فاتح عبد السلام
السينما تؤدي دوراً فعالاً في الحياة الاجتماعية في دول العالم الغربي، وقلّما تجد طالباً جامعياً أو في المراحل الثانوية الأقل، في بريطانيا أو دول أوربية، يجهل اخر الأفلام العالمية التي تمثل جديد السينما ونجومها المعروفين. وتنبّهت المنصّات العالمية مثل نتفليكس الى أهمية الايغال في تكريس دور السينما في حياة الناس أو في عقولهم على نحو أدق، وباتت توجه افلامها بحسب انحيازات فكرية مرتبطة برأس المال والنفوذ السياسي لتيارات مهيمنة على الساحة الغربية. لا أحد في الغرب ينتظر مهرجاناً سينمائياً، مهما كان عنوانه وبارزاً وجاذباً لمشاهدة أفلامه المفضلة، ذلك انّ المهرجانات تخضع لاختيارات ولجان النقاد، ومن ثمّ هي فرصة لتقويم مسار صناعة السينما والاحتفاء بعلاماتها المؤثرة.
في مهرجان “برلين” السينمائي قبل يومين، كان هناك فيلم عن لاجئة سورية اندمجت في المجتمع الألماني، وصارت نقطة استقطاب في اسرة ألمانية تحت أجواء خوض انتخابات يسود فيها تيار اليمين المتطرف المعادي للأجانب والمهاجرين. حتى انّ مديرة مهرجان برلين السينمائي، تريشا تاتل، قالت في مؤتمر صحافي للجنة التحكيم، إنّ “مهرجاناً مثل هذا يمثّل رفضاً… لمختلف الأفكار التي تنشرها أحزاب يمينية متطرفة كثيرة”. هناك قضايا كبرى ذات اهداف تتسق مع متغيرات يومية وحياة سياسية واجتماعية معاشة، تقع في مرماها توجهات مهرجان مفتوح على العالم . وبعد ذلك هناك وقفة ذات دلالة عالمية امام السينما الألمانية العريقة والتي تدخل ميدان التنافس الدولي عن جدارة بالرغم من محدودية انتشار اللغة الألمانية بالقياس الى الإنكليزية والاسبانية والفرنسية.
في العراق، يجري التعامل مع عنوان المهرجان السينمائي مثل المهرجان الشعري او الرياضي او الغنائي، ليس هناك أي انتباه الى معنى صناعة السينما ، ومدى الحاجة الفعلية من تعاطي الجمهور مع السينما ، وكيفية جذب المساحة الأكبر من المتابعين للسينما التي أقيم لها مهرجان قيل انه دولي في مدينة محطمة هي الموصل، كانت من اغنى مدن العراق بدور السينما من اربعينات الى ثمانينات القرن الماضي، فضلا عن مركز السينما في جامعة الموصل الذي كان مركز استقطاب في السبعينات للنُخب المثقفة الاكاديمية وسواها. اليوم قبل ان نفكر في إعادة افتتاح دار سينما بالموصل، تذهب وزارة الثقافة من دون قراءة وكتابة وكحاطب ليل الى تنظيم ما أطلقت عليه مهرجان دولي، لم يتوافر في لجنته التحضيرية اية خبرة متلاقحة مع المهرجانات الدولية في عواصم السينما العالمية. الفعاليات الثقافية لا تنزل من اعلى الى أسفل لتلميع اسم وزير أو مسؤول، وانما تنبثق من معطيات داخلية افقية متدرجة تتناسب مع مساحات الاحياء الثقافي والاجتماعي العامة في مدينة كبيرة.
الموصل تحتاج بدل تجميع بعض الأفلام الثانوية من بلدان عربية الى التأسيس المدعوم لإنتاج سينمائي عبر دائرة للسينما تقام في الموصل وتخصص لها موازنات إنتاجية معقولة، وتشترك في دعمها وتوجيه مساراتها واثرائها فعاليات ثقافية واكاديمية واجتماعية.
الموصل مدينة ثرية بالقصص العميقة بعد ما مرت به من نكبات وتحولات ، وتحتاج الى انتاج أفلام حقيقية وذات مسحة عالمية عن تاريخها الجديد.