الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة في كتاب الرواية القصيرة جداً .. إضاءات نقدية  للناقد حميد الحريزي

بواسطة azzaman

قراءة في كتاب الرواية القصيرة جداً .. إضاءات نقدية  للناقد حميد الحريزي

محمد علي محيي الدين

 

صدر مطلع هذا العام كتاب (قراءة في كتاب الرواية القصيرة جداً .. إضاءات نقدية) للناقد والروائي حميد الحريزي،  عن دار رؤى للطباعة والنشر، وقدم له الاستاذ عبد الله الميالي ، ويكتسب الكتاب أهميته لتناوله فن بدا جديداً في وقت يتطلب الجدة.

  تُعدُّ الرواية القصيرة جداً من الأشكال الأدبية الحديثة التي شهدت تطوراً ملحوظاً في العقود الأخيرة. فهي تعتمد على التكثيف، والاقتصاد اللغوي، والرمزية، مع الحفاظ على عناصر السرد الأساسية. وقد أسهم العديد من الكتاب في تطوير هذا النوع الأدبي، ومن بينهم الكاتب حميد الحريزي الذي قدم إسهامات متميزة في هذا المجال.كرائد أول لهذا النوع الجديد من أنواع جنس الرواية، فهو أول من علم وجنس  وطبع هذا النوع بالرواية القصيرة جدا ومنذ عام 2013 كتب ، وفي عام 2015 نظر ، وفي عام 2019 طبع كتيب يضم اربع روايات قصيرة جدا في مطبعة حوض الفرات  مسجل في دار الكتب والوثائق الوطنية في بغداد تحت رقم ايداع1962 لسنة 2019 ، اتبعه بكتيب يضم 5 روايات قصيرة جدا طبع من قبل دار رؤى للطباعة والنشر وسجل  في دار الكتب  والوثائق الوطنية ببغداد برقم 2276 لسنة 2024ثم اصدر  رواية هذيان محموم من قبل دار رؤى وسجلت  في دار الكتب والوثائق الوطنية ببغداد برقم 3107 لسنة 2024 وبذلك حاز على الريادة في العراق والوطن العربي  وقد تبعه اخرون حيث بلغ كتاب هذا النوع  7 روائيين واكثر من 17 رواية قصيرة جدا وهذا ما قاله الاستاذ الناقد عبد الله الميالي في مقدمته للكتاب

 والرواية القصيرة جدًا هي نوع أدبي يختلف عن الرواية التقليدية في الحجم والشكل، حيث لا تتجاوز غالبًا على 25-50 صفحة، لكنها تحمل في طياتها عمقًا فكريًا وعاطفيًا كبيرًا. تكمن قوة هذه الروايات في قدرتها على نقل المشاعر والأفكار بطريقة مكثفة، معتمدة على الاقتصاد في الكلمات والقدرة على إيصال الرسالة بسرعة وبفعالية.

  ويمكن تعريف الرواية القصيرة جدًا باعتبارها نوعًا من الأدب الذي يتيح للكاتب الفرصة للابتكار في التعبير عن الأحداث والمشاعر في مساحة محدودة. يتجاوز الكاتب فيها التفاصيل الدقيقة التي نجدها عادة في الروايات الطويلة، ويركز على الحدث أو الفكرة الرئيسية، وقد تكون الرواية القصيرة جدًا عبارة عن لمحة عن حدث معين، أو تجربة شخصية، أو رؤية فلسفية. ولعل هذه الميزة تجعلها قادرة على التأثير بشكل قوي رغم قصرها.

ومن خصائصها:

-    الإيجاز والاختصار: كما يوحي اسمها، فإن الرواية القصيرة جدًا تتسم بالإيجاز في عرض الأحداث والأفكار، ولا توجد في هذه النوعية من الأدب المساحات الكبيرة للتفاصيل أو الحوارات الممتدة.

-    التركيز على الفكرة الرئيسية: بما أن المساحة محدودة، يركز الكاتب على إيصال فكرة أو موضوع معين بدقة، دون تشتت أو غموض.

-    استخدام اللغة المكثفة: تعتمد الرواية القصيرة جدًا على لغة مكثفة، بحيث تكون الكلمات مدروسة بعناية كبيرة.

-    المفاجأة في النهاية: في كثير من الأحيان، يكون هناك تحول مفاجئ أو نهاية غير متوقعة تضفي طابعًا من الإثارة على النص.

  والقاص والناقد حميد الحريزي أحد الأسماء البارزة في مجال الرواية القصيرة جدًا وإسهاماته في هذا المجال كانت فريدة ومؤثرة، وينتمي الحريزي إلى جيل من الكتاب الذين عرفوا قيمة الإيجاز في الأدب العربي، حيث استطاع من خلال قصصه القصيرة جدًا أن يقدم لمحة عن واقع مجتمعي أو نفسي بطريقة بسيطة لكنها عميقة.

 وما يميزه عن غيره من الكتاب هو قدرته الفائقة على توظيف التقنيات السردية بطريقة مبتكرة، حيث يستخدم في رواياته القصيرة جدًا أسلوب الاستفهام والتأمل، ويترك المجال للقارئ لتفسير ما وراء الكلمات، وكثيرًا ما تركز قصصه على الحالة النفسية للشخصية الرئيسية، أو على لمحات سريعة من أحداث الحياة اليومية التي تثير تساؤلات فلسفية.

  والرمزية أحد العناصر الأساسية في أعمال الحريزي، حيث يسعى من خلالها إلى نقل رسائل متعددة الأبعاد. إذ يعتمد في رواياته القصيرة جدًا على استخدام الرموز لتوضيح أفكار أعمق. على سبيل المثال، قد يرمز إلى الحرية من خلال حدث بسيط أو إلى الزمن من خلال حالة شعورية.

  وترتكز أعماله بشكل رئيسي على المواضيع الاجتماعية والنفسية، حيث يعكس واقع الإنسان العراقي المعاصر بما يحمله من صراعات، آلام، وتحديات. من خلال رواياته القصيرة جدًا، يتناول القضايا المتعلقة بالإنسانية، مثل الاغتراب، العزلة، والتواصل البشري، مما يجعل أعماله تلامس هموم الناس في مختلف الظروف.

 ولا يمكننا إغفال التحديات التي واجهها الحريزي في مجال الكتابة الأدبية في بلدان تتسم بالأزمات السياسية والاجتماعية. ومع ذلك، استطاع أن يطور أسلوبه الخاص في الرواية القصيرة جدًا باعتبارها وليد جديد كتجنيس ولا اقول ككتابة، مؤكدًا أن الأدب هو وسيلة للتعبير عن الواقع، حتى وإن كان الواقع صعبًا أو معقدًا.

  والرواية القصيرة جدًا من الأدوات الأدبية الحديثة التي استحوذت على اهتمام العديد من الكتاب العرب حيث كتبت في العراق وفي تونس وفي الاردن وفي اليمن، وخاصة بعد أن بدأ الأدب العربي يشهد تطورًا كبيرًا في أشكال الكتابة وتقنيات السرد، وهذا النوع الأدبي يساهم في تقديم منظور جديد للكتابة الأدبية، حيث يستطيع الكاتب أن يختزل أفكارًا معقدة في نصوص قصيرة ولكنها غنية بالمعنى.

  من خلال أعماله، ساهم الحريزي في تطوير هذا النوع الأدبي، وأظهر أنه يمكن للأدب أن يكون مكثفًا وغنيًا بالعواطف والتفكير رغم قصره. ولعل أبرز ما قدمه من خلال رواياته القصيرة جدًا هو الإيمان بأن الاختصار لا يعني التفريط في العمق، وأن الحكاية قد تحمل في طياتها مغزى أكبر من مجرد عدد الكلمات.

  ولو نظرنا في جهود حميد الحريزي في مجال الرواية القصيرة جدًا، يمكننا أن نرى كيف أن الأدب العربي المعاصر يعكس تغييرات كبيرة في طريقة معالجة الموضوعات وطرق التعبير عنها. أدرك الحريزي وغيره من الكتاب أهمية الإيجاز في الأدب وتركيز الرسالة، مما ساهم في تعزيز مكانة هذا النوع الأدبي في المشهد الأدبي العربي. إن الرواية القصيرة جدًا ليست مجرد كتابة مختصرة، بل هي كتابة عميقة وشجاعة، تُظهر قدرة الكاتب على اختيار أنسب الكلمات لتوصيل أكبر عدد من المعاني في أقصر وقت ممكن.

  ويعتبر (الحريزي) الرائد الاول في كتابة الرواية القصيرة جداً والكاتب الأول الذي نطر لها  في هذا الكتاب الذي بين ايدينا، وعدم وجود تجارب سبقته في هذا المجال، وكتابه هذا يعد الأول من نوعه لعدم وجود كتب تفردت بالكتابة عن هذا الفن الأدبي لا عربيا ولا عالميا حسب علمنا لحد الآن، وهو يرى أن هذا الفن ملائم لعصرنا الراهن، الذي ينزع نحو السرعة والاختزال في كل شيء، فعصر السرعة يستدعي مماشاته، بحكم توفر الاتصال الحديثة التي أصبحت تلزم الكاتب والشاعر على مواكبتها، ليمكنه البقاء ضمن مسارها، فالقارئ المتسارع  لا يمتلك الوقت أو الرغبة الكاملة في قراءة الروايات الطويلة المفرطة في خوض متاهات المشاعر، واستغراقاة الوصف، وبيان الأحاسيس،  ما يدعونا لمزيد من الاختزال والتكثيف والاختصار، بما يتماشى مع التغييرات الطارئة في عصرنا الراهن، ومحاولات ادامة الصلة مع هؤلاء القراء الميالين للاختصار والوصول الى النهايات بالسرعة التي تلائم ما وصل اليه العالم في ظل تطور التكنولوجيا الحديثة، ومحاولتها في توفير الوقت للوصول الى النهايات المبتغاة للتقدم في مختلف الصعد.

 والكاتب يجرنا الى جولة طويلة بين الأجناس الأدبية المختلفة، والمراحل التي مرت بها، والثابت والمتحول في مسيرتها، فالنزوع الى التكثيف والاختزال من سمات المرحلة الراهنة، وما يزخر به عصر العولمة من طفرات غير محسوبة في شتى المجالات.    

  فاليوم ليس بمقدور القارئ أن يصرف جهده ووقته في قراءة رواية طويلة تغرقه في متاهاتها، وتضيعه بين أغوارها، وتستدعيه لإعمال الذهن فيما يهدف اليه المؤلف من هذه السياحة الشاقة، فالرواية القصيرة أو القصيرة جداً، يمكنه قراءتها في القطار والطائرة والحافلة، ولعلنا أبناء الجيل الماضي لا زلنا نتذكر قصص وروايات الجيب التي تختزل وتختصر القصص والروايات الطويلة الى كتيب صغير بحجمه وعدد أوراقه، والتي راجت كثيراً تلك الأيام، ولعل الرواية القصيرة جداً هي امتداد لتلك الفترة في تطوير لها لتكون أكثر اختصاراً وتركيزاً. واختزلت كثير من الوقت والجهد ، ووفرت للقارئ متعة القراءة والاستفادة بحكم اختصارها، وقد مررت شخصياً بتلك التجربة في قراءة (شيفرة دافنشي) ل (دان براون) التي تجاوزت أوراقها المئات، فأضاعت مني التركيز على أحداثها، وحفظ أسمائها، فضاعت متعتها، وتبددت فائدتها.

 لقد كانت الروايات الطويلة(موضة) عصر كان فيه القارئ يمتلك الوقت الكافي للقراءة والامعان والتفكر، وعندما شاهت معالم ذلك العصر، وضاعت رسومه، أصبح من الواجب التماهي مع الجديد الطارئ من تطورات، وسلوك أقصر المسالك للوصول الى النتائج، في عصر لا يفكر بالمآدب الفاخرة، ويهفو الى الأكلات السريعة التي يستطيع تناولها ماشياً أو واقفاً أو في واسطة نقل.

 ولفرط اهتمام أديبنا الرائع  حميد الحريزي، ومواظبته على التبشير والتنظير بهذا الرأي، أصبح مثار اهتمام المعنيين، وأجريت معه مقابلات كثيرة، والقى عدد من المحاضرات التي تبين  أهمية هذا الفن، وضرورته الحاضرة، وقدم تجارب عديدة للروايات القصيرة، والقصيرة جداً، وهو المرجع في ذلك  لريادته ولفرط الاهتمام  الذي أولاه لهذا الجانب.

 ويجد القارئ في كتابه هذا أمثلة كثيرة على هذه اللقاءات، والنماذج التي نشرها في محاولة لترسيخ الفكرة في أذهان المعنيين،  وهذا الجهد المشكور يظهر بلا شك عمق الإصرار الذي جعله رائداً في مجال التنظير لرؤيته التي ستأخذ طريقها، لملائمتها روح العصر، ومواكبتها له، ويمكننا أن نعتبر  هذا النوع من أنواع الرواية القصيرة جدا منجزا ادبيا عراقيا وعربيا بامتياز  نفتخر به جميعا ، متمنياً له كل التوفيق والنجاح.

 

  • كتاب الرواية القصيرة جدا اضاءات نقدية  - تأليف الأديب حميد الحريزي  من اصدارات دار رؤى للطباعة والنشر والتوزيع  عام 2025 رقم الايداع لدى دار الكتب والوثائق  الوطنية ببغداد برقم (420) لسنة 2025 والمكون من 300 صفحة ، وسيكون ضمن معرض النجف الدولي للكتاب لهذا العام.

 

 

 

 


مشاهدات 66
الكاتب محمد علي محيي الدين
أضيف 2025/02/12 - 5:20 PM
آخر تحديث 2025/02/13 - 12:19 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 284 الشهر 6984 الكلي 10402355
الوقت الآن
الخميس 2025/2/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير