فاتح عبد السلام
البداية كانت صحيحة ومطمئنة، حين أعلنت الإدارة السياسية الجديدة انّ العفو عام عن الجميع في سوريا، حتى لو كان الشخص مواليا بحكم عمله او توجهاته مادامت الايدي غير ملوثة بالدماء بشكل مباشر أو عبر القرارات. وبرغم ذلك سيكون الفرز صعباً في مرحلة معينة عند تسوية أوضاع الضباط والطيّارين ومنتسبي المخابرات الذين أوغلوا في القمع وضرب التجمعات المدنية بالبراميل المتفجرة والمدفعية العشوائية. كما انّ هناك قتالاً فعلياً مستمراً مع التنظيمات الكردية المتمترسة في مناطق عرفت بالإدارة الذاتية المدعومة من الجانب الأمريكي.
في المرمى ذاته، هناك مَن يستحق وصفه بفلول نظام بشار الأسد، من الحلقات الأمنية والمخابراتية والخاصة الضيقة، وهؤلاء يعرفون انفسهم وما اقترفوه ضد الشعب السوري من جرائم عن سابق إصرار بشكل متعطش للدماء والقمع، وقد هرب معظم هؤلاء عندما شعروا انّ طوق الحرية ينكسر عن رقبة الشعب. هرب الفلول الى الخارج وقسم منهم تسرب الى مناطق معينة داخل سوريا.
لبنان، كان الوجهة الأساسية التي وصلها اتباع النظام المنهار، ومن هناك تفرقت بهم السبل عبر ما يمتلكونه من جوازات سفر «حقيقية» بأسماء بديلة او اقامات في دول أخرى انطلقوا اليها بحسب ما اعلنه من معلومات موجزة وزير الداخلية اللبناني، ويقال انّ بعضهم لجأ الى حلفائه من اللبنانيين.
لكن المثير في ذلك كله، ما يقال عن لجوء ماهر الأسد صاحب القرار العسكري والأمني الأول وعدد من المسؤولين الى العراق، وقالت تقارير انّ هؤلاء الهاربين انتقلوا لاحقاً الى روسيا او دولة أخرى قد تكون ايران بحكم الحدود الجغرافية، وذهبت تقارير للقول انهم في ضيافة مسؤول في مدينة “السليمانية”، وقال اخرون انّ ماهر الاسد انتقل الى “جبل قنديل” العراقي حيث المعقل الآمن لمقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي المصنف على قائمة الإرهاب. وكل هذه الاحتمالات تدخل في باب تسريبات التمويه أيضا ، وانه لو صحّ واحد منها فإنّ هناك تورطاً عراقياً فيها، لا ندرك مدياته الان لاسيما انّ أي تنقل داخل العراق باتجاه مناطق عصية معينة هو امر بالغ الصعوبة ومحفوف بمخاطر جمّة ولا توجد جهة عادية تستطيع التكفل به، الا انّ الميدان لا يخلو من انّ بعضهم يريد أن يلعب لعبة استخبارية في استخدام ورقة “الفلول” في مساومة النظام السياسي الجديد في سوريا، والعراق بلد لا يحتمل ان ينخرط في هذا النوع من الأنشطة لأسباب كثيرة.
من الصحيح التوجه السريع لمعالجة ملف مئات العسكريين السوريين الذين عبروا الى داخل العراق واعادتهم ضمن افق العفو المعلن والضمانات بالحفاظ على ارواحهم.
عندما نتحسب من ارتدادات الوضع السوري على العراق، يجب أن ندرك انّ احتواء “الفلول” الموغلين بالجرائم، لأغراض سياسية واستخبارية هو وقوع في قلب تلك الارتدادات.