أهوار أم الودع جنوب الناصرية.. جنة وسط الصحراء يهاجر إليها 264 نوعاً من الطيور
حسين الزيادي
تمثل أهوار أم الودع تحفة عبقرية خلاقة من صنع الإنسان، وهي شهادة فريدة من نوعها على ارث ثقافي لحضارة مندثرة، فضلا عن كونها مثالاً بارزاً من البناء يمثل مرحله هامة في تاريخ البشرية، ومثالاً رائعاً لممارسات الإنسان التقليدية في المعمار واستخدام الأراضي بما يمثل ثقافة او تفاعل انساني فريد مع البيئة ، فمنطقة أم الودع ذات الـ 30 دونم عبارة ايشان مرتفع، وهي عبارة عن مدينة عائمة تحيطها المياه من جميع الاتجاهات، وتعدّ من اجمل مناطق الأهوار في الناصرية ، ويحلو للبعض تسميتها بعروس الاهوار. تقع أهوار أم الودع في الجزء الجنوبي من هور الحمار على بعد 20 كم من مدينة سوق الشيوخ، تلك المدينة التي تداعب نهر الفرات في جزئه الجنوبي الغربي والتي كانت ومازالت حاضرة الفن والأدب والشعر ، وبهذا تقع أم الودع في أطراف هور السناف او هور الكرماشية ايمن نهر الفرات، وهي عبارة عن مدينة عائمة تحيطها المياه من كل الجهات ، والتغـذية الطبيعــية لهذه الأهوار هي المـياه القادمة عبر الجداول المتفرعة من نهر الفرات باتجاه هور الحمار.
البعد الاثري والتاريخي
عندما تقف في ذلك المكان تستشعر الإرث السومري في مجتمع ورث حضارة سومر واكد ، وشهد تجليات الحرف الأول في التاريخ، فيرجع البعض الى كونها مدينة اسلامية قديمة دُفنت تحت تل اثري ، وقد أُستوطنت في عصر بني العباس واستمرت في النمو حتى العصر البويهي، وهذا ما أكده الآثاري العراقي المرحوم عبد الامير الحمداني، وهذا المكان لو تهيأت له الامكانات سيكون وجهة مقصودة لحشود هائلة من السواح الذين يرومون مدينة أور وزقورتها شامخة، وستكون أهوار أم الودع على مرمى بصرهم فتناديهم مرحبة من خلال طبيعتها الجميلة وريفها الجميل ونخيلها الباسق وبيوتها القصبية .
التسمية
كلمة (الودع) تعني في اللهجة المحلية كسر الفخار المزجج باللون الأخضر والأزرق، وهي سمة من سمات الفخار الذي انتشر في العصر الساساني تحديدا وحتى العصور الإسلامية اللاحقة ، الامر الذي يؤكد قدم الاستيطان في هذه المنطقة، ويذهب البعض الى ان التسمية جاءت لان اهل المنطقة تودع السفن التي تاتي اليها من المناطق المجاورة بوصفها اخر تلك المحطات وهو امر نميل اليه في ضوء الموقع الجغرافي لجزيرة أم الودع.
تمثل السياحة صناعة مستدامة وفعالة ذات أثر إيجابي علي جوانب الاقتصاد البيئي، بجانب أنها ركيزة أساسية وأداة مهمة لتحقيق أهداف التنمية الشاملة المستدامة، ويؤدي التخطيط السياحي المستدام دوراً هاماً في تحقيق التنمية السياحية المستدامة، وهي أحد التوجهات الحديثة التي ظهرت نتيجة التغيرات التي شهدتها بيئة المقاصد السياحية في الفترة الأخيرة ، مشكلتنا اننا لانمتلك وعي سياحي هور أم الودع فمنطقة أم الودع عبارة ايشان مرتفع تحيط بها الأهوار من جميع الجهات، وهي من البيئات الخصبة للنشاط السياحي لتنوعها الإحيائي وجمال طبيعتها وبعدها التاريخي الموغل في القدم، وقربها من الحواضر السومرية، مثل أور وكيش ولكش وتل أبو شيرين وأم العقارب وتل الإحيمر ولارسا، وبهذا يمكن ان تكون اهوار ام الودع متنزها وطنيا جاذبا للسواح من مختلف دول العالم لاسباب تتعلق بالبعد التاريخي للمنطقة و التنوع الإحيائي وجمال الطبيعة، و نمط العمران ونوع البناء.
النظام البيئي
يتألف النظام البيئي الرطب في أهوار أم الودع من مكونات نباتية متنوعة وحيوانية متعددة (مائية- برية)، وهذا النظام الفريد من نوعه، يختلف عن الانظمة البيئية المحمية على سطح الارض، وتعد مناطق الأهوار نظام بيئي ترتبط موارده الطبيعية ونمط سكانه وطرازهم المعاشي بالماء سواء كانت أهوار دائمية او مؤقتة.
حيث تكونت في هذه المناطق انظمة للحياة غير مألوفة لدى سكان المناطق الأخرى، وتتمتع الأهوار بشخصية جغرافية وبيئية متكاملة يعود تاريخها الى اكثر من خمسة آلاف سنة، وتعد أحدى اكبر المناطق الرطبة في الشرق الاوسط وغرب اسيا.
النشاط الاقتصادي
أن أبناء منطقة أم الودع يمتهنون منذ القدم صناعة القصب والبردي لأنها المادة الاولية الاكثر تواجداً ، فضلا عن تربية الجاموس وصيد الأسماك بمختلف أنواعها تتميز المنطقة بتصدير البواري وخصوصا الثميني وهو يستعمل في بناء المضايف التي يعد نظام فريد في البناء، وتشتهر المنطقة بتربية حيوان الجاموس وبالتالي انتاج كميات كبيرة من الحليب يصدر اغلبه للمناطق الحضرية القريبة. .
الصناعات الشعبية في أهوار أم الودع
وهي الصناعات اليدوية المحلية التي تعتمد على ما يتوافر من مواد خام محلية وقد نشأت هذه الصناعات وترعرعت استجابة لما تقتضيه البيئة المائية وتلبية لمتطلبات السوق المحلية) ومنها الصناعات التي تعتمد على القصب والبردي: ومنها صناعة البواري والمساكن على اختلاف انواعها، وهناك الصناعات التي تعتمد على سعف وجريد النخيل: ومنها صناعة الحصران والادوات المنزلية وغيرها، وهناك الصناعات التي تعتمد على منتجات الحيوانات ومنها الصناعات المنزلية وصناعة الالبان التي تعتمد على حيوان الجاموس وهو الحيوان المميز في بيئة الأهوار، فضلاً عن البسط والسجاد والأغطية وهي صناعات تتطلب مهارة وجودة خاصة، وهذه الصناعات خلدتها الرسوم والنصوص الكتابية المكتشفة اثناء الحفريات، وهناك الصناعات المرتبطة بالبيئة المائية واهمها صناعة القوارب (الزوارق) التي تحظى بتاريخ موغل في القدم.
التنوع الإحيائي
تعد أهوار أم الودع من أهم النظم الأيكولوجية للمياه العذبة عالمياً، إذ يمكن عدها جزيرة من الأرض الرطبة وسط محيط من الصحراء، وتحتوي هذه الأهوار على تنوع كبير في الأنواع الحية من اصناف تضم (264) نوعا من الطيور و (44) نوعا من أسماك المياه العذبة و (20) نوعا من الأسماك البحرية.
و (28) نوعا من الزواحف وثلاث من أنواع البرمائيات و(25) من أنواع اليعسوبيات و (371) نوعاً نباتياً، ويذهب البعض إلى أن هناك أكثر من (90) نوعاً من النباتات المائية تنمو في بيئة الأهوار والمستنقعات منها (59) نوعاً من النباتات الزهرية، وهي تمثل جزيرة فريدة من النباتات والأحياء المائية وشبه المائية تقع في بيئة صحراوية شديدة الجفاف (أقل من 100 ملم من الامطار سنوياً)، فضلاً عن كونها المكان الذي نشأت فيه أقدم الحضارات العالمية، وقد حدد الباحثين ثلاث مجموعات كبيرة من النباتات في الأهوار هي: النباتات الصحراوية والنباتات الملحية والنباتات المائية، وهناك تنوع كبير للأسماك والزواحف والبرمائيات، ويلحظ ان هناك انواع من الاسماك ادرجت في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض وفقا للاتحاد الدولي لحماية الطبيعية ((IUCN وأهوار أم الودع واحدة من أهم مناطق التشتية والاستراحة للطيور المهاجرة في الشرق الأوسط وغرب أوراسيا، إذ تم تسجيل حوالي (278) نوع من الطيور في الأهوار، وهناك اثنان من أنواع الطیور لاتوجد إلا في أهوار العراق هما (الثرثار العراقي ) و (هازجة قصب البصرة).
توصيات مهمة
يجب انعاش الترویج السياحي وتنظیمه من خلال التوعية الرسمية والشعبية وإصدار النشرات والمجلات السياحية والاهتمام بالوسائل المرئیة والمقروءة والمسموعة لاجتذاب السياح الى المواقع المختارة و من الضروري التأكيد على إشراك السكان المحليين بعملية التخطيط السياحي والاستفادة مما لديهم من أفكار بناءة وتفعیل هذه الأفكار في إطار التنمية السياحية، فضلا عن توسيع مفهوم الجدوى من السياحة في منطقة الدراسة لیتجاوز الجانب الاقتصادي إلى الجدوى، ويمكن العمل على عقد اتفاقيات مع شركات سياحية اقليمية او دولية لتنظيم رحلات سياحية الى أهوار أم الودع والعمل على إنشاء محميات طبيعية وتوفير السبل الكفيلة لنجاحها وديمومتها من أجل المحافظة على التنوع البيئي والإحيائي الموجود فيها، كما تتطلب التنمية السياحية انشاء متحف متخصص يضم الادوات والاعمال والابتكارات التي انتجتها الأهوار على امتداد المراحل الزمنية.
المشاكل والمحددات البيئية
يمكن اجمال المهددات البيئية التي تحول دون بناء صناعة سياحية في هذا الهور الى انخفاض مناسيب المياه الناجم عن قلة الواردات المائية في نهر الفرات فضلا عن عدم توفر البنى التحتية ومنها عدم وجود طرق جيدة ومعبدة للوصول الى الاهوار، فضلا عن الصيد الجائر للطيور والاسماك والتلوث البيئي وانخفاض مستوى الوعي البيئي.
للمزيد حول اهوار جنوب العراق ينظر: حسين الزيادي، اهوار جنوب العراق ارضاً وسكاناً، دار الرافدين ،2019.