فاتح عبد السلام
كلامي هنا لا استهدف منه نقابة الصحفيين او أي اتحاد اعلامي او مؤسسة إعلامية حكومية في العراق، لكن الأسئلة التي اثيرها هنا تتوجه لمن يعنيه الامر في داخل البلد او خارجه، وليس بالضرورة ان تكون هناك إجابات موحدة ووافية لها .
اول سؤال، الى اين يذهب الاعلام العراقي وهو يتدفق كميا منذ عشرين سنة، لم نصل من خلالها الى استقلالية الاعلام كمثابة محمية بالقانون، برغم وجود قوانين عامة يجري اللجوء اليها عند الخصومات، واغلبها ذو طبيعة سياسية ، غير معني بها حصرا في هذه السطور، لأنها خصومات مزقت البلد ووضعته امام حافات الضياع ، وهي بالتأكيد لن تتيح للاعلام ان يسير على استراتيجية ضامنة للحريات والتقاليد المهنية.
تحرّرنا من وجود وزارة للإعلام، وتقاذفتنا الامنيات والاحلام والمشاريع لكن لم نصنع مناهج عمل اعلامي بديلة على نطاق واسع، لولا بعض النقاط المضيئة التي يعرفها المواطن العراقي العادي قبل سواه.
لا اميل الى اعتبار ان النماذج الإعلامية المتقدمة هي الموجودة في الغرب ابدا ، لكن هناك سياقات عمل نستطيع ان نجترح افضل مما لديهم لنضع نظريات عمل اعلامي توحده مشتركات أساسية تخص الوطنية والمهنية والحضارية كعناصر ثلاثة متلازمة من اجل انتاج الهوية اللائقة باعلام عراقي مرتجى.
هناك قابليات، تدربت في العقدين الأخيرين، لكن معظمها سحقته الاستحواذات الحزبية ورؤوس الأموال السياسية التي استباحت جوانب إعلامية وربّما دنستها أحيانا كما تفعل في الأوساط الانتخابية او الاستثمارية او العامة. وكان ينبغي ان يبقى الاعلام العراقي ناجيا من ذلك الاستهداف بوصفه سلطة رئاسية لا تقل اهمية عن أية سلطة تمتلكها رئاسة من الرئاسات الثلاث او الأربع التي يقوم على الجانب التنفيذي من الوضع العراقي برمته.
هذه القضية عميقة، ليس لأسئلتها إجابات نهائية لأننا أولا واخرا في مخاض التكوين، حتى لو مضى على لغتنا الإعلامية الجديدة عقدان من الزمن. غير اننا نحتاج الى مواجهة ذاتية صارمة مع الحقيقة في فرز الغث من الثمين، ومن ثم العروج نحو الأرضية القانونية والتشريعية التي يحتاجها الوجه الجديد للإعلام بوصفه جهة فوق الشبهات لاستقلالها ولبعدها عن التشرذم بكل انواعه الجهوية والفئوية والحزبية والقومية والطائفية.
عندما نقول ان هذه الوقفة المستحقة تحتاج الى مؤتمر للمراجعة ورسم معالم المسيرة للإعلام، نواجه من يتحدث عن تشكيلات رسمية لاستيعاب ذلك ، وهذا وهم كبير لانها تكوينات لا تعمل على نفس الرسالة، والا ما كان حال معظم الاعلام العراقي مثل غابة مكتظة بحاطبي ليل. كذلك هناك مَن يربط أي مبادرة لعقد مؤتمر غير عادي بالتمويل، وهذا يعني الارتهان الى الممولين. المسألة لم تنته، ولنا متابعة لتفاصيلها.
رئيس التحرير -الطبعة الدولية