أفكار بين شقي الرحى
مواصفات النخبة السياسية في المجتمعات الديمقراطية
عامر حسن فياض
ان القابضين على السلطة في كل اشكال النظم السياسية المعاصرة هي النخبة ، فما هي مواصفات النخبة الحاكمة في المجتمعات الديمقراطية ؟
سجل تاريخ الديمقراطيات حقيقتين من الصعب انكارهما ، الاولى ان اغلب القادة السياسيين يصفون انفسهم بأنهم ديمقراطيين ، كذلك اغلب النظم السياسية تصنف نفسها بأنها ديمقراطية ، بإعتبار ان العمل بمبادىء الديمقراطية أصبح أداة شرعنة للحياة السياسية الحديثة ، ولكن الحقيقة ان المعايير الدستورية والقانونية لهذه النظم وما تقوم به غالباً ماتكون متباينة بشكل جوهري بين نظام وآخر حول مدى قربه من المعايير الديمقراطية. والحقيقة الثانية قد نجد عدداً كبيراً من الدول توصَف بأنها ديمقراطية، ولكن عندما نرجع الى تاريخ مؤسساتها السياسية يمكن الكشف عن ضعف وهشاشة الترتيبات الديمقراطية فيها.
وبذلك يمكن القول ان الاقتداء بنظام ديمقراطي يتطلب تدوين مبادئها الاساسية ومن ثم تقييد تصرفات النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة بتلك المبادىء وقد تكون الثقافة السائدة عاملاً مساعداً او معرقلاً لذلك. ووفقاً لما جاء اعلاه فان العديد من الدساتير توصف بكونها دساتير ديمقراطية، إلا ان الامر الاهم هو مدى تطبيقها على ارض الواقع.
ان نجاح الحكم التعددي يحتاج الى اجماع النخب السياسية على :
1.القواعد الإجرائية.
2.طيف من الخيارات السياسية.
3.مدى مشروعية النشاط السياسي.
قواعد دستورية
ومن ذلك نستنتج ان نطاق الاجماع كلما كان واسعاً فإن ذلك أضمن للديمقراطية ولكن هذا الاجماع يتم عبر وسائل غير دستورية التي هي فعالة اكثر من القواعد الدستورية في تطور الديمقراطية، وبذلك يمكن القول ان النخب السياسية تلعب دوراً مهما في الحفاظ على الاسس الديمقراطية خارج القواعد المجردة في أي بلد، فإن إجماع النخب السياسية على القيم والمبادىء الديمقراطية يضمن الحفاظ على النظام الديمقراطي، وعلى خلاف من ذلك ، عدم تقيد النخبة السياسية بالقواعد المنظمة للعملية الديمقراطية يهدد النظام الديمقراطي بمجمله. لنخبة الحاكمة في الانظمة الديمقراطية ، على خلاف من محاولات النخب الحاكمة الشمولية، لاتتدخل أو قليلة التدخل في السوق، ولا تسعى الى السيطرة على المنظمات غير الحكومية، بل تفسح مجالاً واسعاً لإستقلالية تلك المؤسسات وبذلك النخبة الحاكمة تواجه ضغوطاً تأتي من مصادر مختلفة، إلا انه نحتاج الى مقدار من الاستقلالية في إتخاذ القرارات التي تجدها الافضل لتحقيق الخير العام، وان ضعف الكتل البرلمانية أمام ضغوط الجماعات الاجتماعية قد ينعكس سلباً على الاستقرار والتوافق بين تلك الكتل، وبدورها تنعكس على الحكومة، في وضع السياسات وتنفيذها، وربما كل ذلك يمكن ان يؤدي الى ازمة الثقة بالنظام السياسي.
بناءً على ماسبق ذكره يمكن القول، يتطلب النظام الديمقراطي مستوى عالياً من الإنفتاح في دوائر النخب، ولكن هذا لايعني قبول غير المؤهلين للنخب السياسية، ومن جهة اخرى ان العلاقة السائدة بين النخبة الحاكمة والمعارضة سمة مهمة من سمات النظام الديمقراطي وكلما كانت تلك العلاقة تتسم بالطابع السلمي في التنافس، للحفاظ على مبدأ التداول السلمي للسلطة ، واحترام المواقف المتعارضة من قبل الجانبين، تقترب اكثر من الصبغة الديمقراطية.
يمكن تعزيز الديمقراطية حسب رأي (لاري دايموند)، عبر ثلاثة مستويات وهي :
1.مستوى النخبة السياسية الحاكمة، من حيث عمق ايمانها بالديمقراطية.
2.تحجيم وتهميش مستوى فاعلية النُخب والحركات المتطرفة المعادية للديمقراطية.
3.توسيع القاعدة الجماهيرية للحكم.وانه من الخطأ اختزال عملية الديمقراطية في مجرد الصراع التنافسي بين النخب للفوز بأصوات الناخبين لتولي مهام السلطة، بل انها ايضاً نظام يلزم النخبة السياسية الحاكمة يتقديم افضل مالديها في ممارسة الحكم الديمقراطي. ففي الانظمة الديمقراطية لايفسح المجال لسيطرة نخبة واحدة متماسكة منظمة على الحكم لمدة طويلة ذلك لان تنوع المجموعات الثقافية والاقتصادية والاقليمية والايديولوجية والدينية والعرقية والجندرية في تلك الانظمة تخلق مجموعات من ولاءات مختلفة تتبادل الضغط على بعضها البعض والتي من شأنها ان تخفف من قوة أية مصالح منظمة لفئة محددة.
نخبة منتخبة
كما ان احد اهم سمات الديمقراطية استقلالية ارادة النخبة المنتخبة، اي انهم يمارسون صلاحياتهم الدستورية من دون الخضوع للمسؤولين غير المنتخبين، واخضاع النخبة العسكرية والنخبة البيروقراطية لإرادة النخبة الحاكمة المنتخبة، فهذا الشرط ينزع الصفة الديمقراطية عن العديد من النظم التي يفقد فيها المدنيين المنتخبون السيطرة على العسكر.
عليه يمكن القول ان النخبة الحاكمة المنتخبة لاتقدر على الإدعاء بأنها تمثل الشعب في ظل فقدان سيادة القانون وسيادة الدولة، وهيمنة النخبة العسكرية او تبعيتهم الكاملة للنخب غير المنتخبة من رجال السياسة ورجال الدين. ونضيف القول ان الضمان الوحيد لبقاء النخبة في الحكم في الانظمة الديمقراطية هو رصيدها من الشرعية، فكلما كان رصيدها في رضى الشعب مرتفعاً كان بقاؤها أضمن، وتتطلب هذه الشرعية اداءاً فاعلاً وإلتزاماً اخلاقياً عميقاً في مواقفهم ووعودهم تجاه الجماهير، وشغفاً في معالجة القضايا العامة .
عليه يمكن القول لا يكفي ان يكون الحكام من اختيار المحكومين، لنيل الشرعية اللازمة في ممارسة السلطة، بل يجب أن يثبتوا للمحكومين إن اختيارهم كان صائباً وذلك من خلال إثبات كفاءتهم وجدارتهم في تحقيق الصالح العام في ممارسة الحكم ، أي ان شرعية الإنتخاب للنخبة لاتكتمل إلا عن طريق شرعبة الأداء والإنجاز من قبل النخبة الحاكمة المنتخبة.