الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دكة‭ ‬الصعلكة‭ ‬وما‭ ‬حولها

بواسطة azzaman

دكة‭ ‬الصعلكة‭ ‬وما‭ ‬حولها

علي السوداني

 

حدث‭ ‬هذا‭  ‬بباب‭ ‬منتصف‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬البائد‭ ‬بعمون‭ ‬الجميلة‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬دخل‭ ‬مقهى‭ ‬السنترال‭ ‬صاحبي‭ ‬الراحل‭ ‬الآن‭ ‬المسرحي‭ ‬المؤجل‭ ‬صالح‭ ‬البدري‭ ‬الذي‭ ‬سيفوز‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬والتشرد‭ ‬وفراق‭ ‬العائلة‭ ‬بعقد‭ ‬مسرحي‭ ‬قيمته‭ ‬أربعمائة‭ ‬دينار‭ ‬صار‭ ‬معها‭ ‬الولد‭ ‬حديث‭ ‬المقهى‭ ‬ومهوى‭ ‬عيون‭ ‬الحاسدبن‭ .‬

على‭ ‬كتفه‭ ‬المهزول‭  ‬كانت‭ ‬حقيبة‭ ‬معلقة‭ ‬فارغة‭ ‬،‭ ‬وبيمينه‭ ‬التي‭ ‬شذبت‭ ‬شعري‭ ‬ولحيتي‭ ‬كيس‭ ‬أسود‭ ‬تنام‭ ‬بظلمته‭ ‬زجاجة‭ ‬عرق‭ ‬سر‭ ‬مهر‭ ‬لم‭ ‬تفك‭ ‬بكارتها‭ ‬بعد‭ .‬

قال‭ ‬انبش‭ ‬جيبك‭ ‬واقلبه‭ ‬على‭ ‬البطانة‭ ‬علّك‭ ‬تجد‭ ‬ثمن‭ ‬المزة‭ ‬وبعض‭ ‬عشاء‭ ‬أخير‭ ‬الليل‭ ‬ففعلت‭ ‬الأمر‭ ‬مثل‭ ‬تلميذ‭ ‬نجيب‭ ‬وسلمته‭ ‬خردة‭ ‬معدنية‭ ‬بقدر‭ ‬دينار‭ ‬كان‭ ‬كافياً‭ ‬لشراء‭ ‬علبة‭ ‬لبن‭ ‬وربطة‭ ‬خبز‭ ‬وكيلو‭ ‬عظام‭ ‬ملطخة‭ ‬بآثار‭ ‬وزفر‭ ‬لحم‭ ‬وشحم‭ ‬عشوائي‭ ‬،‭ ‬وحبات‭ ‬طماطة‭ ‬مضروبة‭ ‬يرميها‭ ‬البائع‭ ‬خارج‭ ‬البسطة‭ ‬بسقف‭ ‬السيل‭ ‬المجاور‭ ‬،‭ ‬وربما‭ ‬ليمونة‭ ‬رائعة‭ ‬ركلها‭ ‬طفل‭ ‬خلف‭ ‬أمه‭ ‬فاستقرت‭ ‬عند‭ ‬سور‭ ‬حاوية‭ ‬الزبل‭ ‬رزق‭ ‬الفقراء‭ ‬والقطط‭ . ‬سألته‭ ‬عن‭ ‬السكائر‭ ‬قال‭ ‬أن‭ ‬بجيبه‭ ‬كيس‭ ‬تبغ‭ ‬وورق‭ ‬كثير‭ ‬يكفي‭ ‬للف‭ ‬مائة‭ ‬سيجارة‭ ‬،‭ ‬فاطمأننت‭ ‬وعاجلته‭ ‬بسؤال‭ ‬مكان‭ ‬السهرة‭ ‬المنتظرة‭ ‬الرائعة‭ ‬،‭ ‬قال‭ ‬اتبعني‭ ‬الى‭ ‬سيارات‭ ‬تمر‭ ‬بمنطقة‭ ‬أم‭ ‬الحيران‭ ‬بشرق‭ ‬عمان‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬وجد‭ ‬صالح‭ ‬غرفة‭ ‬صغيرة‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬شباك‭ ‬وقد‭ ‬عمد‭ ‬المسرحي‭ ‬النبيل‭ ‬إلى‭ ‬دق‭ ‬وصلة‭ ‬قماش‭ ‬على‭ ‬الجدار‭ ‬،‭ ‬وجعلها‭ ‬تهفهف‭ ‬وتمنح‭ ‬الساكن‭ ‬الوحيد‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬اطلالة‭ ‬افتراضية‭ ‬رحيمة‭ .‬

غرفة‭ ‬مربعة‭ ‬تشبه‭ ‬زنزانة‭ ‬ستيف‭ ‬ماكوين‭ ‬،‭ ‬لكنها‭ ‬صارت‭ ‬شاسعة‭ ‬ورائعة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كرعنا‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬زجاجة‭ ‬عرق‭ ‬الموال‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬حسناتها‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تصنع‭ ‬صدى‭ ‬كلامنا‭ ‬وتمنحه‭ ‬فخامة‭ ‬وجهوراً‭ ‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أعانني‭ ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬التلذذ‭ ‬بصوت‭ ‬صالح‭ ‬المنفر‭ ‬الذي‭ ‬راح‭ ‬يخلط‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وليلة‭ ‬ويوم‭ ‬سعدي‭ ‬الحلي‭ .‬

لدى‭ ‬صاحبي‭ ‬وسميري‭ ‬النبيل‭ ‬مصدر‭ ‬نار‭ ‬مثل‭ ‬الذي‭ ‬يستعمله‭ ‬جنود‭ ‬الحرب‭ ‬ويطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬جولة‭ ‬بتعجيم‭ ‬الجيم‭ ‬،‭ ‬وثمة‭ ‬قدر‭ ‬فافون‭ ‬وصينية‭ ‬مقعرة‭ ‬وخلطة‭ ‬عظيمة‭ ‬من‭ ‬الملح‭ ‬والبهارات‭ ‬ونومي‭ ‬البصرة‭ ‬،‭ ‬وقبل‭ ‬صياح‭ ‬الديك‭ ‬بساعة‭ ‬وكأس‭ ‬انزرعت‭ ‬بيننا‭ ‬صينية‭ ‬تشريب‭ ‬العظام‭ ‬ولحمها‭ ‬وشحمها‭ ‬الوهمي‭ ‬الجليل‭ ‬،‭ ‬وأغلب‭ ‬الظن‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬نمنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬غسل‭ ‬اليد‭ ‬والحلق‭ ‬والساعد‭ ‬الذي‭ ‬ساحت‭ ‬فوقه‭ ‬دهون‭ ‬تلك‭ ‬الوليمة‭ ‬الطيبة‭ .‬

صحونا‭ ‬ظهراً‭ ‬بارداً‭ ‬وتريقنا‭ ‬ببقايا‭ ‬المثرود‭ ‬المنقوع‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬طعمه‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬يشبه‭ ‬وجه‭ ‬جندي‭ ‬مكبوس‭ ‬بسيارة‭ ‬ريم‭ ‬بائتة‭ ‬بكراج‭ ‬النهضة‭ ‬وصاحبها‭ ‬ينادي‭ ‬بصوت‭ ‬نعسان‭ :‬

نفر‭ ‬واحد‭ ‬كوت‭ ‬عمارة‭ ‬بصرة‭ .‬

ها‭ ‬صديقي‭ ‬مجيد‭ ‬السامرائي‭ ‬هل‭ ‬أعجبك‭ ‬هذا‭ ‬المكتوب‭ ‬المنبوش‭ ‬من‭ ‬سكراب‭ ‬الذاكرة‭ ‬؟


مشاهدات 749
أضيف 2022/11/15 - 4:08 PM
آخر تحديث 2024/11/25 - 5:37 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 212 الشهر 11061 الكلي 10054205
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/11/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير