الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حديث‭ ‬الملاجئ‭ ‬له‭ ‬بقية

بواسطة azzaman

حديث‭ ‬الملاجئ‭ ‬له‭ ‬بقية

فاتح عبدالسلام

يبدو‭ ‬انّ‭ ‬أي‭ ‬مدينة‭ ‬عربية‭ ‬تحتاج‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬رسم‭ ‬تخطيطها‭ ‬البنائي‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬وجود‭ ‬ملاجئ‭ ‬للطوارئ‭ ‬كافية‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحروب‭. ‬لا‭ ‬وقت‭ ‬محددا‭ ‬لوقوع‭ ‬الدول‭ ‬تحت‭ ‬نار‭ ‬الحروب‭.‬

‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬ملاجئ‭ ‬انتشرت‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الستينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بشكل‭ ‬خفيف‭ ‬وشبه‭ ‬نادر‭ ‬وبأعداد‭ ‬قليلة‭ ‬وربما‭ ‬رمزية‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تتوافر‭ ‬على‭ ‬سعة‭ ‬في‭ ‬المساحة‭ ‬أو‭ ‬ميزات‭ ‬بناء‭ ‬خاصة‭ ‬بالأماكن‭ ‬المضادة‭ ‬للقصف‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بأجواء‭ ‬آخر‭ ‬الحروب‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وإسرائيل‭ ‬في‭ ‬حينها،‭ ‬أي‭ ‬العام‭ ‬1967

وفي‭ ‬العقد‭ ‬الذي‭ ‬اعقب‭ ‬ذلك،‭  ‬قامت‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬بتقديم‭ ‬منح‭ ‬خاصة‭ ‬لبناء‭ ‬الملاجئ‭ ‬في‭ ‬المنازل،‭ ‬وكانت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬غرف‭ ‬بقياسات‭ ‬ضيقة‭ ‬فوق‭ ‬الأرض،‭ ‬وفي‭ ‬مكان‭ ‬منزو‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حديقته،‭ ‬ويكون‭ ‬البناء‭ ‬مُحصناً‭ ‬بطبقة‭ ‬سميكة‭ ‬من‭ ‬الكونكريت‭ ‬المُسلح‭. ‬وكانت‭ ‬لجان‭ ‬تفتيش‭ ‬تخرج‭ ‬في‭ ‬جولات‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬المواصفات‭ ‬المطلوبة‭ ‬قبل‭ ‬إتمام‭ ‬إعطاء‭ ‬المنحة‭ ‬المجزية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬لمَن‭ ‬يقرر‭ ‬بناء‭ ‬الملجأ‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬اهتمام‭ ‬بذلك‭ ‬الامر،‭ ‬الا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المبلغ‭ ‬المالي‭ ‬الذي‭ ‬سعى‭ ‬بعض‭ ‬المواطنين‭ ‬للإفادة‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬قسم‭ ‬منه‭ ‬لصرفه‭ ‬على‭ ‬احتياجات‭ ‬أخرى،‭ ‬ذلك‭ ‬انّ‭ ‬شبح‭ ‬الحرب‭ ‬بدا‭ ‬بعيداً‭ ‬،‭ ‬وربّما‭ ‬بعيداً‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬السبعينات‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يستيقظ‭ ‬العراقيون‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬أيلول‭ ‬العام‭ ‬1980‭ ‬على‭ ‬غارات‭ ‬إيرانية‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭ ‬بعد‭ ‬الضربات‭ ‬الجوية‭ ‬العراقية‭ ‬المفاجئة‭ ‬على‭ ‬أغلب‭ ‬المطارات‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬الإيراني‭ . ‬ولأنّ‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬خاضعة‭ ‬لثقل‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة،‭ ‬اذ‭ ‬كادت‭ ‬القوة‭ ‬الجوية‭ ‬الإيرانية‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬ساحة

‭ ‬العمليات‭ ‬في‭ ‬الجبهة‭ ‬فقد‭ ‬تلاشت‭ ‬فكرة‭ ‬الحاجة‭ ‬الى‭ ‬ملاجئ،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬انشغلت‭ ‬بالمجهود‭ ‬العسكري‭ ‬المباشر‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬لمنحها‭ ‬للمواطنين‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الملاجئ‭ ‬المنزلية‭. ‬وانتهت‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬1988،‭ ‬ما‭ ‬لبثت‭ ‬حرب‭ ‬أخرى‭ ‬كبيرة‭ ‬ان‭ ‬اندلعت‭ ‬في‭ ‬1991‭ ‬وكانت‭ ‬الحاجة‭ ‬ملحة‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬لملجأ‭ ‬آمن‭ ‬بعد‭ ‬موجات‭ ‬القصف‭ ‬بالصواريخ‭ ‬والطائرات‭ ‬الامريكية،‭ ‬لكن‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬فات،‭ ‬وبدأ‭ ‬الناس‭ ‬يفكرون‭ ‬بالفرار‭ ‬الى‭ ‬القرى‭ ‬والارياف‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬مستهدفة،‭ ‬لأنها‭ ‬تضم‭ ‬مرافق‭ ‬حيوية‭ ‬لإدامة‭ ‬الحياة‭ ‬ادرجوها‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬القصف‭ ‬كحال‭ ‬القطعات‭ ‬في‭ ‬الجبهة‭ ‬الجنوبية‭.‬

ثم‭ ‬حدث‭ ‬الحصار‭ ‬الدولي‭ ‬القاسي،‭ ‬وكانت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬دائما‭ ‬طوال‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬عاما‭ ‬حتى‭ ‬وقعت‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬2003‭ ‬ومع‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬ذاته‭ ‬وقد‭ ‬ازداد‭ ‬قوة‭ ‬مذهلة‭ ‬على‭ ‬القصف‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للعراقيين‭ ‬ملاجئ‭ ‬مطلقاً‭ ‬لأنّ‭ ‬سنوات‭ ‬الحصار‭ ‬كانت‭ ‬بالكاد‭ ‬تتيح‭ ‬لهم‭ ‬توفير‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬فكيف‭ ‬ببناء‭ ‬ملاجئ‭. ‬غير‭ ‬انّ‭ ‬العراقيين‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬عقدة‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬قصف‭ ‬الطائرات‭ ‬الامريكية‭ ‬ملجأ‭ ‬العامرية‭ ‬المحصن‭ ‬والمبني‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬اجنبية‭ ‬ببغداد‭ ‬وقتل‭ ‬المئات‭ ‬في‭ ‬1991

وتساوى‭ ‬لديهم‭ ‬الاحتماء‭ ‬بالعراء‭ ‬او‭ ‬بالسقف‭ ‬المحصن،‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬كان‭ ‬الموت‭ ‬محدقا‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭. ‬أتذكر‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬مآسي‭ ‬العراق،‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬الأطفال‭ ‬والمدنيين‭ ‬لا‭ ‬ملجأ‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬تحت‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬العنيف،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬رحمة،‭ ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬الموت‭ ‬يحصد‭ ‬المدنيين‭  ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬وحلب،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬ملاجئ‭ ‬لهم‭.‬

 

رئيس التحرير-الطبعة الدولية

fatihabdulsalam@hotmail.com


مشاهدات 631
الكاتب فاتح عبدالسلام
أضيف 2023/10/30 - 4:17 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 3:57 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 336 الشهر 7904 الكلي 9369976
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير