الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أقنعة السعادة المزيّفة

بواسطة azzaman

أقنعة السعادة المزيّفة

مروة محمد سليم

 

يفقد الإنسان السعادة عندما يحاول أن يحددها بشكل معين! لم تكن السعادة ولو لمرة بشكل ثابت، بل كانت دوماً تتغير فقد كانت أشبه بالممثل الذي يرتدي أقنعة مختلفة على مسارح الحياة. فقد كانت السعادة عند اليتيم ترتدي قناع الوالدين وتلبس ثوب الحب، واختفت عنه باختفاء الوالدين من أرض الأحياء. وقد كانت السعادة عند المريض أن يتركه السقم والوجع ، فلما تم الشفاء وأصبح المرض منسياً وبات في زاوية النسيان.. عاد الحزن وزار قلبه من جديد، عندما أيقنَ أن عمره ضاع لسنين بلا فائدة .وكانت السعادة عند الطالب أن يحصل على علامة تامة على أوراق سرعان ما كتب فيها إجابات عن الأسئلة  المكتوبة، ولما  كبر وتقدمت به الازمان أصابه الحزن والاكتئاب فلم تكن هناك إجابات على أسئلة مدرسة الدهر ولم يكن له من العلم الكثير لينجو من مخالب الفشل. وكانت السعادة عند الأطفال بعض الحلوى والألعاب، ولما انتهوا من تلك الحلوى عادوا إلى البكاء وسألوا امهم  متى يعود ابي الجندي من أرض الموت، قالت الأم سيعود عندما تنام ..سيكون بانتظارك في أرض الأحلام. وكانت سعادة الوالدين  أن يكون طفلهما بخير يلعب بسرور ويتعلم وبعد مضي الزمان يصبح شخصاً ناجحاً كريماً عنواناً للخير،  ولكن مات الطفل ولم يكبر ولم يحقق أي من تلك الأمنيات وترك والديه وحيدينِ في كوخ الأحزان.

ذل الحاجة

كانت سعادة الكادح العامل أن ينتهي من عمله ليحصل على بعض المال ليحميه من ذل الحاجة والسؤال، وعندما  انتهى من عمله يعود إلى بيته ذو السقف المُنهار، يسمع الأغنية المتكررة من ألسِنة الناس، انه شخص حقير ضعيف لا يستحق الاحترام لأنه ليس من الأغنياء أنه بلا جدوى مجرد روح أشبه بالطيف المَنسي الغير مرئي عن أعين السعادة والتقدير!!. كانت سعادة الأرملة المسكينة أن يكبر أبناءها ويصبحوا أقوياء حكماء، ولما كبروا وحصلوا على مكانة في الحياة تركوها وغادوا مع الغرباء وخانوا أقرب الناس إليهم بأن يطرحوا أمهم المسكينة لوحدها في بيت الخذلان برفقة اشباح الوحشة والاشتياق ! .وكانت سعادة العصفور أن تنكسر زنزانته الكئيبة ويخرج للعالم الجميل،  ولما خرج لكي يُحلق بأجنحته التي نَسيت الطيران لفترة طويلة أصابه طلق ناري من إنسان يعبث بقلبٍ قاسي مع الكائنات ويقرر أن يسلب الحياة منهم .كانت سعادة الزهرة أن يحبها الناس ويجعلوها في كل مكان جميل،  ولما أحبها الناس وأصبحت الزهرة رمز الحب والجمال كانت تُقطف الزهرة وتُذبح من عُنقها النحيل لتوضع وتزين الاجداث الرخامية .كانت سعادة النملة أن تحصل على الطعام قبل حلول الشتاء والصقيع،  وبينما كانت قد كَدت وجَدت بالعمل الدؤوب وقبل لحظات من دخولها إلى قريتها للسبات، سَحق أحد العابرين تلك النملة من دون أن يشعر أو يلاحظ ذلك..! .كانت سعادة الاطفال الفقراء أن يروا قوس قزح الزاهي بين طيات السماء، ولما امطر الغمام وتساقط الماء بغزارة من نوافذ السماء ..نام الفقراء بحزن وكانت صفعات المطر الباردة تلفح وجوههم الحزينة ذات الابتسامة الهزيلة فقد كانت بيوت الفقراء مُتصدعة مُتهاوية الأركان ضعيفة للغاية لا تقوى على حمايتهم من سهام الشتاء .كانت سعادة المُخطئ أن يتوب ويعود الى الصواب، ولما تعود على الفضيلة وأصبح شخصاً آخر أكثر خيراً ..سمع في الطرقات الخالية بقايا أغنية الغيبة والنميمة، كيف يمكن أن يتحول هذا الوحش إلى ملاك !!! لابد أنه يرتدي قناع الصلاح ! أكمل الشاب طريقة نحو الصواب تملئ قلبه آهات الخذلان، كيف البشر لا يساعدون من عاد إلى طريق الصواب ويتهمونه ويظنون أنهم انقياء لدرجة أن يعرفوا ما اخفى القلب من ندم  وكم بذرة خير وطيبة قد زُرِعت للآن ؟!.كانت سعادة المُغترب العودة للوطن،  ولما انتهت مأساة الحروب وصعدت اسراب الارواح البريئة كالطيور البيضاء مُغادرة من قسوة العالم إلى أرض السعادة الأبدية، جاء المُغترب إلى مكان مُحطم المَعالم، مليء بالجثث والاشلاء، بأنهار قرمزية حزينة ..عنواناً للخَرابِ و الحُطام، جلسَ المُغترب على تلك الأرض وقال: أين أنا ؟! فنظر له طيف الموت من بين ستائر الدخان  وقال له بصوتٍ عميق ملئه الألم : انت في الوطن! . كانت سعادة الشاعر أن يعرف قصائده الناس ويتغنوا بها وأن يستلم  جائزة الشاعر العظيم في عمره القصير،  ولكنه عاش ومات في كوخه الحقير وحيداً في الظلام، بنوافذ متكسرة بالية كما كان حال قلبه لما كان على قيد الحياة...ولما أنقضت السنوات وكانت الرياح تُطل من النافذة المكسورة تراقب حال تلك الجثة المنسية في عتمة الجهل، أصابها الحزن و الغضب، فحملت الرياح بأيديها الهائجة أوراقه ذات السطور التي خرجت من قلبه وكتبها بواسطة انامله المُرتجِفة، وختمها بدموع عينيه  إلى العالم على هيئة قصيدة عاصفة ...حينها أراد الناس أن يشكروه على كلماته، فحافظوا عليها بأن تبقى خالدة وحاضرة وذلك الاسم الذي لم ينطقه أحد في حياة الشاعر أصبح الآن اسمه كالشمس المرتفعة، ما من احد لم يعرف أو يسمع به فالجميع قد أحب الشاعر عندما غادر بعيداً ..للأبد....


مشاهدات 229
الكاتب مروة محمد سليم
أضيف 2025/01/17 - 11:46 PM
آخر تحديث 2025/05/08 - 8:10 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 390 الشهر 10338 الكلي 11004342
الوقت الآن
الجمعة 2025/5/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير