظرًا لملكيته “سبيس إكس” وما قد يترتب على ذلك من تضارب مصالح.
الموقف الشعبي من هذه العلاقة منقسم بوضوح.
فبينما يرى بعض الأمريكيين أنها تعكس تعاونًا فعالًا بين الحكومة والقطاع الخاص لتعزيز الابتكار، يبدي آخرون قلقًا متزايدًا بشأن التأثير غير المسبوق لرجل أعمال على قرارات رئاسية حساسة. سي إن إن رصدت مخاوف متصاعدة في الأوساط السياسية من أن يتحول ماسك إلى “حاكم ظل”، خاصة مع تزايد تدخله في ملفات كبرى، من السياسات الاقتصادية إلى شؤون الأمن القومي.
على صعيد المستقبل، يتوقع محللون أن هذا التحالف قد يواجه اختبارات قاسية خلال المرحلة المقبلة. فمن جهة، ترامب رجل عملي يثمّن الولاء، لكنه لا يتردد في إبعاد حلفائه إذا رأى أنهم أصبحوا عبئًا سياسيًا، كما حدث مع عدد من كبار المسؤولين في إدارته الأولى. من جهة أخرى، ماسك شخصية مستقلة، وطموحه السياسي المتزايد قد يدفعه إلى أدوار تتجاوز مجرد “مستشار مقرب”، وربما إلى منافسة حقيقية داخل المشهد السياسي. بوليتيكو، وهي مجلة أمريكية متخصصة في السياسة والشؤون العامة، أشارت إلى أن هناك تكهنات بشأن احتمال دخول ماسك عالم السياسة بشكل مباشر، وهو سيناريو قد يضعه في مواجهة مع ترامب نفسه مستقبلًا.
في النهاية، العلاقة بين ترامب وماسك ليست مجرد تحالف استراتيجي، بل صفقة معقدة قائمة على تبادل المصالح.
وعلى الرغم من الانسجام الحالي، فإن طموح كل منهما ونظرته الخاصة للسلطة قد يجعلان هذه العلاقة قصيرة الأمد، لا سيما إذا تعارضت أجنداتهما أو سعى ماسك إلى مساحة أكبر من النفوذ تتجاوز ما يسمح به ترامب.