الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
موقع الكرد في الصراعات العقائدية خلال العصور الإسلامية الوسطى

بواسطة azzaman

موقع الكرد في الصراعات العقائدية خلال العصور الإسلامية الوسطى

باسل الخطيب

 

أكد باحث كردي على أن الهوية الدينية والمذهبية في المناطق الكردية خلال العصور الإسلامية الوسطى اتسمت بالغنى والتنوع الفكري، مبيناً أن انتماء النخب الدينية الكردية إلى التيار السني، كان نتيجة لتراجع تأثير الخوارج الذين لجئوا إلى الجبال والمناطق الكردية على السكان نتيجة الهزائم المتكررة التي تعرضوا لها، فضلاً عن ظهور المذاهب السنية الأربعة المعروفة.

جاء ذلك في كتاب صدر مؤخراً عن مركز (خال للفكر والثقافة) في السليمانية، بعنوان (المذهب الأشعري عند الكرد)، هو بالأصل دراسة تاريخية تحليلية ترصد تطور المذهب الأشعري في البيئة الكردية، وعلاقته بالمذاهب والمدارس العقائدية الأخرى بين القرنين الرابع والثامن الهجريين (العاشر إلى الرابع عشر الميلاديين)، وهي الحقبة المعروفة بالعصور الوسطى الإسلامية، وقدم كأطروحة نال من خلالها الباحث الأكاديمي ياسين طه محمد، التدريسي بجامعة السليمانية، شهادة الدكتوراه بتقدير امتياز.

ويتألف الكتاب الواقع في (387) صفحة من القطع المتوسط، من أربعة فصول، عالجت موضوعات شاملة ومتشعبة، سلط من خلالها الباحث الضوء على التاريخ الديني والعقائدي للكرد، ودورهم وموقعهم في الجدل الكلامي بين مدرستي العقل والنقل، مع محاولة سد الثغرات المعرفية بشأن الحقائق التاريخية المتصلة بتطور العقيدة الإسلامية في مناطق انتشار الكرد خلال العصر الوسيط، معتمداً على منهجية علمية ترتكز على البحث والتحليل التاريخي.

وأوضح الباحث أن الأشعرية تمثل مدرسة سنية كلامية وعقائدية واسعة الانتشار، تأسست في بغداد خلال القرن الرابع الهجري في سياق السجالات الحادة بين مدرستي العقل، المتمثل بالمعتزلة، والنقل، المتمثل بالحنابلة. وقد امتدت الأشعرية تدريجياً إلى مناطق واسعة من العالم الإسلامي، من شرقه إلى غربه. وتهدف هذه المدرسة إلى إيجاد توازن بين التفسير العقلي للنصوص الشرعية والالتزام بظواهرها، من خلال توظيف أدوات علم الكلام لفهم العقيدة الإسلامية، وخصوصاً القضايا المتعلقة بصفات الباري عز وجل في علاه، التي كانت محور جدل كبير في الفكر الإسلامي بعد القرن الثالث الهجري، وطوال العهد العباسي، الذي تميز بتنوع حضاري وديني كبير. وذلك من خلال تتبع آراء أئمة الأشاعرة، وفي مقدمتهم الإمام المؤسس أبو الحسن الأشعري.

ويذكر الباحث، أن الأشاعرة يثبتون سبع صفات لله تعالى، هي: الحياة، العلم، القدرة، الإرادة، السمع، البصر والكلام. أما الصفات الأخرى الواردة في النصوص، مثل الوجه، اليدين، القدم، الساق، فيلجؤون إلى تأويل معانيها أو تفويضها، تجنباً لما قد يدفع مخيلة الإنسان إلى تصور جسم الخالق أو تشبيهه بصفات خلقه.

ويوضح الباحث، أن أئمة الأشاعرة اللاحقون، قد طوروا مذهب إمامهم، وأضافوا إليه اجتهادات مهمة، منها رفض أحاديث الآحاد في مسائل العقيدة، وتوسيع استخدام علم الكلام في الاحتجاج بالعقيدة ودعم النصوص الشرعية، على خلاف مدرسة النقل. كما طرحوا نظرية “الكسب” في القدر بين الجبر والاختيار وهي تؤكد على اقتران قدرة العبد بفعله، من غير تأثير فيه. واتفقوا مع باقي المذاهب السنية على حرمة دماء أهل القبلة وعدم التكفير بالذنب.

 ديانة الكرد

يتناول الباحث، د. ياسين طه محمد، في الفصل الأول للكتاب، المشهد الديني في المناطق الكردية قبل انتشار المذهب الأشعري، حيث يركز على تأثير الفكر الخارجي والشيعي في تلك المناطق. ويبين الباحث أن هاتين الفرقتين كان لهما حضوراً مبكراً بين الكرد، لاسيما عقب معركة صفين (37 هـ).

ويورد أنه برغم لجوء مجموعة من الخوارج إلى الجبال والمناطق الكردية، وتأثيرهم على السكان المحليين لعدة عقود، وانضمام بعض الكرد إليهم، بما في ذلك أمراء في أذربيجان، مثل ديسم الكردي (ت 344هـ)، إلا أن الهزائم المتكررة التي تعرضوا لها، إلى جانب ظهور المذاهب السنية الأربعة (الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنبلية)، مهدت الطريق لانتماء النخب الدينية الكردية إلى التيار السني.

كما يناقش هذا الفصل، تأثير مذهب سفيان الثوري، الذي جمع بين زهد الصوفية والتزام السلف، في منطقة دينور الكردية (تقع في الشمال الشرقي من كرمانشاه غربي إيران). ويفرد الباحث مساحة لدراسة الزهد الصوفي الذي اتخذ الجبال ملاذاً بعيداً عن صخب المدن، مع الإشارة إلى ظهور متصوفة كرد بارزين مثل الشاشي الفارقي، العائلة السهروردية، الجاكير الكردي وأبو الوفاء الحلواني.

يذكر أن مذهب الثوري أو المذهب السفياني، هي مدرسة فقهية إسلامية ومذهب فقهي قصير الأمد أسسه الإمام سفيان الثوري أحد أئمة القرن الثامن وقاضي ومصنف وجامع للحديث النبوي الشريف. وبعد انتقال الإمام الثوري إلى البصرة خلال مسيرة حياته، أصبحت أفكاره الفقهية (منها أصول الفقه) متبناة من قبل الأمويين ومن قبل الإمام الأوزاعي.

 تطور المذهب

يخصص الباحث الفصل الثاني من الكتاب، لشرح المبادئ الأساس للمذهب الأشعري، مع استعراض حياة مؤسسه الإمام أبي الحسن الأشعري ومراحل تطوره الفكري. كما يتناول دور أبرز خلفائه، مثل الباقلاني، الهراسي، البيهقي، الغزالي والرازي، في تطوير آراء المذهب، وعلاقتهم بالبيئة الكردية، سواء عبر التدريس أم انتشار مؤلفاتهم بين علماء الكرد.

وأبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (260 - 324 هـ/ 874 - 936 م)، أحد أعلام أهل السنة والجماعة، وإليه ينسب المذهب الأشعري. لقب بإمام أهل السنة والجماعة، وبناصر الدين، وينتهي نسبه إلى الصحابي أبي موسى الأشعري. جمع بين مذهب أهل الرأي ومذهب أهل الحديث.

ويستعرض الباحث في هذا الفصل أيضاً، أهم العقائد التي تميز المذهب الأشعري، لاسيما موقفه الوسطي بين العقل والنقل، ومناقشاته مع الحنابلة الذين عرفوا بالتزامهم الحرفي بظواهر النصوص، ويُطلق عليهم حالياً السلفيون.

