فاتح عبد السلام
فجأةً، أصبحت في العراق ألقاب سياسية جديدة، هي “دولة” الرئيس و”فخامة” الرئيس و”معالي” الوزير و”سعادة” الفلان وسوى ذلك، وصارت الألقاب الأصغر تضيق على المجتمع السياسي الناشيء بعد عدة عقود على الانقطاع في التعامل مع تلك الألقاب التي عرفتها الفترة الملكية.
ورضي آخرون بلقب “أستاذ” في مخاطبات لم تخلُ من إضافة ألقاب سابقة تساعد في التفخيم والتعظيم. ولعلّ لقب أستاذ لا يزال ملازماً لمعظم الألقاب التي لم تنل فرصتها الفعلية او الوهمية بحمل لقب دكتور، فنرى الألقاب ثلاثية ورباعية بدل ان تكون الأسماء ثلاثية ورباعية لكي نعرف اصل المسؤول وفصله.
ولا أحد يبحث في أصول هذه الألقاب، ولماذا تجري عملية صياغتها اللغوية بهذا الشكل، اذ لنا ان نقول “دولة الرئيس” ولا يجوز ان نقول “رئيس الدولة” ربما مقصودة بخبث من احدهم، لا اجد تفسيرا لذلك، لكننا نراهم فرحين بما آتاهم الله من عطايا العملية السياسية من القاب ولا نخالف رغباتهم في مناداتهم بها.
لا احد يتوقف عند كلمة “السيد”، بالمعنى المدني الحضاري وليس الديني الشائع « الذي هو سياسي ديني بامتياز في هذه الأيام»، يظنون انهم اذا نودوا بلقب “السيد” يكونوا في مرتبة اقل من “أستاذ”، من دون ان يهتموا بأن كلمة السيد عربية اصيلة، في حين انّ مفردة أستاذ فارسية، كما اخرجها الشاعر معروف الرصافي في معجمه اللغوي الذي حققه وجمعه. كما انّ أحدا لا يعرف انّ كلمة أستاذ بحد ذاتها رتبة من رُتب سلّم الدرجات في المحافل الماسونية، وحتى لو عرفوا فإنّ أحدا لا يهتم.
وفي الفترة التي حكم فيها النظام السابق، كانت كلمة السيد اقوى من سواها، فكانوا يقولون السيد الوزير والسيد النائب وليس الأستاذ النائب، قبل ان تنفجر الألقاب المبجلة المقرونة بحفظه الله ورعاه الله وسدد خطاه الله. لكنني اذكر هنا حادثة من مصدرها الموثوق انّ حسين كامل الذي نال الرُتب العسكرية والالقاب في ليلة وضحاها بما لا يستوعبه عقله، صرخ في وجه أحد المديرين العامين و مسح به الأرض، حين استدعاه في امر يخص وزارة التصنيع العسكري الذي كان ذلك «العلاّمة العسكري الجهبذ» يقودها، اذ ناداه ذلك المدير تعيس الحظ الوزير المتوج على فراغ أكبر من الربع الخالي بلقب أستاذ، فغضب وتدفقت كلمات الإهانة من فمه وقال متهكما” يناديني بلقب أستاذ كأني أمامه معلم مدرسة”.
طبعا كان “الجهبذ” يعبر عن فهمه لمعنى معلم المدرسة، أحد أبرز بناة المجتمع الذي اسهم ذلك الشخص في تفسيخه مبكرا قبل ان يكمل اللاحقون المهمة.
وهنا أتذكر، الملك حسين العاهل الاردني الراحل، رحمه الله، حين كان ينادي الناس العاديين بكلمة سيدي، بكل ثقة واقتدار فارضا المحبة الى صف الاحترام.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية