الاحكام القضائية نموذج لرقي المجتمع ومظهر لتقدم الدولة ضرورة تقنينها
عماد يوسف القاضي
بداية لابد من بيان، ان السلطة القضائية هي الميدان الحيوي لحماية الحقوق والحريات للناس، والتي كفلتها الدستور والقوانين النافذة؛ لذا يمثل الاحكام القضائية التي تصدرها المحاكم رقي المجتمع ومرآتها، ومظهرًا لتقدم الدولة في حفظ الحقوق والحريات. وكيف لا وهي السلطة التي تضع موازين الحق في مرافعةٍ تظهر هيبتها وقدسيتها لتجسيد كلمة العدل في الاحكام التي تصدرها بين أطراف الدعوى، وصولًا الى إعطاء كل ذي حق حقه.
وبناءً على ما تقدم، ولأهمية المهام المُلقاة على عاتق السلطة القضائية؛ أصدرت تشريعات بعض الدول المقارنة قوانين لتقنين-جمع-الاحكام القضائية الصادرة من محكمة التمييز، ومحاكم الاستئناف بصفتها التمييزية لاعتبارين أساسين:
الاعتبار الاول: ان القضاة في هذه المحاكم، يمثلون الصفوة المختارة من القضاة لما لهم من خبرات متراكمة؛ لذا تكون الاحكام الصادرة منهم تمثل النضج القانوني والفقهي والمنطقي في معالجة المشكلات التي تواجه الناس.
الاعتبار الثاني : إعطاء القانون للأحكام القضائية الصادرة من محكمة التمييز - محكمة النقض- قوة الالزام والثبات.
ومما نقف عنده في هذه المقالة؛ انه من خلال الاطلاع على التشريعات المقارنة؛ لاحظنا أنها نظمت جمع الاحكام القضائية وتبوبيها وفق قانون، من اجل اتاحة الاحكام القضائية امام رجال القضاء والقانون والمواطنين، نذكر من هذه التشريعات:
التشريع الفرنسي: بدء المشرع الفرنسي بتوثيق الاحكام القضائية وتقنينها منذ عام 1947 من خلال تشريع قانون تنظيم محكمة النقض الفرنسية في 23 تموز 1947 وتحديدًا في المادة 10 منه .
التشريع المصري: نظم المشرع المصري الموضوع في قانون السلطة القضائية المصري رقم 46 لسنة 1972 النافذ وتحديدًا في المادة 5 منه .
موقف التشريع الاردني: مر إستحداث مكتب فني لجمع الاحكام القضائية في الاردن بمرحل طويلة الى ان استقر بإصدار نظام انشاء وتعديل المكاتب الفنية الاردني ذي الرقم 10 لسنة 2020 . وهناك تشريعات اخرى كثرة نظمت الموضوع لعدم الاسهاب لم نذكرها.
ومما ينبغي ان نقف عنده ؛ وبعد بيان موقف التشريعات المقارنة ، توضيح موقف المشرع العراقي من الموضوع، فمن خلال الاطلاع على قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 45 لسنة 2017 ، والتي اشار القانون فيها الى ان: غايته تنظيم وادارة شؤون المحاكم والقضاة، لم نُلاحظ الإشارة الى عمل، أو إستحداث مكتب فني، لا في محكمة التمييز الاتحادية، ولا في محاكم الاستئناف، وهو ما يعني بقاء المحاكم العراقية بعيدة عن ركب التشريعات المقارنة في تقنين الاحكام القضائية. ولأهمية الموضوع ومعالجته بشكل علمي ، قمنا بإعداد مؤلف جاء تحت عنوان ( د. عماد يوسف القاضي، تقنين الأحكام القَضائية الصَادرة مِن مَحكمة التمييز الاتحادية ومحاكم الاستئناف بصفتها التمييزية "دراسة تحليلية مقارنة" نحو تشريع قاعدة قانونية، مكتبة التشريع القانونية، بغداد، 2024).
ومن الاثار المترتبة على تقنين الاحكام القضائية- جمع وترتيب- والتي أظهرتنا الدراسة اعلاه كثيرة نذكر منها: 1ــ تحصين القضاة من الوقوع بالخطأ نتيجة عدم الاحاطة بالمبادئ القانونية. 2ــ يساعد المكتب الفني في بيان تفسير القوانين من خلال نشر الاحكام القضائية. 4ــ يسهم انشاء المكتب الفني بإعداد ابحاث ودراسات قانونية تعالج مشاكل في الواقع واستقرار المعاملات. 5ــ نشر الاحكام القضائية يساعد في تثبيت القيم الانسانية العليا وتحقق الردع. 6-استرشاد المحاكم بالسوابق القضائية. 7- الاحكام القضائية تساهم في تشريع قوانين.
وفي النهاية يجدر الاشارة الى فقرة ذكرها العالم الجليل الاستاذ الدكتور عصمت عبد المجيد بكر/ رئيس مجلس شورى الدولة/ سابقًا في العراق، عندما قدّم مشكورًا لمؤلفنا أعلاه، إذ تفضل وقال: "متى نجد مكتباتنا وقد توفرت فيها الاحكام القضائية وهي مبوبة ومصنفة ومطبوعة في طباعة انيقة ومجلدة تجليد فاخرًا، الا نستطيع ان نقلد الدول في الوقت الحاضر، في نشر أحكام القضاء، ونحن بلد الحضارات، وبلد أول تشريع عثر عليه في التنقيبات الاثرية، وأول كلية حقوق أسست فيه عام 1908 في وقت كانت اغلب تلك الدول لا تعرف المدارس الابتدائية، ولم تعرف كليات الحقوق الا في السنوت الاخيرة!".
وصفوة القول: يقتضي العناية الكاملة بهذا الكنز الثمين- الاحكام القضائية- وتجربة الانسان في حل المشاكل واستقرار الحياة دون تركها في شتتات، وضرورة جمعها وتبويبها حسب اختصاص المحاكم وتكون في مجلدات ورقية والكترونية متاحة للجميع.
مدرس القانون الجنائي
كركوك/ العراق.