* انتشار الأشعرية في المناطق الكردية

يركز الباحث في الفصل الثالث من الكتاب، على العوامل التي ساعدت في انتشار المذهب الأشعري بين الكرد، مثل تأثير مدرسة النظامية في بغداد، التي دعمت الأشعرية، وجذبت عدداً كبيراً من طلاب العلم الكرد. ويستعرض الباحث أسماء حوالي خمسين عالماً كردياً ممن التحقوا بالنظامية، والتقوا بأعلام الأشاعرة، مثل أبي إسحاق الشيرازي، الغزالي وأبو نجيب السهروردي. ويشير أيضاً إلى دور السياسة المذهبية للسلطان الكردي صلاح الدين الأيوبي، الذي تبنى الشافعية الأشعرية كنهج رسمي لدولته الممتدة من مصر والشام إلى الجزيرة وأربيل وشهرزور.

* الانقسامات بين الأشاعرة وأهل النقل

في الفصل الرابع من الكتاب، يناقش الباحث انقسام الشافعية الكرد بين الأشاعرة وأتباع مدرسة النقل وأهل الحديث. ويبرز شخصيات مثل ابن الصلاح الشهرزوري، الذي رفض المنطق، والشيخ عدي بن مسافر، وأبو الحسن الهكاري، الذين تبنوا مواقف نقلية صريحة.كما يعالج الباحث في هذا الفصل، المواجهات الفكرية بين الأشاعرة والحنابلة، خاصة في بغداد وبعض المناطق الكردية، مع تسليط الضوء على العلماء الكرد الذين رفضوا الانصياع لهيمنة الأشاعرة.

 الخلاصة

يخلص الباحث د. ياسين طه محمد، إلى أن الهوية الدينية والمذهبية في المناطق الكردية خلال العصور الإسلامية الوسطى كانت غنية بالتنوع. فقد لجأ الخوارج إلى جبال كردستان، حيث تزايد عددهم تحت تأثير شعاراتهم التي لامست شعور المهمشين الذين عانوا من النظرة الدونية السائدة في عصر الأمويين. وانتهت تلك الحركات في القرن الرابع الهجري، ليحل محلها انتشار المذاهب الفقهية السنية. كما أصبحت الجبال ملاذاً ومأوى مفضلاً للمتصوفة الفارين من صخب المدن وبريقها. وفي هذا السياق، حظي مذهب سفيان الثوري بانتشار واسع بين الكرد في دينور بإقليم الجبال.وفيما يتعلق بالأحوال المذهبية المرتبطة بالعبادات والمعاملات، يورد الباحث، أن تصدر الشافعية في المناطق الكردية، تلتها الحنفية، مع وجود تمثيل محدود للحنابلة وحضور رمزي للمالكية.

 أما في مجال العقائد، فقد هيمنت الأشعرية، التي جمعت بين النقل والعقل، لاسيما في القضايا المتعلقة بصفات الباري عز وجل. ومع ذلك، لم تمنع هذه الهيمنة من وجود رموز وأتباع لمدرسة النقل بين الكرد، الذين التزموا بالتفسير الظاهري لنصوص العقيدة دون تأويل أو تفويض في المعنى، مع حمل النصوص على ظاهرها دون مجاز.

ويكشف الباحث، من خلال تقصّيه للحياة الدينية في المناطق الكردية، عن اختيار عدد من الأعلام الكرد موقعاً وسطاً بين مدرستي العقل والنقل. في المقابل، آثر بعض الأعلام الكرد الكبار، تجنب الخوض في القضايا الكلامية، موجهين اهتمامهم نحو الفقه. ويبرز القاضي ابن كج الدينوري (هو يوسف بن أحمد بن كج أبو القاسم القاضي، قتل ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة 405 هجرية) في طليعة هؤلاء، إذ اشتهر في القرن الرابع الهجري كأحد أبرز أئمة الشافعية، لما عُرف عنه من سعة العلم وباع طويل في إصدار الفتاوى واستنباط الأحكام الشرعية، مع حفاظه على مكانته كأحد أعلام الشافعية في المشرق الإسلامي.


مشاهدات 178
الكاتب باسل الخطيب
أضيف 2025/01/24 - 11:40 PM
آخر تحديث 2025/01/31 - 1:01 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 123 الشهر 15054 الكلي 10295019
الوقت الآن
الجمعة 2025/1/31 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير