الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الجماهير بين عنف التغيير والإمساك باللحظة

بواسطة azzaman

الجماهير بين عنف التغيير والإمساك باللحظة

مزهر الخفاجي

 

لا احد ينكر ان في مخيلة العراقيين قدماءهم ومعاصريهم ، ان الكثير منهم يتمثل او يحضر في مخيلته تاريخياً في فعل التمرد او الثورة او العضب في المزاج الشعبي العراقي عبر التاريخ ،وهنا علينا ان لا نسلم من ان العنف وان كان سمة للافراد يحدده المظاهر الوراثية الجينية ، او تركبة البيئة ، الا ان في المجتمعات الموغلة في القدم قد لا يصبح العنف خصيصة جمعية او سمة شعبية .. بل ان العنف كما يقول علماء النفس والاجتماع ... يتحول الى ثقافة مجتمعية يكرسها منطق الظلم او الايمان برفض القهر  عبر التاريخ وتحفظها عن ظهر قلب الذاكرة الجمعية .

فيتحول الرفض او التمرد او العنف ... امراً ميسوراً او هي اسهل الاسلحة او اسرعها في مواجهة زخم الظلم او استشراءه ... وهي قد تبدو أمراً طبيعياً أي حالة الرفض او التمرد عند الشعوب عند شعورها بالحيف او غياب منطق العدل النسبي ، ويبدو أن هذا الفعل يتشابه مع ردود فعل الاطفال نعم ( يكسر ، يضرم ، يضرب ، يتعامل بقوة ، يصرخ ، يتظاهر ، يقطع الشارع )

حتى يبدوا هذا الفعل الاجتماعي ... وجهاً من وجوة العنف وهذا المفهوم يقترن مع معنى كلمة العنف في أثنولوجيا ( القاموس اللغوي ) الانكليزي والذي يعني استخدام الفعل القوي او شديد البأس ومعناها استخدام فعل القوة ، او الاندفاع في استخدام العنف وان اختلفت مستوياتة .

ولابد ان نقف هنا لنقول مؤكدين ان العنف لم يكن صفة او سمة وراثية ، كما تيقن كل علماء النفس انما هي ثقافة ساهمت بها عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وسلوكية عديدة .

قراءة تاريخية

لكن شيوع ظاهرة اللجوء الى العنف كفعلاً مجتمعياً انما يعود للقراءة التاريخية التي دونت وركزت على نقل الثورة والعنف الى النص العراقي ... كونه تمرداً غير مرغوباً من قبل الحاكم او السلطة فتمثلت بالدولة دون المرور ببيان مبررات هذا الرفض او العنف وهذا يتصف مع مفهوم نظريات السمات لكل من عالم النفس ( البورت ، وريموند كاتل) والذان يتفقان مع العالم تايلور .. والذي يعبر عن العنف من أنه ذلك الرفض المجتمعي او التمرد او الثورة والافعال المترافقة معها ضد كل انواع الحيف او الظلم او الحرمان.

انما تعود لظاهرة العنف العمودي ... ونقصد ان العنف كظاهرة مجتمعية عراقية الشيوع .. انما كان عنفاً جاء كردة فعل ضد هذا الظلم والقهر والتعسف و الافراط في استخدام القوة من قبل الدولة ( ومؤسساتها ورموزها وأدواتها عبر التاريخ) ضد الفرد والمجتمع ... وهو ما فاقم عملية الحرمان التي تصبح مشتركاً مجتمعياً يستدعي سلوكاً غاضباً وعنيفاً ضد مؤسسات الدولة ... هذا السلوك العنفي انما كان سمة للنفور والرفض الغريزي من شرائح المجتمع العراقي ضد الدولة بوصفها ممثلاً حاضراً في الذهنية المجتمعية الشعبوية للظلم او الشخصية السلطوية ، والتي تمادت في استخدام الحرمان ... و توغلت في استخدام قوتها في توسيع الهوة بين افراد الشعب .. وهنا علينا ان نقر أن العنف تاريخياً في العراق نؤكد ان ما كان حقيقة تاريخية مهمة تتمثل في ان العنف العمودي عنف جاء كردة فعل ضد الدولة القامعة لتطلعات شعبها والذي شكل ظاهرة شعبية واضحة لها مبرراتها ... الا ان العنف الاقسى كما يقول عالم النفس ( تايلور ) ونقصد عنف او استشراء الجريمة المجتمعية وعنف الفرد ضد الفرد لم تكن ظاهرة مجتمعية لها ما يبررها في المجتمع العراقي قديمه وحديثة .

وهي اقل حدوثاً كما هو الحال في المحتمع المصري ... او المجتمع التونسي هذا الامر يجعل العنف العمودي ( عنف العراقي ضد السلطة ) كردة فعل امراً مبرراً كما يقول عالم الانثربولوجيا ( غلن برمان ) والذي يذهب بعيداً في وصف العنف او الغليان الشعبوي فيقول ان العنف بوصفه ردة فعل طبيعية لرغبة الشعب في تغيير السوء او الحيف الذي وقع فيه جراء تمادي السلطات في حياة الشعوب فيصبح التمرد امراً متوقعاً في ذروة ظهور تشكيلات الدولة الحديثة حين يمنح بعض فواعل (الدولة - السلطة ) لنفسة سلطة ارتكاب الافعال العنيفة ضد شرائح المجتمع اسلوباً او سلوكاً او تجاوزاً لحاجات الجماهير وتطلعاتها في العيش الكريم .

الشعبوية الرافضة

ان عنف الدولة القمعي يصبح العنف كما يذكر معظم علماء الاجتماع ان التمرد او التظاهر او الثورة بمعانيها ودلالاتها الشعبوية الرافضة يصفها بعض علماء الاجتماع ومنظرو السياسة بوصفها عنفاً بناءاً

وممارسة ( بيداغوجية ) ( تربوية - تاريخية )

وامتثالاً ( للخلية الشعبوية الرافضة للقهر والحرمان ) وان ما يقابل من عنف الدولة ( ومؤسساتها ) يُعرف عنه بالعنف والذي يسمى العنف القمعي ، بالرغم من اننا نقصد ان عنف الشعب امراً مبرر رغبة من افراد المجتمع لحماية حريتها بالتغيير ورفض الظلم وقهر وتجاهل الدولة لهم ولحاجاتهم ... او هو ردة فعل لتعامل الدولة ومؤسساتها مع تطلعاتهم ونسيان لوعودها في تحقيق الحقوق فيصبح فعل الرفض حقاً كلياً للافراد والمجتمعات والشعوب الذي اقره الدستور والعقد الاجتماعي المتبانى عليه.اننا ونحن نعيش حراكاً شعبياً يعد حق للافراد والجماعة والشعب في حماية حقه في التغيير وتحقيق المطالب .. يدعونا الى التاكيد على

رغم ان الثورة او التمرد فعل جمعي شعبوي يلتمس التغيير او يتبناه كحق فرضته مباديء ( عقده الاجتماعي ) دون ان يتقيد بمفاهيم ضبط السلوك او تقييد الانفعال او ترشيد المطالب لكن الامر المطلوب من قادة الحراك او الفاعلين    ترشيد الخيارات في التعبير بين النظام او الفوضى ، بين ضبط الغضب والانفعال غير السلمي ومآلاته التي تهدد السلم الاهلي

?الامر الاخر المهم للحراكات الاجتماعية ان ترتب مطالبها وتهذب شعاراتها بالشكل الذي يجعل هذه الشعارات عوامل جذب للجماعة الوطنية ومحط تعاطف القوى والاحزاب الوطنية والثقافة والمجتمع وان لا يستغرق قادة هذا الحراك في عاطفية الشعارات او ان يقعوا في شغفها العالي

وان على الجماعة الشعبية التي تمسك في اللحظة التاريخية والتي نعنى بها ، اقتناص لحظة التغيير السلمي دون تأخير او مماطلة وان لا تقع في شباك الوعود الضائعة ، بل بضمانات وتعهدات يسندها الحق المرفق في الدستور او اقتناص هذه اللحظة التاريخية في تضمين عقدها الاجتماعي وحاجاتها التي اغفلها دستور كتب في زمن الاحتلال وعبر عن (تطلعات احزاب ) ومطامع قوى كان هدفها تكريس الحق الذي يتطاول على مفهوم المواطنة ويضعف الدولة ويعلي من قبضة احزابها   وعلى اصحاب الرأي وصناع الحراك الشعبي والجماعة الوطنية والجماعة الثقافية ووسائل الاعلام وهم يعيشون اللحظة التاريخية ان لا يهدموا الدولة ومؤسساتها وان يتفاعلوا بجد ( بين كيمياء الحرية والديمقراطية ) بما يكرس مفهوم الوطنية الجامعة وليس دولة المكونات ... وهذا الامر يتطلب وعي وعمل سياسي جديد

?وعلى قادة الحراك ان ياخذوا بنظر الاعتبار الامساك اللحظة التاريخية بالشكل الذي لا يتيح لاعداء التغيير فرصة الانقضاض على اهدافها ... او شكل من اشكال التسويف بها ... هذا الامر الذي يتطلب من الجماعة الوطنية .. ممارسة شكلاً من اشكال المرونة في عملية التعبير .. اذ ان بعض الشعارات مثل ( شكل نظام الحكم ) ( وملف اقتصاده ) ( ومكافحة الفساد ) ( وضبط السلاح بيد الدولة ) والقضاء على نسبة الفقر والحد من البطالة .. يحتاج الى تكييف قانوني ووضع ستراتيجيات بما يكفل لعملية التغيير النجاح بعد ضبط اولويات عملية التغيير.

عملية تغيير

ان نجاح كل هذه العوامل تتضمن مما لا شك فيه نجاح عملية التغيير وتجعل الامساك باللحظة التاريخية فعلاً وطنياً حاسماً يعبر عن تصاعد الطاقة الايجابية للفعل الثوري بالنسبة للجماهير وبمثابة اللحظة التي توصل الافراد والجماعة والمجتمعات اياً كان الظلم الذي وقع فيها يصلان الى الهدف هو دولة المجتمع وليس دولة السلطة.

 


مشاهدات 704
أضيف 2022/09/13 - 3:10 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 3:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 351 الشهر 11475 الكلي 9362012
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير