الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لو كان جيش العراق الوطني حاضراً

بواسطة azzaman

أذن وعين

لو كان جيش العراق الوطني حاضراً

عبد اللطيف السعدون

 

سمعت خبيرا عسكريا في ندوة تلفزيونية غداة سقوط الموصل بيد داعش يقول: «لو كان جيش العراق الوطني حاضرا لما سقطت الموصل»، واستدرك بألم: «لكن كلمة (لو) لا تنفع مع الأسف.

العراقيون يتذكرون جيشهم الوطني كلما ادلهمت عليهم المحن، وطوقتهم النائبات، وهم يدركون جيدا أن المؤسسة العسكرية التي أنشأتها سلطة الاحتلال، والتي كبدت الخزينة العراقية مليارات الدولارات فشلت في التحول الى مؤسسة لها ارتباط صميمي بتقاليد وأعراف الجيوش الحديثة، ولا بقدراتها وامكاناتها ولا حتى بما كان لجيش العراق الوطني من تقاليد وخبرات وتاريخ عريض، وولادة أكثر من سبعين ميليشيا وفصيل  ارهابي على امتداد السنوات العشرين الماضية ما كان ليحدث لو كان جيش العراق الوطني الذي اقترنت سنوات تأسيسه بسنوات الاستقلال الأولى حاضرا، ولم يتم حله، واجتثاث ضباطه وجنوده على أيدي «النخبة» السياسية التي نصبها المحتلون على الحكم.

كان توقع بول بريمر الحاكم المدني للعراق عندما فاتح الساسة العراقيين في أمر حل الجيش أن يسجلوا رفضهم لخطوة كهذه، لكن الجواب كان عكس ذلك، القادة الكرد قالوا انه «ينبغي ان يجتث الجيش من جذوره»، ورأى القادة الشيعة «انه جيش صدام، وحله مطلوب»!

قرار الحل، في واقع الحال، لم يتم بناء على رغبة هؤلاء، ولا أولئك، فهم أضعف من أن يقرروا شيئا، أحد السياسيين الأكراد اعترف أنهم، وان رحبوا بالقرار، الا أنهم لم يكونوا في وارد الرفض أو القبول، اذ كان عليهم الإذعان لما يقرره بريمر، وقد اذعنوا كعادتهم، ونسوا أن نوري السعيد السياسي العراقي الأبرز في عهد الملوك رفض طلبا بريطانيا مماثلا لحل الجيش، قبل أكثر من ثمانية عقود، في أعقاب حركة الضباط القوميين في مايو/ أيار عام 1941، وقد أصر آنذاك على بقاء الجيش منطلقا من كونه يمثل صمام الأمان لوحدة البلاد، وهويتها الوطنية الجامعة.

توجيه ضربات

وللإنصاف نسجل ان قرار حل الجيش بعد الغزو الأميركي لم يكن من بنات أفكار بريمر نفسه، انما كان قد اتخذ في واشنطن قبل الغزو بوقت طويل، ومعارضو صدام كانوا يعرفون مسبقا به، وقد جاء تحقيقا لهدف سعت اليه إسرائيل، وفي ذاكرتها أن جيش العراق شارك في توجيه الضربات لها في الحروب الثلاثة التي خاضها العرب ضدها أعوام 1948 و1967 و1973، وأنه أطلق 39 صاروخا على مدن إسرائيلية في حرب الخليج الأولى، وصدام حسين كان اعتبر كل مدن إسرائيل أهدافا مشروعة لجيشه.

إيران من جانبها باركت القرار، وعملت عبر دوائر أميركية صديقة على التعجيل به، وفي ذاكرتها، هي الأخرى، صورة الجيش الذي قاتلها ثماني سنوات، وأجبر قادتها على تجرع كأس السم.

أما الانجليز، وقد قال بريمر أنهم استشيروا في الأمر، وأعطوا دعمهم المسبق له بعدما رأوا فيه توعا من الثأر لما كانوا واجهوه في واقعة مايو/ أيار قبل أكثر من ثمانين عاما، والتي لا زالت تفاصيلها طرية في أذهانهم.

كل هذه الأطراف كانت تعتبر يقاء جيش العراق، وقد وصل تعداد منتسبيه الى المليون، خطرا على مصالحها في العراق وفي المنطقة، ولذلك تآمرت على حله، وألحقت ذلك بتصفية قياداته وكوادره على النحو المعروف، وبغيابه فقد العراقيون العنصر الحافظ للهوية الوطنية، وعامل التوازن والاستقرار في البلاد.

اليوم نستعيد ذكرى التأسيس الأول للجيش، وقد أصبح ظهر العراق مكشوفا أمام الآخرين على امتداد الأعوام العشرين التي أعقبت حله، وسهل دخول الغرباء اليه من جيوش دول وميليشيات ومسلحين، من دون حسيب ولا رقيب، وهذا ما أغرى الميليشيات المحلية، على الاستقواء والتمدد، والاستحواذ على قرار السلم والحرب، وكل هذا خلق وضعا هجينا نزع عن الدولة العراقية سيادتها وقرارها المستقل.

ومع كل تنازع بين هذا الفريق وذاك على السيطرة على موضع جغرافي معين، ومع كل خلاف بين هذه الميليشيا أو تلك، ومع كل حديث عن وجود السلاح الثقيل بيد هذه الميليشيا أو تلك أو حتى بيد مافيا أو عشيرة يفتقد العراقيون جيشهم الوطني الذي كان ملء السمع والبصر، ويستعيدون مواقفه ومآثره وبطولاته، ويتحسرون على أيامه، ويتمنون أن لو كان حاضرا اليوم لما حدث ما حدث!

لكن كلمة (لو) لا تنفع، مع الأسف!  

 

 


مشاهدات 76
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2025/01/11 - 1:48 AM
آخر تحديث 2025/01/11 - 7:45 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 429 الشهر 5210 الكلي 10095175
الوقت الآن
السبت 2025/1/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير