الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مدن وليدة وأخرى مميتة

بواسطة azzaman

نقطة ضوء

مدن وليدة وأخرى مميتة

محمد صاحب سلطان

 

المقارنات التي تجرى بين المدن، من حيث المساحة والنظافة والموقع وعدد النفوس وطبيعة المناخ، ربما تحدد الملامح الخاصة بكل مدينة، ولكن المقارنة الحقيقية لطبيعة الناس يصعب تحديدها بالقدر الكافي، كي نطلق على تلك المدينة سمات بهجة أو حزن، فالمدن تفرح وتحزن، وتسعد بناسها،إن كانوا خيرين، فهي مدينة خيرة، وإن كانوا مسالمين فهي مدينة مسالمة، وهكذا دواليك، تأخذ صفاتها من النزعة التي تتحكم ببشرها، بل تطغى في غالب الأحيان ،طبائع البشر على طباع البيئة ذاتها، والتاريخ يذكرنا دوما، بمدن أضحت الدماء التي سفكت على جوانبها قد تجذرت وطبعت بملامح أنفاس أبنائها، وهي كثيرة وشواخصها حاضرة في الذاكرة الجمعية للمجتمع، وتبادل الادوار في الطبع والتطبع، قائم في سلوك الأفراد، فمن كانت بيئته حارة أو ثلجية، نراه يتقمص معالم تلك البيئة، في الملبس والمأكل والمشرب، وتلك الصفات تنطبع على السلوك والممارسة، والكل يحاول أن يتكيف، ومسكين من يعاكس أو يتعاند معها، فالخسارة متحققة لا محالة، إذ ليس للإنسان من حيلة سوى التكيف مع ما تفرضه بيئته،  وأقسى ظروف البيئة هو المناخ، فالمدن النارية، نسبةلارتفاع درجات الحرارة فيها، كمدن العراق والخليج العربي ومدن الصحاري، تتعطل فيها الحياة البشرية وتنكفئ على أعقابها إن لم تتوفر فيها مقومات المواجهة، وأولها توافر الكهرباء وعدم إنقطاعها، وهذا مالم يتحقق في مدن العراق بإستثناء شماله، فالناس تحرقهم الحرارة التي تجاوزت منتصف درجة الغليان، وهم يعيشون على صفيح ساخن كما يقال، بعد أن أخذ منهم شهر تموز بشطره الثاني ما أخذ، قابله تلكوء مزمن في منظومة الكهرباء التي لم يجد لها حل حتى الآن، برغم المليارات الدولارية التي سفكت على أعتابها، حتى بات الناس مقتنعون بإن هذه المشكلة لا حل لها، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، فعرق الناس شلال دائم النضوح، ووهج الوجنات واختناق الصدور بهوى (الشرچي)، هي الطاغية في حياتهم، حتى الغالبية منهم، لا تريد سوى نسمة هواء عليلة تطفئ ظمأ النهار القائض، ومعاناة دقائق القلق المتقلب مع أمبيرات المولدات، إن ترحم أصحابها على موتاهم ووهبوها للمنبطحين على أرضيات المنازل بحثا عن البرودة!، فمن يرى الموت يرضى بالسخونة، وهاهي المبتكرات البدائية تعود للواجهة بعد أن يأسنا من تغيير حال الكهرباء، فعادت (المهفات) و(الدوش) بالملابس الخفيفة، وإبتكارات(إبداعية) جديدة لم تخطر على بال، ومن يرى فديوهات شبكات التواصل الاجتماعي ،يجد العجب فيها، حتى أضحى بعضهم (لابس من غير هدوم) كما يصف الحال أشقاءنا المصريين!.

وهنا بودي، أعاود السؤال المزمن لإصحاب الشأن و(قادة) ملف الكهرباء في الداخل والخارج، إلى متى يبقى الحال كما هو عليه الآن ؟، نعاني صيفا وشتاءا وباقي الفصول ، لم لا تفكرون بحال الناس الذين تتعطل أشغالهم وتنطفئ أحلامهم بسعادات وهمية، علما إن الحل لا يحتاج إلى قوى سحرية، بل إلى قرار إنساني وطني، يتحسس المعاناة ويحد من تفاقمها، ألا تكفي معاناة أكثر من عقدين من الزمان؟، ولم تتحول مشكلة فنية إلى مشكلة سياسية لا حل لها، مثل الدستور المغلوب على أمره، كل يفسره على هواه، وفق ما يريد وما يرتأي، ألم يخرج لنا أحد المسؤولين سابقا، بتصريح شهير، وهو يعد العراقيين بأنه في عام 2006، ستحل مشكلة الكهرباء ،بل وسيتولى مهمة تصديرها إلى من يحتاجها من الدول المجاورة، وهاهي السنوات تمر من دون أن نلمس كفاية إنتاج ولا تصدير سوى العجاج!، بل ظهرت لنا مستجدات إعاقة جديدة، كالطاقة والغاز المستورد للتشغيل، وأصبحنا بين حانة ومانة، مسلوبي الإرادة، يتحكم بنا هذا الطرف أو ذاك، فيما صاحب التصريح يتنعم بدفئ كهرباء لندن شتاءا وتبريدها صيفا، والمواطن تنتف ريشه واحدة تلو الأخرى!، وبعد أن يأست من التصريحات العنترية، سألت صديق فيسبوكي خبير بأحوال الكهرباء ورجوته البحث عن حل، فأجابني: مشكلة الكهرباء عندكم، ليست تقنية فقط ،بل سياسية وإدارية بالدرجة الأولى ، وأي حل حقيقي، يتطلب إرادة سياسية صادقة، وإدارة مهنية شفافة، وإنخراط المجتمع المدني للضغط والمتابعة، فقلت: حلولك هذه، حتى الطفل من شدة المعاناة يعرفها، فأين الحل العملي؟، سكت ولم يجب ولسان الحال يردد: كان الله في العون يا صديقي، وأنتم مقبلون على شهر آب اللهاب الذي يقلع المسمار من الباب!

 


مشاهدات 251
الكاتب محمد صاحب سلطان
أضيف 2025/07/26 - 1:44 AM
آخر تحديث 2025/07/26 - 3:16 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 499 الشهر 17353 الكلي 11170965
الوقت الآن
السبت 2025/7/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير