فاتح عبد السلام
ربما لأنّ المسؤولين الاوربيين لا يعرفون الكثير عن الأقليات في سوريا كونها كانت تتعايش ولا أقول تعيش، تحت الاشتراطات الأمنية والقمعية لنظام بشار الأسد المرتكز على التعاطي السلطوي مع اقلية ينتمي لها، في حين كانت «الأغلبية» السورية بما يزيد على ثلاثة عشر مليون نسمة تهيم على وجوهها في غابات أوربا وعبر أسلاك الحدود وألغامها وتمخر البحار المخيفة للوصول الى أماكن اللجوء في دول أوربية، ينتمي اليها المسؤولون الذين يزورون دمشق مؤكدين على حقوق الأقليات وضرورة حمايتها.
وزيرة الخارجية الألمانية المفوضة من الاتحاد الاوربي في زيارتها لدمشق مع زميلها الفرنسي، كانت الأكثر وضوحا بالقول انّ أوربا لن تدعم قيام حكم إسلامي، قبل التوقف عند قضية عيش الأقليات. غير انّ كلام الوزيرة يحتاج الى تفصيل سياسي واجرائي لا مطاطية فيه بشأن معنى الحكم الإسلامي، فالدساتير في معظم الدول العربية تقر في أولى بنودها انها بلدان تعتمد الشريعة الإسلامية، ودستور سوريا في زمن الأسد نفسه كان ينص على» دين رئيس الجمهورية الإسلام. الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع. تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام. الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية”.
وبحسب المنطق الديمقراطي الغربي حول الأغلبية والأقلية، فإنّ الأغلبية في سوريا مسلمة، والأقليات باستثناء المسيحيين، هم طوائف إسلامية أيضاً.
المخاوف والاشتراطات الاوربية تستبق قيام جمعية وطنية سورية ولجنة كتابة الدستور الجديد.
الدولة المدنية كانت هوية الحكم الإسلامي منذ فتح مكة المكرمة على يد الرسول العربي صلى الله عليه وآله وصحبه، والقرآن الكريم لم يتعارض مع فكرة التعايش مع الشعوب والأمم والاقليات والقوميات والأديان، وهذا ليس مكانا للتفصيل فيه. لكن المشاكل نتجت عن ممارسات مردها السلطة والسياسة والتعسف في استخدام الدين” مع أو ضد” او استخدام حكم الطوائف “مع أو ضد»، مما ولد ردود افعال عنيفة ومتطرفة خرجت عن جادة سماحة الإسلام.
فكرة الحزب الواحد او حكم الفرد او العائلة الواحدة والوحيدة التي كانت تقمع سوريا ستين عاما هي التي تكون دائما في محل الاعتراض الأول، لكنها لم تكن كذلك، اذ كانت محل تعايش أوربي معها وتعاط إيجابي غالبا من قبل المعسكر الغربي عامة إزاء «بشار وابيه» بما كانا يمثلانه من أساليب الاضطهاد والقمع والدموية والاستئصال والابادة وإلغاء الآخر.
حتى انّ الأكراد الذين تبرز قضيتهم بوصفها العُقدة في المنشار، كانوا ولايزالون غير مجنسين أصلاً بالجنسية السورية طوال ستين عاما، ولم يطالب الغرب نظامي الأسد البائدين يوماً بمنحهم جنسية، وليس فيدرالية أو جيشاً وحصة نفطية.
سوريا في حال تحولها الى دولة مؤسسات، تراعي حقوق الأغلبية والأقليات معا، وتحتكم الى دستور قابل للتنفيذ وليس مجرد نصوص للاستخدام الانتقائي، عند ذاك، ليس لأوربا أو سواها أي وجه حق في قول ما يقال اليوم.