الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السجاد الكاشاني باهظ الكلفة (2)

بواسطة azzaman

السجاد الكاشاني باهظ الكلفة (2)

منقذ داغر

 

في المقال الأفتتاحي لهذه السلسلة أشرت الى أن ملعب هذه المنطقة سيشهد في عام 2025 نتائج صراع الدوري بين المشروع الإيراني ونظيره العثماني وثالثهما الأستيطاني. فالمشروع الإيراني الذي ترجع بداياته لثمانينات القرن الماضي،أنطلق بقوة بعد أحتلال العراق في 2003 مستثمراً عاملَين أستراتيجيَين مهمَين هما الواقع الجيو سياسي وهو ما فصّلته في المقال السابق،والعامل الجيو ديموغرافي وهو ما سأفصله اليوم.

أحتلال العراق

2)إستثمار الواقع الجيو ديموغرافي. إذا كان المنطق والعقل هو الذي جعل إيران تربح رهانها الجيوسياسي بعد أحتلال العراق، فأن المشاعر والقلوب هي القوة الدافعة للبعد الجيو ديموغرافي الذي أستثمرته إيران.

لقد لعب التاريخ دوراً حاسماً في ربح الجغرافيا في المشروع الإيراني. فقد أدى غياب دولة المواطنة في كل الدول التي فيها امتدادات ديموغرافية (شيعية) الى منح إيران بقيادتها الثيوقراطية عامل مهم لدعم مشروع تصدير القوة (الثورة). ولأن جميع دول المنطقة تُحكم من قبل أنظمة شمولية لا ديموقراطية،فقد تم استثمار عدم مشاركة (الشيعة) في حكم تلك الدول وتصويره على أنه انتهاك وامتهان للمعتقد الطائفي وللمظلومية التاريخية التي عانى منها الشيعة منذ سقوط الدولة الفاطمية قبل أكثر من الف سنة. وسواء كان هذا التصور صحيحاً أو أن عدم مشاركة الشيعة في الحكم يعود لأسباب تتعلق ببُنية النظم الشمولية في المنطقة كما يعتقد البعض فأن النتيجة كانت واحدة. إذ جرى التركيز على مظلومية التاريخ التي قادت لتهميش الشيعة. لقد كانت هناك قطاعات واسعة من (الشيعة) في العراق أو دول المنطقة عموماً يشعرون أنهم مواطنون درجة ثانية أو حتى ثالثة من حيث حقوقهم السياسية والدينية.بالتالي فأن هناك حاجة ماسة لوجود داعم سياسي يعزز من مكانتهم داخل بلدانهم في وجه الأنظمة الحاكمة،ويرفع الظلم التاريخي الذي ساد جغرافية المنطقة. وهل هناك من داعم أفضل من أيران القوية (النووية) التي يحكمها الولي الفقيه والتي تطبق الشريعة الأسلامية(الشيعية)؟! هل هناك داعم أفضل من نظام أستطاع الثورة على ظلم الشاه وقهر أكبر حارس للمصالح الأمبريالية في المنطقة؟! هنا قد يبرز من يقول،لكن المظلومية التاريخية لا تشمل كل شيعة المنطقة بدليل سوريا. فالشيعة في سوريا (العلمانية-العروبية) هم الذين يحكمون فعلاً منذ عشرات السنين وبالتالي لا يعانون من مظلومية تاريخية فلماذا يساندون هذا المحور(الديني- اللاعروبي)؟ الجواب على التساؤل يكمن أولاً في شعور الشيعة في كل المنطقة، وكل السوريين معهم، أن النظام السوري هو ليس نظام (شيعي) حقيقي. وحتى الادعاء بأنه نظام علماني-عروبي هو غير صحيح. أنه نظام شمولي ديكتاتوري وبالتالي لا يمتلك أي مشروع يمكن أن يغري الشيعة في سوريا للأنضمام له. في المقابل فأن محور المقاومة الذي تقوده إيران هو ليس فقط مشروع (شيعي-ديني) بل هو أيضاً مشروع وطني قومي جاذب يقود لتحرير فلسطين وبالتالي يمكن الانضواء تحته.

الخلاصة أن المشروع الإيراني أستثمر الواقع السياسي العربي المشتت في ما بعد احتلال العراق في 2003 وأستطاع نسج سجادة (كاشانية) قوية أعتماداً على نفوذه الطائفي من جهة،وقوته الداخلية من جهة ثانية،والفراغ الجيو سياسي الناجم عن  أندحار نظام صدام  وكثير من الأنظمة الأخرى بعد الربيع العربي من جهة ثالثة. وتشكل عملياً ما سُمي بالهلال الشيعي ليمثل القوة الضاربة للمشروع الإيراني.

وعلى الرغم من النجاحات الساحقة لهذا المشروع طيلة العقدين الماضيَين الا أنه أستبطن تهديدَين مهمَين لم ينتبه لهما الحائك الأيراني.

التهديد الأول هو تهديد داخلي سببه هذا التوسع الكبير والامتداد الواسع لحلفاء إيران وأذرعها في المنطقة.هؤلاء الحلفاء لم يكونوا دول بل ميليشيات وتنظيمات لا تمتلك أي موارد اقتصادية لتسليحها وأدامتها فوقع على إيران بالتالي عبء التمويل والأدامة. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة فقد قدرت بعض المصادر ما تنفقه أيران على حزب الله سنوياً بحدود 100-200 مليون دولار طيلة العقود الثلاثة الماضية،في حين أنها(أي أيران) أنفقت ما يوازي 50 مليار دولار على أستثماراتها العسكرية في سوريا. هذا ناهيك عن 10-20 مليون دولار يتم أنفاقها على الحوثيين سنوياً.

أن من المعروف أن الأقتصاد الإيراني أقتصاد منهك من العقوبات المفروضة عليه منذ عقود وبالتالي فحتى لو أنفق ربع هذه المبالغ طيلة السنوات الماضية فأنه كان لا بد أن يصل الى مرحلة العجز عن تمويل هذه الأذرع التي تشكل سجادته الكاشانية.

مشروع اقليمي

أما عامل التهديد الثاني للمشروع الإيراني فهو خارجي.إذ كان من الطبيعي أن يستفز هذا المشروع الإقليمي منافسي إيران الآخرين في المنطقة سواءً الأقليميين منهم(تركيا واسرائيل) أو الدوليين(أمريكا)،بخاصة بعد أن أصطف هذا المشروع ضمن محور عالمي أوسع شمل روسيا،والصين وكوريا الشمالية ايضاً. أن تمدد ونجاح هذا المشروع لم يكن مهدِداً للمشروع الأسرائيلي  فقط،ولا للمشروع التركي أيضاً بل كان يهدد العالم الغربي وأمريكا من خلال السيطرة على منابع النفط العالمية،وخطوط أمدادها فضلاً عن مشاريع النقل الأستراتيجية الكبرى التي يقع معظمها في قلب هذه المنطقة المفروشة بالسجاد الأيراني.

ولا أدري فعلاً هل هو العمى الأستراتيجي،أم غرور القوة الذي جعل إيران تعتقد أن مشروعها يمكن أن يمضي الى مدياته دون أن يجري تــــــــحديه وتحييده فعلاً!!

وفي الوقت الذي أهتمت فيه إيران كثيراً بحسابات التاريخ والجغرافيا،الا أنها أهملت حسابات الرياضيات والمنطق السياسي فأصاب ذلك مشروعها في مقتل. مع ذلك وأستناداً الى تصريحات المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم الخامنئي ثم وزير الخارجية (عرقجي) فلا يبدو أن أيران قد ألقت المنديل بعد. نعم أنها باتت تلعب بالوقت الضائع،وقد فقدت أهم لاعبيها مثل الأسد و نصر الله،الا أن من يعرف إيران يعلم أنهم يمتازون بالصبر الطويل وعدم الاستسلام بسهولة.

 لذا فأن من المتوقع أن يشهد عام 2025 بدايات أعادة ترميم المحور الإيراني وربما إعادة صياغة لبعض منطلقاته وثوابته بالشكل الذي يحفظ لإيران مقعداً أساسياً على طاولة المفاوضات التي ستحدد مستقبل المنطقة. ولكي يحصل ذلك فأن أيران بحاجة للعب بعض أوراقها ومنها :1) قدرتها على التأثير في القرار العراقي،2) قدرتها على أثارة المشاكل في سوريا لتحويلها الى دولة فاشلة مهددة للسلم الأقليمي،3) قدرتها على لعب الورقة اللبنانية سياسيا من خلال حزب الله الذي سيعيد بالتأكيد من أستراتيجياته السياسية،وربما العسكرية، في لبنان،4) قدرتها على التأثير في الملف اليمني الذي يهم السعودية كثيراً غلقه،5) وأخيراً قدرتها على المناورة في ملف التحالف الأستراتيجي مع محور الصين وروسيا. ففي كل هذه الملفات تستطيع إيران المناورة لصالح كسب مزيد من النقاط في سباق دوري المشاريع السياسية في المنطقة. ومع ذلك يبقى هناك عامل حاسم قد يغير كل هذه الحسابات يتمثل في الموقف الأمريكي من إيران في ظل أدارة ترامب وهو ما سيتم التطرق له في الجزء الخاص بالمشروع الإسرائيلي الاستيطاني.


مشاهدات 136
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/12/28 - 2:57 PM
آخر تحديث 2025/01/22 - 8:57 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 431 الشهر 10366 الكلي 10200331
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير