الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دولة‭ ‬المعارضة

بواسطة azzaman

دولة‭ ‬المعارضة

محمد زكي ابراهيم

 

ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ثورة‭ ‬ولا‭ ‬انقلاباً‭ ‬ولا‭ ‬حركة‭ ‬تصحيحية،‭ ‬إنه‭ ‬ببساط‭ ‬موت‭ ‬سريري‭ ‬لنظام‭ ‬أدركته‭ ‬الشيخوخة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬البقاء،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬بمواجهته‭ ‬جيش‭ ‬ومقاتلون‭ ‬ومعدات‭ ‬ثقيلة‭.‬

لقد‭ ‬وصل‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬اللاعودة‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬الضعف‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬أهمها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المتهالك،‭ ‬الذي‭ ‬مني‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬فقبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬كانت‭ ‬سوريا‭ ‬تزحف‭ ‬بجرأة‭ ‬نحو‭ ‬القمة،‭ ‬وكانت‭ ‬عملية‭ ‬التصنيع‭ ‬والإنتاج‭ ‬والتطوير‭ ‬قائمة‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬نهضة‭ ‬أدبية‭ ‬وفنية‭ ‬واضحة،‭ ‬أما‭ ‬حينما‭ ‬اندلع‭ (‬الربيع‭ ‬السوري‭)‬،‭ ‬وتصاعدت‭ ‬معه‭ ‬لغة‭ ‬السلاح،‭ ‬فقد‭ ‬قسمت‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أقاليم‭ ‬يعادي‭ ‬بعضها‭ ‬بعضاً‭.‬

استقل‭ ‬الكرد‭ ‬بالمنطقة‭ ‬الشرقية‭ ‬ومنعوا‭ ‬عن‭ ‬العرب‭ ‬الغاز‭ ‬والنفط‭ ‬والغذاء،‭ ‬بحماية‭ ‬أميركية‭.‬

وأعلن‭ (‬الإسلاميون‭) ‬استحواذهم‭ ‬على‭ ‬الشمال‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬تركية،‭ ‬أما‭ (‬نظام‭ ‬قيصر‭) ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬إحكام‭ ‬الطوق‭ ‬على‭ ‬الصناعة‭ ‬والزراعة‭ ‬والتجارة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭.‬

‭ ‬وحينما‭ ‬يتحدث‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬سوريا‭ ‬فهم‭ ‬يقصدون‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬الجزء‭ ‬الأخير‭ ‬منها،‭ ‬وهو‭ ‬يضم‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬أما‭ ‬الجزءان‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬فكانا‭ ‬يتمتعان‭ ‬بالدعم‭ ‬والمباركة‭ ‬والتأييد‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬شتى،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الجزء‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬توجه‭ ‬له‭ ‬السهام‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب‭.‬

لقد‭ ‬نالت‭ ‬منه‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬والعقوبات‭ ‬وأوجعه‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬وتفكيك‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬طوال‭ ‬13‭ ‬عاماً‭. ‬وكانت‭ ‬معاول‭ ‬الهدم‭ ‬تقصده‭ ‬دون‭ ‬سواه،‭ ‬فعجز‭ ‬عن‭ ‬إعالة‭ ‬شعبه،‭ ‬ولم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬مد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬لأشقائه‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يعتبون‭ ‬عليه،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬اندلاع‭ ‬مواجهات‭ ‬غزة‭. ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬ذاتها‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬التسعينات،‭ ‬حينما‭ ‬لبث‭ ‬13‭ ‬عاماً‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الحصار‭ ‬والفقر‭ ‬والجوع،‭ ‬وتفشي‭ ‬الأمراض‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬فساد‭ ‬ورشوة‭ ‬وطائفية،‭ ‬فلما‭ ‬اجتاحته‭ ‬جنود‭ ‬الحلفاء،‭ ‬سقط‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقاومة‭ ‬تذكر‭.‬

‭ ‬ولست‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬أطبقت‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬السورية‭ ‬الآن،‭ ‬تملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬طويلاً‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬توحيد‭ ‬البلاد،‭ ‬وإعادة‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬والمال‭ ‬إليها،‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬بحوزة‭ ‬القوات‭ ‬الكردية‭ ‬التي‭ ‬تخطط‭ ‬كأخواتها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وتركيا‭ ‬وإيران‭ ‬للاستقلال،‭ ‬وهي‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬انعزالها‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬المدن‭ ‬والمحافظات‭ ‬السورية‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الأسد،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬استطاعت‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بوضعها‭ ‬هذا،‭ ‬الذي‭ ‬دعمته‭ ‬قوى‭ ‬كبرى،‭ ‬فإن‭ (‬دولة‭ ‬المعارضة‭) ‬ستتهاوى‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬الطريق‭. ‬إن‭ ‬كل‭ ‬الممالك‭ ‬والامبراطوريات‭ ‬القديمة،‭ ‬انهارت‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة،‭ ‬وتقاسمتها‭ ‬قوى‭ ‬وممالك‭ ‬وجماعات‭ ‬وحكومات‭ ‬ضعيفة،‭ ‬ولم‭ ‬تلبث‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أن‭ ‬سقطت‭ ‬بعد‭ ‬سنوات،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬التاريخ،‭ ‬فحينما‭ ‬تحول‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬عن‭ ‬التجار‭ ‬والبحارة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬مثلاً،‭ ‬بقدوم‭ ‬الأساطيل‭ ‬الأوربية‭ ‬واكتشاف‭ ‬رأس‭ ‬الرجاء‭ ‬الصالح‭ ‬وطريق‭ ‬الهند،‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬للعرب‭ ‬قائمة،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تهاوت‭ ‬أقوى‭ ‬دولة‭ ‬لديهم،‭ ‬وهي‭ ‬دولة‭ ‬المماليك‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والشام‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬قوات‭ ‬بني‭ ‬عثمان،‭ ‬فهوت‭ ‬حضارتهم‭ ‬من‭ ‬شاهق،‭ ‬وأطبقت‭ ‬عليهم‭ ‬العتمة،‭ ‬وأمضوا‭ ‬أربعة‭ ‬قرون‭ ‬تقريباً‭ ‬في‭ ‬الظل،‭ ‬لا‭ ‬يسمع‭ ‬لهم‭ ‬صوت‭ ‬ولا‭ ‬يكترث‭ ‬بهم‭ ‬أحد‭.   ‬ربما‭ ‬سيحصل‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬على‭ ‬جرعة‭ ‬مقوية‭ ‬برفع‭ ‬العقوبات‭ ‬عنه،‭ ‬وقد‭ ‬يشعر‭ ‬المجتمع‭ ‬السوري‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الاسترخاء،‭ ‬لكن‭ ‬مرحلة‭ ‬المواجهات‭ ‬الحقيقية‭ ‬المؤجلة‭ ‬آتية‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬فمما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬ليست‭ ‬متجانسة‭ ‬ولا‭ ‬متماثلة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجتمع‭ ‬النقائض‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭. ‬إن‭ ‬الربيع‭ ‬السوري‭ ‬الحقيقي‭ ‬آت،‭ ‬وبه‭ ‬ستتم‭ ‬غربلة‭ ‬الأشخاص‭ ‬والمواقف،‭ ‬ولن‭ ‬يصح‭ ‬حينها‭ ‬إلا‭ ‬الصحيح‭.‬


مشاهدات 95
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2024/12/21 - 12:53 AM
آخر تحديث 2024/12/29 - 9:13 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 419 الشهر 13361 الكلي 10069456
الوقت الآن
الإثنين 2024/12/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير