متلازمة تأجيل السعادة في التراث

قحطان الفرج اللـه

«اليوم خمر وغداً أمر»

تعبر متلازمة تأجيل السعادة عن نمط من التفكير أو السلوك حيث يعتقد الشخص أنه لا يمكنه الشعور بالسعادة أو الرضا إلا بعد تحقيق هدف معين أو الوصول إلى مرحلة محددة في المستقبل. بعبارة أخرى، يظن الفرد أن السعادة لا تأتي إلا بعد حصوله على أمرٍ محدد، مثل الحصول على وظيفة مثالية، أو إنهاء مشروع طموح، أو الانتقال إلى مكان مرغوب، أو الوصول إلى مستوى نجاح معين، أو سداد دين، أو التخلص من هم أو مشكلة معينة، وعليه يكون طول الوقت مغموما حتى وهو في أجمل الاوقات!!!إن هذا النوع من التفكير يؤدي إلى تأجيل مستمر للسعادة والرضا، حيث يُركز الفرد على المستقبل متناسياً الاستمتاع باللحظة الراهنة. ويمكن لهذا النهج أن يكون له تأثيرات سلبية على الصحة العقلية والنفسية، إذ يجد الشخص نفسه دائمًا في حالة انتظار لتحقيق السعادة، بدلاً من التمتع بالفرح والرضا في تفاصيل الحياة اليومية والأحداث الصغيرة.وإذا عدنا إلى التراث الأدبي، نجد أن التراث العربي قد عبّر عن هذه الفكرة ببلاغة في القول المأثور: «اليوم خمر وغداً أمر»، حيث جسّد فلسفة تقديم السعادة الحاضرة على هموم المستقبل.

تعود هذه الحكمة إلى امرؤ القيس بن حجر الكندي، الشاعر الفحل المشهور في عصر ما قبل ظهور الإسلام الذي قالها بعدما أخبره الأعور العجلي بمقتل أبيه على يد بني أسد بن خزيمة. فقال امرؤ القيس:

تطاول الليل علينا دمون

دمون إنا معشر يمانون

وإنا لقومنا محبون

ثم أضاف: «ضيعني صغيراً، وحملني دمه كبيراً، لا صحو اليوم، ولا شرب غداً، اليوم خمر وغداً أمر»، لتصبح عبارته مثلاً يُضرب للدلالة على الدول الجالبة للمحبوب والمكروه.

بعد سماعه الخبر، قضى امرؤ القيس سبعة أيام في الشرب، قائلاً:

أتاني وأصحابي على رأس صيلع

حديث أطار النوم عنّي وانعما

وقلت لعجلي بعد مآبه

تبين وبين لي الحديث المعجما

فقال: أبيت اللعن عمرو وكاهل

أباحوا حمى حجر فأصبح مسلما

أهذه الأبيات والأقوال تعبر عن فلسفة عميقة في مواجهة تقلبات الحياة، إذ تُذكرنا بأن الامتنان للحظة الحالية والاستمتاع بها يمكن أن يكون الطريق الأسمى للسعادة الدائمة، بدلاً من تأجيلها إلى غدٍ قد لا يأتي أبدًا.