الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إنعدام الرقابة الشعبية يقوّض الديمقراطية

بواسطة azzaman

إنعدام الرقابة الشعبية يقوّض الديمقراطية

سالم روضان الموسوي

 

يقول عالم الاجتماع الفرنسي (آلان تورين) ان الخصم الرئيس للديمقراطية في العصر الحديث هو «التوتاليتارية»  (Totalitarianism) ويقصد بها النظام سياسي يتميز بسيطرة الدولة الكاملة والشاملة على جميع جوانب الحياة العامة والخاصة للمجتمع، الذي تسعى السلطة الحاكمة من خلاله إلى التحكم في كل شيء من السياسة والاقتصاد إلى الأفكار والعقائد والسلوكيات الشخصية، وقد ينطبق هذا القول ولو نسبياً على ما نحن عليه الان ،

حيث لاحظنا محاولات بعض الأحزاب والفئات المتحكمة بالسلطات العامة في الدولة بفرض مفاهيمها الخاصة على عموم الشعب الذي اصبح تعداده يناهز (45) مليون نسمة، ولم يقف عند الأفكار السياسية بل حتى في فرض عقائدهم ومعتقداتهم، وعقدهم الخاصة، ومع الأسف نجد ان جميع السلطات الدستورية يعاضد بعضها البعض، مما اصبحوا في تماهي تام، فجعلهم في طبقة واحدة متحكمة بجميع الأمور، وادت الى عزلها عن الشعب، فانتقل المشهد من التمثيل البرلماني الى الديكتاتورية الجماعية، او في بعض الأحيان ديكتاتورية الافراد، وكل فردٍ في سلطته التي يقودها فجعلوها وكأنها مقاطعات لا يملكها سواهم، فعاد بنا الحال الى نظام الاقطاع، ويشير العالم «كلسن» الى ان التماهي بين السلطات في الدولة يؤدي الى منحها صلاحيات لا حدود لها.

رقابة شعبية

وهذا ما دعا المجتمعات الى ابتكار اساليب أخرى للحد من هذه الديكتاتورية الجماعية، وظهرت فكرة الديمقراطية وغيرها، الا ان اهم ما ظهر هو الرقابة الشعبية، التي يمارسها الشعب على سلطات الدولة كافة، لان ليس من المنطق ان تتحكم بالشعب ولا تمنحه فرصة الرقابة على ما تقوم به، وهو مصدر السلطات التي يمارسها هؤلاء المتحكمين بالمشهد على وفق ما جاء في المادة (5) من الدستور، وان بطونهم وجيبوهم اكتنزت من أموال الشعب لان جميع الثروات تعود ملكيتها للشعب، بل ان القوانيين التي تقرر مزايا تلك الطبقة الحاكمة او تلك التي تضطهد الشعب تصدر باسمه ايضاً، والادهى من ذلك ان الاحكام التي تصدر من المحاكم والتي تنهى بها حياة انسان او تعطيل ممارسة حق من الحقوق في العادة تكون باسم الشعب وعلى وفق احكام المادة (128) من الدستور. ومع كل ما ورد في الدستور من ان الشعب هو الأول ومن يتحكم بالمشهد هو الثاني، الا ان الواقع يصور لنا عكس ذلك، بل حتى انه منع من ممارسة دوره في رقابة من يعمل بسلطة الشعب هو مصدرها، وهذا كان محل بحث معظم الفقه الدستوري المتعلق بوجود الرقابة الشعبية،

الا ان كيفية هذه الممارسة سعى بعض خدام ومطبلي ومتملقي المشهد القائم الى تصويرها بانها تكون بتنظيم يقرره المتحكم ذاته، مع انه هو المستهدف بالرقابة على اعماله، وكأنما هذه الرقابة منحه يهبها هؤلاء المتحكمون بالمشهد العراقي، و اجتهد المختصون في دراسة اليات الرقابة الشعبية، الا ان كل المقترحات والصور التي وردت في الأبحاث والدراسات تشير الى ان حرية التعبير عن الرأي هي الوسيلة المثلى للرقابة الشعبية،

لكن من المؤسف القول ان جميع السلطات تعاضدت وبقوة على منع ممارسة هذا الحق، منها ما يسعى اليه البعض بتمرير قانون جرائم المعلوماتية ذلك القانون البوليسي الذي سوف يطال الجميع ولا ينجو منه احد الا اذا استغنى عن الحاسوب والهاتف الذكي، والذي يناقش لتمريره في الغرف المظلمة، كذلك نجد السلطات الأخرى المكلفة بحماية الحقوق الدستورية هي من تغلظ العقوبة بعد ان جعلت من كل ما يعبر عنه المجتمع وبوسائله الخاصة الأدبية والنقدية والفنية عدته من الجرائم المعاقب عليه، وفعلا صدرت بعض أوامر القبض والاحكام ضد من قال قولا لا يتفق مع توجه هذه السلطات.

نظام حكم

وهذا الحال أدى الى عدم وجود صوت واضح المعالم ومعروف المصدر يعبر عن هذه الرقابة لان الغالب اما صامتا من خشية المحاسبة او يعبر بصوت خفي وقد يتوارى خلف الأسماء الوهمية، ومن ثم أدى هذا الحال الى تقويض الديمقراطية التي تأسس عليها نظام الحكم في العراق بموجب الدستور النافذ، حتى ان اهم مبدأ فيه اصبح معطلاً الا وهو مبدأ التداول السلمي للسلطة، في بعض مفاصل الدولة.

 

  قاضٍ متقاعد

 

 

 


مشاهدات 373
الكاتب سالم روضان الموسوي
أضيف 2024/12/04 - 11:20 PM
آخر تحديث 2025/01/23 - 12:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 247 الشهر 10686 الكلي 10290651
الوقت الآن
الخميس 2025/1/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير