الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المساكن‭ ‬العمودية‭ ‬والمستقبل

بواسطة azzaman

المساكن‭ ‬العمودية‭ ‬والمستقبل

محمد زكي ابراهيـم

 

 

لا‭ ‬يبدو‭ ‬أننا‭ ‬وسط‭ ‬المتغيرات‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬تجتاح‭ ‬العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬قادرون‭ ‬أن‭ ‬نحقق‭ ‬ما‭ ‬حلمنا‭ ‬به‭ ‬أيام‭ ‬الصبا،‭ ‬أو‭ ‬نظفر‭ ‬بما‭ ‬كنا‭ ‬عقدنا‭ ‬عليه‭ ‬العزم‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬وبات‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نرضى‭ ‬بالقليل‭ ‬الذي‭ ‬نجده،‭ ‬ونقنع‭ ‬باليسير‭ ‬الذي‭ ‬نلقاه‭.  ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬كأفراد،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تعاني‭ ‬دولنا،‭ ‬وحكوماتنا،‭ ‬ومؤسساتنا‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة،‭ ‬من‭ ‬الشيء‭ ‬ذاته،‭ ‬وتعجز‭ ‬عن‭ ‬التخطيط‭ ‬للقادم‭ ‬من‭ ‬السنين،‭ ‬بل‭ ‬وتقف‭ ‬مذهولة‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬أمام‭ ‬أعينها‭ ‬من‭ ‬تطورات‭.  ‬

والأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى،‭ ‬ولا‭ ‬تكفي‭ ‬صفحات‭ ‬كثيرة‭ ‬للإحاطة‭ ‬بها‭.  ‬

لكننا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نلتفت‭ ‬إلى‭ ‬معاناة‭ ‬العراقيين‭ ‬الأولى،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬ستنتهي‭ ‬يوماً،‭ ‬فسنجد‭ ‬أنها‭ ‬دون‭ ‬ريب،‭ ‬مشكلة‭ ‬السكن‭.  ‬

ومذ‭ ‬أبصرت‭ ‬أعيننا‭ ‬النور،‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬البناء‭ ‬مستمراً،‭ ‬ومازالت‭ ‬الأحياء‭ ‬تتكاثر،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الدور‭ ‬القائمة‭ ‬أخذت‭ ‬تنقسم‭ ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬إلى‭ ‬منازل‭ ‬مجهرية‭. ‬

وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬فإن‭ ‬مشاريع‭ ‬المساكن‭ ‬العمودية‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬وسواها‭ ‬من‭ ‬المدن،‭ ‬تنتشر‭ ‬بما‭ ‬يشبه‭ ‬الثورة‭. ‬أما‭ ‬توزيع‭ ‬قطع‭ ‬الأراضي‭ ‬على‭ ‬منتسبي‭ ‬الدولة،‭ ‬فلم‭ ‬يتوقف‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭.  ‬

‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الحاجة‭ ‬للوحدات‭ ‬السكنية‭ ‬ترتفع‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬والشتائم‭ ‬تطال‭ ‬الحكومة،‭ ‬والاتهامات‭ ‬التي‭ ‬توجه‭ ‬للمسئولين‭ ‬لا‭ ‬تنقطع‭ ‬بالمرة‭.  ‬

‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬أحداً‭ ‬لم‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬سبب‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة‭ ‬الدائمة،‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬منها‭ ‬مشكلة‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للحل،‭ ‬وهو‭ ‬موضوع‭ ‬الزيادة‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬السكان،‭ ‬التي‭ ‬تعيق‭ ‬أي‭ ‬تنمية‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬بقيت‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه،‭ ‬فلن‭ ‬يأتي‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬تتوقف‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬الشكوى،‭ ‬أو‭ ‬تتدنى‭ ‬قيمة‭ ‬العقارات،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يجأر‭ ‬الناس‭ ‬بالشكوى‭ ‬من‭ ‬ندرتها،‭  ‬فبلد‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬لا‭ ‬يستوعب‭ ‬عدداً‭ ‬غير‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬الزيادة‭ ‬السنوية‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬المليون‭ ‬إنسان‭.  ‬

‭ ‬وبسبب‭ ‬هذا‭ ‬التضخم‭ ‬السكاني،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬التنمية،‭ ‬وستظل‭ ‬البلاد‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬مادة‭ ‬ناضبة،‭ ‬أو‭ ‬متذبذبة‭ ‬الأسعار‭ ‬هي‭ ‬النفط،‭ ‬إلى‭ ‬أمد‭ ‬غير‭ ‬معلوم‭. ‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬البديل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعول‭ ‬عليه‭ ‬الناس،‭ ‬وهو‭ ‬الزراعة‭ ‬ممكناً،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أوشكت‭ ‬أنهار‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬الجفاف،أي‭ ‬أن‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬ينتظر‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬مثلاً،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬مشجعاً‭ ‬بالمرة‭.  ‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬تردت‭ ‬أوضاع‭ ‬العراق‭ ‬المادية،‭ ‬فإن‭ ‬بقاءه‭ ‬قوياً‭ ‬موحداً،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬ممكناً،‭ ‬ففي‭ ‬المراحل‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬شحت‭ ‬فيها‭ ‬موارده،‭ ‬كان‭ ‬الأعداء‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭  ‬يتربصون‭ ‬به،‭ ‬ويحاولون‭ ‬الإجهاز‭ ‬عليه‭. ‬وآخرها‭ ‬الغزو‭ ‬الداعشي‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬أسواق‭ ‬النفط‭ ‬العالمية،‭ ‬وجعل‭ ‬فئات‭ ‬عدة‭ ‬تفكر‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬أخرى‭ ‬بالانفصال‭!. ‬

‭ ‬يعول‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬بدائل‭ ‬جديدة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤمن‭ ‬العيش‭ ‬الهانئ‭ ‬للملايين‭ ‬الحاضرة،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬للمجيء،‭ ‬مثل‭ ‬طريق‭ ‬الحرير،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬خياراً‭ ‬جيداً،‭ ‬لكن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬تتوق‭ ‬لتحظى‭ ‬به‭ ‬دون‭ ‬العراق،‭ ‬أو‭ ‬لتقطف‭ ‬ثمراته‭ ‬قبله،‭ ‬والأمر‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الإغراءات‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬للفوز‭ ‬به،‭ ‬ومثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬مايزال‭ ‬غير‭ ‬واضح‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.  ‬

‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬اليسير،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نكون‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬بنمط‭ ‬حياتنا‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية،‭ ‬ومن‭ ‬الخير‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الصعوبات،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نشتم‭ ‬أولي‭ ‬الأمر‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬فهذا‭ ‬لن‭ ‬ينفعنا‭ ‬في‭ ‬شيء،‭ ‬ولن‭ ‬يخفف‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬الكوارث‭ ‬علينا‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭. ‬


مشاهدات 556
الكاتب محمد زكي ابراهيـم
أضيف 2023/10/21 - 4:29 PM
آخر تحديث 2024/07/16 - 1:14 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 7900 الكلي 9369972
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير