مهندس إستشاري يقدّم معلومات إستثمارية
مشروع كردي لإنعاش واقع السليمانية وحلبجة حضارياً وسياحياً
باسل الخطيب
مهندس تربي في بيئة دينية تحترم العلم والأدب، فسخر خبرته لإحياء تراث الكرد بالمزاوجة بين الهندسة والتاريخ، بعد أن جمع ما أمكن من الوثائق والخرائط لاسيما من الأرشيف العثماني والبريطاني والمصري.. حتى أنه اشترى ذات رحلة إلى لندن، نسخ أصلية لست خرائط تظهر السليمانية خلال الحقبة البابانية، كلفت الواحدة منها 800 باون.
مشاريع إنشائية
إنه المهندس عادل لطيف مولوي، مؤسس شركة VIEW PIONEER، التي تأسست عام 2015 في السليمانية، لتقديم الاستشارات الهندسية وتنفيذ مشاريع إنشائية وأعمال التطوير الهندسي، التي تهتم بإحياء التراث الكردي هندسياً، للمساعدة في تحقيق أحلامه، فباشرت بتنفيذ سلسلة مشاريع تراثية يؤمل أن تسهم في إنعاش الواقع الحضاري والسياحي بمحافظتي السليمانية وحلبجة.
ومن بين المشاريع الرائدة التي أسهمت بها الشركة، ذلك الذي تمخض عن إعداد خارطة رقمية تفصيلية لمدينة السليمانية القديمة، الذي نفذه قريبه البروفيسور المهندس أمجد محمد علي قره داغي، وتكلل بإصدار كتاب موسوعي أنيق عنها باللغتين الكردية والإنجليزية.
ومشروع آخر لمتابعة التطور العمراني للسليمانية منذ تأسيسها عام 1784 (على يد الأمير الكردي إبراهيم باشا بابان، الذي سمى المدينة نسبة إلى اسم والده سليمان باشا أحد أمراء سلالة بابان التي كانت لها إمارة خلال تلك الحقبة في منطقة السليمانية)، إلى منتصف القرن العشرين، وذلك من خلال جمع الوثائق والمعلومات التاريخية عن معالم المدينة، وإعداد خرائط تفصيلية تبين مواقعها وتفاصيلها، ووضعها بيد الباحثين والمعنيين لتكون نواة لإقامة مشاريع حضارية وسياحية مستقبلاً.
يقول المهندس عادل مولوي، إن مشروع متابعة التطور العمراني للسليمانية «بدأ عام 2020 بالتنسيق مع محافظة السليمانية ودائرة الآثار وباقي الدوائر الخدمية في المحافظة ويؤمل الانتهاء منه عام 2027 بالتعاون مع مختصين ومراكز بحثية محلية وعالمية من الصين وإيران والإمارات وتركيا والجيك واستراليا وألمانيا وهولندا وأمريكا وبريطانيا»، ويشير إلى أنه «يشمل الدور ذات القيمة التاريخية منها بيت أحمد الشيخ ومولانا خالد النقشبندي وأفراد الأسرة البابانية والمساجد والتكايا والأسواق والخانات والحمامات وشبكات مياه الشرب (مغارات المياه الكهاريز) والصرف الصحي والينابيع وجداول المياه والجسور والمطاحن وشبكات الاتصالات».
ويضيف أن المشروع يسعى إلى «إعادة رسم خارطة السليمانية التاريخية والأثرية بالاستعانة بنظام المعلومات الجغرافية GIS لتحديد مواقع تلك الأماكن بدقة وبناء قاعدة بيانات خاصة بها للحفاظ عليها وإتاحة الفرصة لإعمارها وتحويلها مستقبلاً إلى مناطق حضرية وسياحية»، ويبين أن المشروع «يلاحق المراحل التاريخية لتطور السليمانية من خلال مجموعة الخرائط التي سيتمخض عنها بنحو يسهم في تصحيح معلومات الباحثين والمؤرخين».
مسجد وردة العنبر
وأوضح المهندس عادل مولوي، أن الشركة «اشترت مجموعة وثائق تاريخية من تركيا وبريطانيا وأخرى محلية وتنسق مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للحصول على تفاصيل تخص جامع خورمال التاريخي الذي يعود للعهد الراشدي بحسب التنقيبات الأثرية ويعد من أقدم جوامع كردستان ومن المعالم الأثرية القديمة والفريدة من نوعها في كردستان والمرافق الخاصة به من مدرسة وحوض ماء وغيرها»، ويلفت إلى أن المشروع يتضمن «إعادة تصميم جامع خورمال والمدرسة الملحقة به على وفق الخرائط والوثائق القديمة وتقديم الاستشارة للجهة المنفذة بالتنسيق مع أهالي المنطقة والسلطات المعنية والأهالي حيث تبرع أحدهم وهو الحاج عابد الهورامي بتمويله».
ويذكر أن المشروع الذي «ينفذ في قضاء خورمال (79 كلم شرق مدينة السليمانية) يتضمن جامع ومدرسة وحوض ماء ومتحف وأسواق وكافتريات ومطاعم لتكون المنطقة عامل جذب سياحي وحضاري»، وينوه إلى أن الشركة «أعدت الخرائط الخاصة بالمشروع لأكثر من عام ونصف استناداً إلى الوثائق التاريخية والمقابلات مع شهود عيان».
ويعد الجامع الكبير في خورمال (خورمال التسمية الحديثة بعد أن كانت تعرف باسم كلعنبر أي وردة العنبر في العهد العثماني)، في محافظة حلبجة، من مساجد العراق الأثرية والتراثية، بني في عهد الفتح الإسلامي (عام 18 هجرية)، وقد أعيد بناؤه وتعميره في زمن أمراء الأسرة البابانية، ويذكر المؤرخون إنه يعود إلى عهد القائد الاسكندر المقدوني، بعد فتوحاته باتجاه الشرق في فارس وعودته، ويقال إنه سمي هذا المكان وقد توارثته الأجيال، وبعد الفتح الإسلامي للعراق ومجيء الصحابي عبد الله بن عمر بن الخطاب (رض)، جعل المبنى مسجداً تقام فيهِ الصلوات.
وفي عام 1640 ميلادي، في عهد البابانيين، تم تحويل الجامع إلى مركز لهم، وأن قبورهم ما تزال هناك لحد الآن، وكانت المنطقة تسمى بولاية شهرزور. وقد رمم المسجد عدة مرات لأهميته التاريخية، ففي عام 1954 أمر الملك فيصل الثاني، بترميمه بعد زيارته للمنطقة، ورمم أيضاً من قبل الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر، عام 1974، لكنه تعرض للتدمير والهدم سنة 1988 خلال الحرب العراقية الإيرانية، وفي العام 1992 قامت الرابطة الإسلامية بترميمه، أما في عام 2012 فقررت وزارة الأوقاف الكردستانية ترميم المنارة فقط، غير أن أعمال ترميمه توقفت بسبب قرار من اليونسكو. علماً أن المسجد يحتوي على أشجار معمرة كبيرة ونبع ماء عذب، والمنطقة التي تضمه تعد قبلة للسياح بأجوائها المعتدلة وطبيعتها الخلابة.
ويتابع المهندس عادل مولوي، أن الشركة «تقوم أيضاً بتقصي آثار قلعة خورمال وسور المدينة التاريخي كون المسجد كان أحد مكونات القلعة كما ورد في كتب الرحالة، لاسيما أبو دلف مسعر ابن مهلهل الخزرجي، الذي زار المنطقة منتصف القرن الرابع الهجري أثناء عبوره إلى بلاد فارس وتقديم الاستشارة الفنية للجهة المنفذة بموجب الوثائق التاريخية التي حصلت عليها»، ويورد أن المشروع «ينفذ من قبل مجموعة جهات منها دائرة الآثار وجامعة السليمانية ودائرة الأوقاف العامة في حلبجة ومركز كردستان للفنون والثقافة KCAC في أربيل.
(منظمة مقرها أربيل مخصصة لبناء مجتمع عالمي شامل يحتفل بتراث كردستان وثقافتها وفنها ويحافظ عليها ويروج لها) الذي ينسق مع اليونسكو فضلاً عن الممول».
• أزهر كردستان
ومن المشاريع الرائدة الأخرى التي تنفذها الشركة، تلك الخاصة بمسجد بيارة المعروف بكونه (أزهر كردستان) نسبة إلى الجامع الأزهر الشريف في مصر، والمدرسة الملحقة به.. وفي ذلك يقول المهندس عادل مولوي، إن الشركة «حصلت على الخرائط والوثائق التاريخية الخاصة بمسجد ومدرسة بيارة من الأرشيف العثماني بهدف إعادة بناءها على وفق واقعها التاريخي الأصلي بالتنسيق مع دائرتي أوقاف حلبجة وآثارها والحكومة المحلية بالمحافظة بأمل الحصول على التبرعات اللازمة لتمويل المشروع»، وينوه إلى أن الشركة «تبرعت بإعداد التصاميم الخاصة بالمشروع استناداً للوثائق التاريخية».
ومسجد بيارة، يعد من مساجد العراق التراثية، ويقع على أحد سفوح جبال حلبجة، بمنطقة بيارة، حيث تحيطه الجبال من جميع الجهات، وشيد في عهد الدولة العثمانية قبل حوالي 250 عام، وتعود أهميته الدينية نسبة إلى المدرسة الملحقة به (خانقاه بيارة)، ومن ملحقاته محلات تجارية، ومرقد روضة شاه شير مردان وضياء الدين ونجم الدين علاء الدين آل عثماني.
وتم إنشاء خانقاه (كلمة فارسية يقصد بها المكان الذي ينقطع فيه المتصوف للعبادة) بيارة على يد الشيخ عمر ضياء الدين عام 1885، وكانت تعد المقر الرئيس للطريقة النقشبندية في إقليم كردستان (من طرق التصوف الإسلامي)، ويروي شيوخ الطريقة أن الخانقاه قد بنيت على أساس حلم للشيخ عمر ضياء الدين.
وكان للخانقاه مهمتان عبر التاريخ، الأولى هي المهمة الدينية وتعليم العلوم الإسلامية، والثانية هي خدمة الفقراء الذين يقصدونها للاستراحة وتناول الطعام.
• آثار مولانا النقشبندي
مشروع رائد آخر يحدثنا عنه المهندس عادل مولوي قائلاً، إنه «يتمثل بتقصي آثار العارف والعالم الكبير مولانا خالد النقشبندي لإعداد خارطة تحدد الأماكن التي عاش بها أو مر بها ومنها جامع محوي الذي كان يدرس فيه»، ويبين أن المشروع يهدف إلى «معايشة الرحلة العلمية والروحية للعارف والعالم الشهير في السليمانية قبل رحيله إلى الشام كخطوة تمهيدية لإعادة إعمار تلك الأماكن على وفق طرازها الأصلي لتكون معلماً حضارياً وسياحياً في المحافظة».
ومولانا خالد النقشبندي، هو خالد بن أحمد بن حسين، أبو البهاء، ضياء الدين النقشبندي المجددي، صوفيّ فاضل، ولد في قصبة قره داغ (من بلاد شهرزور) والمشهور أنه من ذرية الخليفة عثمان بن عفان (رض). هاجر إلى بغداد في صباه، ورحل إلى الشام في أيام داود باشا (والي العراق) وتوفي في دمشق بالطاعون.
يذكر أن عادل لطيف مولوي، من مواليد 1978 وحاصل على بكالوريوس هندسة بناء وانشاءات من جامعة السليمانية، وآخر بالهندسة المدنية من كلية الهندسة جامعة بغداد.. وفي مرحلة دراسته الإعدادية شارك بإصدار مجلة (بيشنك) أو الرائد الثقافية.