الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدين والسياسة .. بين الإستقلال والإستغلال

بواسطة azzaman

الدين والسياسة .. بين الإستقلال والإستغلال

خالدة خليل

 

إرتبط مفهوم العقد السياسي في أوربا بالثيوقراطية البابوية والذي تجاوزه العالم الحديث من خلال المفاهيم الديمقراطية . وأصبحت العلاقة في الغرب بين الحاكم والمحكوم معقودة بالمؤسسات ومنظمة وفق الاداء السياسي البحت دون أي تدخل للدين في شؤون الدولة أو العكس ،وأعادت رسم العلاقة بين المجالين الديني والسياسي على نحو من التمايز والإستقلالية ،  بينما بقيت هذه العلاقة في العراق مابعد 2003 متمفصلة مع بعضها البعض ومعقدة ،  في ظل ظروف معقدة دولياً وإقليمياً وبسبب ارتباط الوعي الجمعي بالموروث الديني الذي هو جزء لايتجزأ من حياة الإنسان الشرقي ، فأصبح الدين فاعلاً رئيسياً في الأحداث والوقائع الإجتماعية والسياسية في المجتمع وليس فقط تعبيراً عن الحاجات الروحية ، مما جعلها علاقة تبادلية بين المجالين الديني والسياسي ، ويعزو أصحاب هذا التوجه تبرير هذه العلاقة  الى سببين أساسيين ، الأول هو إعتبار الدين مصدراً للهوية ولاغنى للمجتمع المدني عنه ، وأن قضايا المجتمع السياسية ومؤسسات الدولة والحكومة تندمج تشريعاتها في النسيج المتلاحم لكليات ومفردات العقيدة والشريعة مما يجعلها تلائم كل زمان ومكان  ، والسبب الثاني هو إضفاء الشرعية على النظام السياسي .

وقد تنبأ العديد من الباحثين قبل سنوات طويلة بعودة الأديان مرة أخرى في القرن الواحد والعشرين ليتحول الدين الى محرك قوي للشعوب خاصة في مناطق النزاع  ، حتى تم وصف هذا القرن بأنه ديني بأمتياز ، بسبب تلازم الدين مع الوجود الإنساني ومايلازم هذا الوجود من تطور حضاري وثقافي ، ولذلك يؤكد صاموئيل هنجتون في كتابه صراع الحضارات بأن الدين قد أصبج في العالم الحديث قوة مركزية أساسية ، تحفز وتعبئ الطاقات ، ويعتبر الإنبعاث الديني عبر العالم رد فعل ضد النسبية الأخلاقية والفردانية ، وترسيخا ً لنظام القيم والإنضباط والتضامن الإنساني .

انظمة مفلسة

ويقول روبين رايت : أن الدين قد أصبح قوة حيوية للتغيير على النطاق العالمي في نهاية القرن العشرين ، فبين المجتمعات المناضلة لتحرير نفسها من الأنظمة المفلسة وغير الكفية ، وإيجاد بدائل قابلة للبقاء ، يوفر الدين المثل الهوية والمشروعية والبنية التحتية بدرجات متباينة

لقد شهدت الفترة مابعد التغيير في 2003 في العراق وبشكل واضح استغلالاً للدين في الصراع السياسي وتوظيفاً للرموز الدينية لأغراض سياسية بحتة ، والإعتماد على تأجيج العاطفة الدينية والمظلومية التاريخية ، مما نتج عنه الإخفاق في بناء دولة مدنية من خلال الوقوف بوجه التشريعات المدنية التي تخدم المجتمع المدني الحديث والديمقراطية وسعيهم الى تضييق الخناق على الحريات الفردية ، محتجين بالدستور الذي  ينص على أن الاسلام هو دين الدولة الرسمي ، مع الأخذ بالإعتبار أن هذا الوصف لكائن إعتباري يعد من باب وصف النظام السياسي وهو خيار السلطة السياسية وليس الأفراد في تلك الدولة ، وقد يتخذ الدين أشكالا مختلفة من العلاقات مع الدولة ، حسب المرحلة التاريخية ، ووفقاً لخصوصية وضعه داخل كل مجتمع ، ووفقاً لرؤية الأنظمة السياسية وعلاقتها بالدين ، كما أن الدستور نفسه في الفقرة التي تلي عبارة ( الإسلام دين الدولة ) ينص على أنه لايجوز تشريع أي نص يتعارض مع مباديء الديمقراطية أيضاً .

إن المسؤول عن عدم حسم قضية الحقوق والواجبات على أساس المواطنة ، وإغلاق الباب أمام الدخول في متاهات الإسلام السياسي التي مازال العراق رهيناً لها هو الأحزاب التي تولت الحكم بعد 2003 ،والتي ضغطت بأقصى مايمكنها بالخطاب العاطفي التهييجي مستندة الى فكرة المكون الأكبر . وبذلك فقد المشروع الديني أيضاً قدرته على مواجهة التحديات الآنية والمستقبلية . وأصبح الدين ضحية الاستغلال الذي فرض عليه بما يخالف طبيعته الحقيقية ، حتى أحدثت تلك المعادلة  إختلالاً في ميزان المكونات فكان مدعاة لتسلل الفكر المتطرف الذي أستخدم في الصراع السياسي .

بقيت هذه الآفة ملازمة للسياسة منذ أكثر من عشرين عاماً  ، والسبب الرئيس يعود الى إستخدام الدين بطريقة  نفعية براغماتية حتى عمَ الفساد وحفر الاستبداد إخدوداً آخر في نهر الفكر السياسي العراقي مرة أخرى بسبب هذا الاستخدام للدين بما يتعارض مع طبيعة الدين ووظيفته ، إذ ليس للدين اي علاقة بالفواعل السياسية البشرية التي تستخدمه ، بل على العكس فإن ذلك قد يحول الدين الى شيء متقلب في أذهان المتدينين الى حد الإستفهام عن أسباب تقديسه ويثير الشكوك عند فشل المشروع السياسي الديني .إن جعل الدين بمنأى عن السياسة هو للحفاظ على سموه الروحي ولكي يبقى للإيمان إستقلاله ، ولردم الفجوة بين الدولة والمجتمع  ، وكما يقول جون لوك : إن مدار الدين الرئيس ليس إمتلاك أجهزة الدولة ، بل هو قناعات الأفراد الشخصية .

فرص عمل

كما أن واجب الدولة هو خدمة البشر قبل أي شيئ ، وأن توفر فرص العمل ، وتقدم التعليم والخدمات الصحية ، وليس أن تتحكم في عقول الناس وقلوبهم.

لم يقتصر الضرر الذي تسبب في استغلال الدين في إقصاء الخصوم السياسيين فحسب ،وإستبعاد مطالب الإقليم الفدرالي سياسياً وتنموياً ، بل تعدى ذلك الى محاولة إفشال التجربة الديمقراطية الناشئة في العراق ، والذي قد يكون مدعاة الى تفكك الدولة فيما بعد .فالقوى التي كان واجبها تقوية رابطة المواطنة ، إنهمكت بسبب قصورها الفكري وتغليبها للمصالح الحزبية في اطار الصراع على السلطة ، في كل ما من شأنه إضعاف هذه الرابطة حتى أصاب المواطن الغبن والظلم في عصر الديمقراطية الناشئة في العراق والتي كان يفترض أن تعمل على إنصاف المواطن الذي عانى طويلاً من الظلم في عهد الحكومات السابقة .

وهنا لابد من التأكيد على أن أزمة الشعب العراقي ليست أزمة دينية اخلاقية ، والإ لأستطاعت الأحزاب الإسلامية إصلاحها منذ عشرين عاماً بل هي أزمة غياب المؤسسات ،  وأزمة إدارة الدولة بطريقة تتوافق مع معطيات الديمقراطية الحديثة .

ونحن لسنا بحاجة لعقد سياسي جديد يحدد العلاقة بين الحاكم والشعب على أسس دينية ، بل بحاجة لإدارة الدولة بمفاهيم سياسية حديثة تتناسب مع الديمقراطية والفدرالية ، وفهم ديناميكية الازمات والتعامل معها وتأطيرها.


مشاهدات 281
الكاتب خالدة خليل
أضيف 2024/12/04 - 11:20 PM
آخر تحديث 2025/01/22 - 8:35 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 42 الشهر 10481 الكلي 10290446
الوقت الآن
الخميس 2025/1/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير