الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الكفيف‭ ‬الذي‭ ‬أبصر‭ ‬بعيون‭ ‬النغم

بواسطة azzaman

الكفيف‭ ‬الذي‭ ‬أبصر‭ ‬بعيون‭ ‬النغم

جاسم الدليمي

الملا‭ ‬عثمان‭ ‬الموصلي‭ ‬في‭ ‬ذكراه‭ ‬المئوية‭ :  ‬تلاوة‭ ‬خاشعة‭ ‬ودعاء‭ ‬ندي‭ ‬ونغم‭ ‬شجي‭ ‬ولحن‭ ‬بهي‭ ‬وفؤاد‭ ‬عبقري‭ ‬بصير‭ ‬موصلي‭ ‬يبهر‭ ‬الشرق‭ ‬بالحانه‭ ‬وانغامه‭ ‬ويطربه‭ ‬بأغانيه‭ ‬وموشحاته‭ ‬ويدهشه‭ ‬بذكائه‭ ‬وفطنته‭ …‬فقد‭ ‬البصر‭ ‬وامتلك‭ ‬البصيرة‭ ‬ومن‭ ‬ظلام‭ ‬العمى‭ ‬انبثق‭ ‬نور‭ ‬الابداع‭ ‬ومن‭ ‬سواد‭ ‬الرؤية‭ ‬انطلق‭ ‬بياض‭ ‬الرؤيا‭ ‬والحلم‭ ‬ومن‭ ‬نقاء‭ ‬الاحساس‭ ‬ولد‭ ‬شعاع‭ ‬النغم‭ ‬الاصيل‭ ‬واللحن‭ ‬الجميل‭ ‬الطَرِبِ‭  .‬

هوعثمان‭ ‬بن‭ ‬الحاج‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عمر‭ ‬المشهور‭ ‬بالملا‭ ‬عثمان‭ ‬الموصلي‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬سنة‭ ‬1854م‭ ‬و‭ ‬توفي‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬سنة‭ ‬1923م‭ .  ‬كان‭ ‬والده‭ ‬سقاء‭ ‬يجلب‭ ‬الماء‭ ‬العذب‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭. ‬وكأن‭ ‬بؤس‭ ‬الفقر‭ ‬المدقع‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬فعندما‭ ‬كان‭ ‬عثمان‭ ‬في‭ ‬السابعة‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬أصيب‭ ‬والده‭ ‬بمرض‭ ‬لم‭ ‬يمهله‭ ‬سوى‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬حتى‭ ‬توفي‭ ‬تاركا‭ ‬أولاده‭ ‬برعاية‭ ‬أمهم‭ ‬المعدمة‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬خادمة‭ ‬لدى‭ ‬محمود‭ ‬أفندي‭ ‬العمري‭ ‬سليل‭ ‬عائلة‭ ‬العمري‭ ‬اعرق‭ ‬عوائل‭ ‬العراق‭ ‬وشقيق‭ ‬عبد‭ ‬الباقي‭ ‬العمري‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭ ‬الشهير‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭.‬

لم‭ ‬يعان‭ ‬الموصلي‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬التكيف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬عادة‭ ‬فاقدي‭ ‬البصر‭ ‬انما‭ ‬انغمس‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬ممتدة‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬فئات‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ .‬وان‭ ‬المكابدة‭ ‬النفسية‭ ‬لدى‭ ‬الموصلي‭ ‬من‭ ‬كف‭ ‬البصرلم‭ ‬تجعله‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬سواد‭ ‬الرؤيا‭ ‬للعالم‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬تعقه‭ ‬عن‭ ‬ادراك‭ ‬ضياء‭ ‬الحياة‭ ‬ونورها‭ ‬المشرق‭ ‬في‭ ‬دوام‭ ‬العيش‭ ‬الهانئ‭ ‬الآمن‭ ‬ليجعل‭ ‬اللحن‭ ‬الجميل‭ ‬والنغم‭ ‬اللطيف‭ ‬مُعَبرَيْنِ‭ ‬سمعيين‭ ‬جماليين‭ ‬عن‭ ‬ذاته‭ ‬المتمسكة‭ ‬بالحياة‭ ‬وعن‭ ‬فنه‭ ‬المعلن‭ ‬عن‭ ‬طاقة‭ ‬احساسه‭ ‬بالجمال‭ ‬والفن‭ ‬والادب‭ . ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬مسموعات‭ ‬الموصلي‭ ‬للا‭ ‬شياء‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬عابرة‭ ‬دون‭ ‬ايقاض‭ ‬او‭ ‬استفزاز‭ ‬لطاقة‭ ‬الجمال‭ ‬لديه‭ ‬،ان‭ ‬ادراك‭ ‬الموصلي‭ ‬للجمال‭ ‬انما‭ ‬هو‭ ‬ادراك‭ ‬سمعي‭ ‬بصيري‭ ‬وجداني‭ ‬ذوقي‭ ‬عرفاني‭ .‬

ولم‭ ‬تستحوذ‭ ‬آثار‭ ‬الجدري‭ ‬بوصفها‭ ‬عاهة‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬الظاهر‭ ‬للموصلي‭  ‬ولا‭ ‬فقدان‭ ‬البصرعلى‭ ‬نفس‭ ‬الملا‭ ‬عثمان‭  ‬وتجعلها‭ ‬مضطربة‭ ‬قلقة‭ ‬او‭ ‬ربما‭ ‬عدوانية‭ ‬فقد‭ ‬استوعبها‭ ‬باستقرار‭ ‬نفسي‭ ‬ونبوغ‭ ‬ابداعي‭ ‬وتجاوزها‭ ‬بانتاجه‭ ‬الموسيقي‭ ‬والغنائي‭ ‬وتفاعله‭ ‬الصوفي‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬قدر‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬العاهة‭ ‬،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬عذب‭ ‬الكلام‭ ‬والمعشر،‭ ‬مرهف‭ ‬الاحساس،‭ ‬حاضر‭ ‬البديهة‭  ‬قليل‭ ‬النسيان‭ ‬ذا‭ ‬ذاكرة‭ ‬متوقدة‭ ‬لطيفا‭ ‬مرحا‭ ‬ساخرا‭ .‬

‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ذا‭ ‬طبيعة‭ ‬بائسة‭ ‬كما‭ ‬ذهب‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬أحد‭ ‬الباحثين‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬جعل‭ ‬الموصلي‭ ‬نغماته‭ ‬الجميلة‭ ‬والحانه‭ ‬الطربة‭ ‬احتجاجا‭ ‬أو‭ ‬رفضا‭ ‬عمليا‭ ‬لقبح‭ ‬نتوأت‭ ‬الجدري‭ ‬الطافحة‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬حين‭ ‬سرقت‭ ‬منه‭ ‬بصره‭ ‬وصفاء‭ ‬وجهه‭ ‬ونقاء‭ ‬نفسه‭ . ‬ان‭ ‬حرمان‭ ‬الرؤية‭ ‬وانطفاء‭ ‬العين‭ ‬عند‭ ‬الموصلي‭ ‬حفَز‭ ‬اتساع‭ ‬السمع‭ ‬وتنشيط‭ ‬الأذن‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬قوله‭ ‬تعويض‭ ‬العين‭ ‬بالاذن‭ ‬والبصر‭ ‬بالسمع‭ .‬

ومن‭ ‬الحقائق‭ ‬المعروفة‭ ‬أن‭ ‬النقص‭ ‬الذي‭ ‬يلحق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬حواسة‭ ‬وفقدانه‭ ‬لوظائفها‭ ‬المدركة‭ ‬للاشياء‭ ‬من‭ ‬حوله‭  ‬يدفعه‭ ‬الى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬وسيلة‭ ‬تخفف‭ ‬الشعوربالنقص‭   ‬فيلجأ‭ ‬ذهنيا‭ ‬وعقليا‭ ‬الى‭ ‬ضبط‭ ‬مسار‭ ‬الشعور‭ ‬بالنقص‭ ‬ودرجة‭ ‬حديته‭ ‬بل‭ ‬وتوجيهه‭ ‬لهذا‭ ‬الشعور‭ ‬نحو‭ ‬معان‭ ‬الراحة‭ ‬والامن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليه‭ ‬لئلا‭ ‬يؤدي‭ ‬تنامي‭ ‬الشعور‭ ‬بالنقص‭ ‬الى‭ ‬اضطراب‭ ‬نفسي‭ ‬يقهر‭ ‬الانسان‭ ‬ويضيق‭ ‬عليه‭ ‬فسحة‭ ‬الحياة‭ ‬وطيب‭ ‬العيش‭ .‬لقد‭ ‬نجح‭ ‬الموصلي‭ ‬في‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬بل‭ ‬استبدله‭ ‬بشعور‭ ‬التفوق‭ ‬والنجاح‭ ‬وأسلوب‭ ‬تفكير‭ ‬قاهر‭ ‬لمعاني‭ ‬الفشل‭ ‬او‭ ‬العجز‭ ‬حين‭ ‬ابدع‭ ‬صورا‭ ‬سمعية‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬النغم‭ ‬واللحن‭ ‬ربما‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬انتاجها‭ ‬العين‭ ‬الباصرة‭ ‬بصور‭ ‬ابداعية‭ ‬عن‭ ‬الانسان‭ ‬والحياة‭ . ‬فالصور‭ ‬البصرية‭ ‬في‭ ‬مخيلة‭ ‬الموصلي‭  ‬تدخل‭ ‬متشابكة‭ ‬في‭ ‬صمم‭ ‬النسيج‭ ‬السمعي‭ ‬الكلي‭ ‬لأسلوبه‭ ‬المبدع‭ ‬نغما‭ ‬ولحنا‭ ‬وانشادا‭ ‬وتواجدا‭ ‬صوفيا‭ ‬روحيا‭ . ‬كانت‭ ‬بغداد‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬الملا‭ ‬عثمان‭ ‬الموصلي‭ ‬،‭ ‬ففيها‭ ‬تتلمذ‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬شلتاغ،‭ ‬سيد‭ ‬المقام‭ ‬العراقي‭ ‬آنذاك‭ ‬،‭ ‬وفيها‭ ‬خاض‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬سياسية‭ ‬له‭ ‬فقد‭ ‬انتقد‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬في‭ ‬خطبة‭ ‬له‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬نفيه‭ ‬إلى‭ ‬سيواس‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬عام‭ ‬1886‭ ‬لفترة‭ ‬قصيرة‭ ‬ليعود‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬الموصل‭ ‬وفيها‭ ‬تابع‭ ‬دراسة‭ ‬قراءة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وانضم‭ ‬إلى‭ ‬الطريقة‭ ‬القادرية‭ ‬الصوفية،‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬على‭ ‬يدها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬المعروفين‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬وانضم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬الرفاعية‭ ‬والمولوية‭ .‬

انتقل‭ ‬الملا‭ ‬عثمان‭ ‬الموصلي‭ ‬إلى‭ ‬اسطنبول‭ ‬وبرز‭ ‬فيها‭ ‬بسرعة‭ ‬ليصبح‭ ‬اشهر‭ ‬قارئ‭ ‬للقرآن‭ ‬وملحن‭ ‬ومغن‭ ‬فيها‭ ‬وانتشر‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬حتى‭ ‬سمع‭ ‬عنه‭ ‬السلطان‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬فجلبه‭ ‬إلى‭ ‬قصره‭ ‬ليسمع‭ ‬نلاونه‭ ‬وانشاده‭. ‬وقد‭ ‬برع‭ ‬عثمان‭ ‬في‭ ‬أدائه‭ ‬وكرر‭ ‬الزيارة‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬بل‭ ‬انه‭ ‬قام‭ ‬بالغناء‭ ‬أمام‭ ‬حريم‭ ‬القصر‭ ‬وتطور‭ ‬الأمر‭ ‬ليقوم‭ ‬عثمان‭ ‬بمهام‭ ‬رسمية‭ ‬للسلطان‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭. ‬وكانت‭ ‬اسطنبول‭ ‬عاصمة‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬ومركز‭ ‬ثقافتها‭ ‬ومن‭ ‬يبرز‭ ‬فيها‭ ‬يعرف‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬وقد‭ ‬ساعد‭ ‬هذا‭ ‬الملاعثمان‭ ‬وجعله‭ ‬مرحبا‭ ‬به‭ ‬أينما‭ ‬ذهب‭ ‬ومكنه‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬علاقات‭ ‬وطيدة‭ ‬مع‭ ‬مشاهير‭ ‬عصره‭.‬

وكان‭ ‬الملا‭ ‬عثمان‭ ‬من‭ ‬أبرزعمداء‭ ‬التلحين‭ ‬والقراءات‭ ‬السبع‭ ‬والإنشاد‭ ‬في‭ ‬عصره‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬شاعراً‭ ‬بليغاً‭ ‬يجيد‭ ‬اللغتين‭ ‬الفارسية‭ ‬والتركية‭. ‬وله‭ ‬مؤلفات‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬الأدب،‭ ‬والشعر،‭ ‬والتصوف،‭ ‬ونظم‭ ‬الموشحات،‭ ‬وتشطير‭ ‬القصائد‭ ‬وتخميسها،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬المعدودين‭ ‬في‭ ‬تلاوة‭ ‬القرآن‭. ‬وله‭ ‬مذهب‭ ‬اختص‭ ‬به،‭ ‬في‭ ‬إنشاد‭ ‬قصائد‭ ‬المديح،‭ ‬وطرائق‭ ‬المولد‭ ‬النبوي‭ ‬والأذكار،‭ ‬وكان‭ ‬رخيم‭ ‬الصوت‭ ‬ضارباً‭ ‬بالقانون‭ ‬والعود،‭ ‬عالماً‭ ‬بالنغم‭ ‬وضروب‭ ‬الإيقاع،‭ ‬متفنناً‭ ‬في‭ ‬تلحين‭ ‬الموشحات‭. ‬تنقل‭ ‬الملا‭ ‬عثمان‭ ‬بين‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬مثل‭ ‬بغداد‭ ‬وحلب‭ ‬ودمشق‭ ‬وإسطنبول‭ ‬والقاهرة‭.‬

وكلما‭ ‬دخل‭ ‬الملا‭ ‬عثمان‭ ‬بلدا‭ ‬غنى‭ ‬وتعلم‭ ‬وعلم‭ ‬واعتبر‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬الغناء‭ ‬والتجويد‭ ‬فيه،‭ ‬ففي‭ ‬مصر‭ ‬ادخل‭ ‬نغمات‭ ‬الحجاز‭ ‬كار‭ ‬والنهاوند‭ ‬وفروعهما‭ ‬وقام‭ ‬بإدخال‭ ‬المقام‭ ‬العراقي‭ ‬مثل‭ ‬المقام‭ ‬المنصوري‭ ‬والموصلي‭ ‬في‭ ‬الغناء‭ ‬التركي‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬هذا‭ ‬الطراز‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬بطراز‭ ‬الحافط‭ ‬عثمان‭ ‬الموصلي‭.‬

وقد‭ ‬أخذ‭ ‬عنه‭ ‬مشاهير‭ ‬أعلام‭ ‬صناع‭ ‬الموسيقي‭ ‬والانشاد‭ ‬والطرب‭ ‬العربي‭ ‬منهم‭ ‬عبده‭ ‬الحامولى‭ ‬ومحمد‭ ‬كامل‭ ‬الخلعي‭ ‬وعلى‭ ‬محمود‭ ‬وسيد‭ ‬درويش‭ ‬وعمر‭ ‬البطش‭ ‬وأبو‭ ‬خليل‭ ‬القباني‭ ‬وغيرهم‭ ‬أخذوا‭ ‬عنه‭ ‬الموشحات‭ ‬الشامية‭ ‬والتركية‭  ‬ومن‭ ‬خلاله‭ ‬دخلت‭ ‬مقامات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ (‬كالنهاوند‭ ‬والحجاز‭ ‬كار‭) ‬كما‭ ‬كان‭ ‬دائرة‭ ‬المعارف‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬والمقامات‭ ‬الموسيقية‭ ‬والضرب‭ ‬على‭ ‬العود‭ ‬والعزف‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬وله‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القصائد‭ ‬والموشحات‭ ‬والالحان،‭ ‬وقد‭ ‬كرم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬كونه‭ ‬قدم‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الألحان‭ ‬الدينية‭.  ‬يشبه‭ ‬صوته‭ ‬صوت‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬رفعت‭ ‬و‭ ‬الشيخ‭ ‬محمود‭ ‬صبح‭ . ‬أصدر‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬مجلة‭ ‬المعارف‭ ‬عام‭ (‬1897م‭) ‬وترأس‭ ‬تحريرها

وأما‭ ‬اشهرمن‭ ‬تأثربالملا‭ ‬عثمان‭ ‬وأجاد‭ ‬الأخذ‭ ‬عنه‭ ‬وأتقن‭ ‬ذلك‭ ‬ببراعة‭ ‬هو‭ ‬الموسيقار‭ ‬المصري‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬الذي‭ ‬التقاه‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬ودرس‭ ‬على‭ ‬يده‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬وقام‭ ‬باقتباس‭ ‬موشحات‭ ‬دينية‭ ‬وأغان‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الملا‭ ‬عثمان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الفضل‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬نمو‭ ‬مواهب‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬ووصوله‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المرتبة‭ ‬المتقدمة‭. ‬واشهر‭ ‬ما‭ ‬اقتبسه‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬كان‭ ‬أغنية‭ ‘‬زوروني‭ ‬بالسنة‭ ‬مرة‭’ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موشحا‭ ‬دينيا‭ ‬بعنوان‭ ‘‬زر‭ ‬قبر‭ ‬الحبيب‭ ‬مرة‭’ ‬وأغنية‭ ‘‬طلعت‭ ‬يا‭ ‬محلى‭ ‬نورها‭’ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موشحات‭ ‬بعنوان‭ ‘‬بهوى‭ ‬المختار‭ ‬المهدي‭’.‬

‭. ‬أورد‭ ‬سيرة‭ ‬الملا‭ ‬عثمان‭ ‬الموصلي‭  ‬وترحاله‭ ‬واسهامته‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬المهتمين‭ ‬بالتراث‭ ‬الموسيقي‭  ‬وأبرزهم‭ ‬كان‭ ‬الدكتورعادل‭ ‬البكري‭ ‬الذي‭ ‬اعتنى‭ ‬بسيرته‭ ‬وخصهُ‭ ‬بكتابين‭ “‬عثمان‭ ‬الموصلي‭ ‬الموسيقار‭ ‬الشاعر‭ ‬المتصوف‭”. ‬والكتاب‭ ‬الثاني‭ “‬عثمان‭ ‬الموصلي‭ ‬قصة‭ ‬حياته‭ ‬وعبقريته‭”. ‬وخصهُ‭ ‬أيضاً‭ ‬القاضي‭ ‬والمؤرخ‭ ‬العراقي‭ ‬محمود‭ ‬العبطة‭ ‬بكتاب‭”‬عثمان‭ ‬الموصلي‭ ‬في‭ ‬بغداد‭”.‬

أشهر‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬الموسيقى‭ : ‬زوروني‭ ‬كل‭ ‬سنه‭ ‬مرة‭ (‬زُر‭ ‬قبر‭ ‬الحبيب‭ ‬مرة‭). ‬فوق‭ ‬النا‭ ‬خل‭ ‬فوق‭ (‬فوق‭ ‬العرش‭ ‬فوق‭). ‬طلعت‭ ‬يا‭ ‬محلى‭ ‬نورها‭ (‬بهوى‭ ‬المختار‭ ‬المهدي‭).‬ربيتك‭ ‬زغيرون‭ ‬حسن‭ (‬يا‭ ‬صفوه‭ ‬الرحمن‭ ‬سكن‭ ‬فيكم‭ ‬غرامي‭) ‬طالما‭ ‬أشكو‭ ‬غرامي‭ (‬لغه‭ ‬العرب‭ ‬اذكرينا‭ /‬يا‭ ‬عذولي‭ ‬لا‭ ‬تلمني‭).‬طالعة‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬ابوها‭.‬قدك‭ ‬المياس‭ / ‬بالتركية‭ . ‬هيمتني‭ . ‬يا‭ ‬غزالاً‭ ‬كيف‭ ‬عني‭ ‬أبعدوك‭. ‬يمُّ‭ ‬العيون‭ ‬السود‭.‬آه‭ ‬يا‭ ‬حلو‭ ‬يا‭ ‬مسليني‭.‬أحمد‭ ‬أتانا‭ (‬أشقر‭ ‬بشامة‭)‬‭.                                                                                                ‬وله‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القصائد‭ ‬الصوفية،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬ينال‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬إسطنبول‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬إليها‭. ‬وهكذا‭ ‬صار‭ ‬الموصلي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عذب‭ ‬الصوت‭ ‬وعازفاً‭ ‬بارعاً‭ ‬للعود‭ ‬والطبلة‭ ‬والقانون‭ ‬والناي،‭ ‬من‭ ‬مشاهير‭ ‬قرّاء‭ ‬القرآن‭ ‬والمَقام‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه؛‭ ‬ولحّن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الموشّحات‭ ‬والأغاني‭ ‬البارزة‭ ‬والمتداوَلة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم؛‭ ‬مثل‭: “‬ويا‭ ‬من‭ ‬لعبت‭ ‬بهِ‭ ‬شمولٌ‭”‬،‭ ‬و‭”‬لغة‭ ‬العرب‭ ‬اذكرينا‭”‬،‭ ‬و‭”‬فوك‭ ‬النخل‭ ‬فوك‭”‬،‭ ‬و‭”‬ربيتك‭ ‬زغيرون‭ ‬حسن‭”‬،‭ ‬ويا‭ ‬ام‭ ‬العيون‭ ‬السود‭. ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬نشر‭ ‬الموصلي‭ ‬عدّة‭ ‬مؤلّفات؛‭ ‬من‭ ‬بينها‭: “‬تخميس‭ ‬لامية‭ ‬البوصيري‭” (‬1895م‭)‬،‭ ‬و‭”‬الأبكار‭ ‬الحِسان‭ ‬في‭ ‬مدح‭ ‬سيد‭ ‬الأكوان‭” (‬1895م‭)‬،‭ ‬و‭”‬المراثي‭ ‬الموصلية‭ ‬في‭ ‬العلماء‭ ‬المصرية‭” (‬1897م‭)‬،‭ ‬و‭”‬مجموعة‭ ‬سعادة‭ ‬الدّارين‭” (‬1898م‭)‬،‭ ‬و‭”‬الأجوبة‭ ‬العراقية‭ ‬لأبي‭ ‬الثناء‭ ‬الآلوسي‭” (‬1890م‭) .‬

عرف‭ ‬عن‭ ‬عثمان‭ ‬قابليته‭ ‬على‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الرجال‭ ‬من‭ ‬لمس‭ ‬أياديهم‭ ‬وله‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬أمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬كما‭ ‬عرف‭ ‬عنه‭ ‬تمييزه‭ ‬للنساء‭ ‬من‭ ‬مشيتهن‭ ‬ومن‭ ‬طرائفه‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬يعظ‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬في‭ ‬اسطنبول‭ ‬عام‭ ‬1905‭ ‬وعندما‭ ‬أطال‭ ‬وأسهب‭ ‬نبهه‭ ‬بعض‭ ‬معارفه‭ ‬من‭ ‬وجهاء‭ ‬العراق‭ ‬بوجودهم‭ ‬فقال‭ ‬منغما‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬ترتيله‭ ‘‬يا‭ ‬فؤاد،‭ ‬يا‭ ‬موسى،‭ ‬يا‭ ‬وفيق،‭ ‬إنني‭ ‬انتهي‭ ‬قريباً،‭ ‬فانتظروني‭’. ‬واعتقد‭ ‬الأتراك‭ ‬الموجودون‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬التراتيل‭ ‬فأخذوا‭ ‬يردون‭ ‬على‭ ‬أقواله‭: ‬آمين،‭ ‬أمين‭. ‬وفي‭ ‬إحدى‭ ‬الليالي‭ ‬كان‭ ‬يسير‭ ‬برفقة‭ ‬حفيده‭ ‬ممسكا‭ ‬بيده‭ ‬وراجعا‭ ‬إلى‭ ‬الدار‭ ‬واجتازا‭ ‬الزقاق‭ ‬المعروف‭ ‬بعقد‭ ‬النصارى‭. ‬وبينما‭ ‬هما‭ ‬في‭ ‬طريقهما‭ ‬صار‭ ‬الشيخ‭ ‬عثمان‭ ‬يصغي‭ ‬بسمعه‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬ما‭ ‬ثم‭ ‬توقف‭ ‬تحت‭ ‬نافذة‭ ‬ينبعث‭ ‬منها‭ ‬ضوء‭ ‬خافت‭. ‬فقال‭ ‬له‭ ‬حفيده‭ ‬ما‭ ‬بك‭ ‬يا‭ ‬جدي؟‭ ‬اسمع‭!..‬ألا‭ ‬تسمع‭ ‬صوت‭ ‬عزف‭ ‬عود؟‭ ‬نعم‭ ‬وماذا؟‭  ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬العازف‭ ‬قتلني‭! ‬دلني‭ ‬على‭ ‬الباب‭. ‬فتقدم‭ ‬حفيده‭ ‬به‭ ‬خطوات‭ ‬نحو‭ ‬باب‭ ‬قريب‭ ‬منهما‭. ‬فجاء‭ ‬الشيخ‭ ‬وقرعه‭ ‬بعصاه‭ ‬الغليظة‭ ‬وصاح‭: ‬يا‭ ‬عازف‭ ‬العود‭. ‬وتر‭ ‬النوى‭ ‬نازل،‭ ‬شده‭ ‬قليلا‭.‬

وندرك‭ ‬مما‭ ‬تقدم‭ ‬ان‭ ‬الموصلي‭  ‬تميز‭ ‬بذهنية‭ ‬عبقرية‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يوجد‭ ‬لذاته‭ ‬صلة‭ ‬عميقة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬والابداع‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬اليه‭  .‬ولم‭ ‬يعش‭ ‬الموصلي‭  ‬تيهاً‭ ‬في‭ ‬عتمة‭ ‬ذاته‭ ‬أو‭ ‬اغتراباً‭ ‬تجلى‭ ‬في‭ ‬ابداعه‭ ‬و‭ ‬شعوره‭ ‬وذلك‭ ‬ثمرة‭ ‬وعيه‭ ‬بالجمال‭ ‬وقيمته‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وادراكه‭ ‬لدور‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬الجمالي‭ ‬الراقي‭ ‬عن‭ ‬الانسان‭ ‬والحياة‭ ‬والطبيعة‭….‬


مشاهدات 513
أضيف 2023/02/08 - 4:28 PM
آخر تحديث 2024/07/14 - 7:50 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 334 الشهر 7902 الكلي 9369974
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير