الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مع تسارع الأحداث في سورية.. جغرافيا فتوى الجهاد الكفائي وعلاقتها بالتطوّرات الإقليمية

بواسطة azzaman

مع تسارع الأحداث في سورية.. جغرافيا فتوى الجهاد الكفائي وعلاقتها بالتطوّرات الإقليمية

محمد علي الحيدري

 

في 13 من حزيران يونيو 2014، أصدر المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني فتوى «الجهاد الكفائي» لمواجهة خطر تنظيم «داعش»، الذي اجتاح أجزاء واسعة من العراق، بما في ذلك الموصل. وقد نصت الفتوى على دعوة العراقيين للتطوع دفاعاً عن بلادهم وحمايتها من الانهيار الأمني، وهو ما دفع آلاف المواطنين للانخراط في تشكيلات «القوات الأمنية». ولكن مع تغير الظروف الأمنية في العراق وظهور تحديات إقليمية جديدة، مثل التصعيد العسكري في سوريا، وخاصة في إدلب وحلب، تُثار تساؤلات حول حدود تطبيق الفتوى وما إذا كانت تشمل المخاطر الإقليمية التي قد تهدد أمن العراق.

ومنذ أن صدرت الفتوى أثار الحكم الذي تتبناه مجموعة من القضايا المهمة حول جغرافيا تطبيقه، ودلالاته السياسية والأمنية. فالفتوى تعكس انشغال المرجعية الدينية العليا في العراق بمواجهة التهديدات المباشرة من قبل تنظيم داعش، حيث شكلت فتواها أداة تحشيد واسعة لمواجهة الموقف المتدهور الذي يعيشه العراق آنذاك، مما أدى إلى تطوع نحو مليون ونصف مليون عراقي للانخراط في القوات الأمنية.

وتؤكد المرجعية في النجف الأشرف، وفقاً لتصريحات رسمية من مكتب السيد السيستاني المنشورة في موقعه بتاريخ 15 يونيو 2014، أن الفتوى تركز على حماية الأراضي العراقية. ومع ذلك، لم تنفِ المرجعية صراحةً إمكانية مواجهة التهديدات الإقليمية إذا ثبت تأثيرها المباشر على الأمن الوطني العراقي. وهذا الغموض في التحديد قد يكون متعمدًا، حيث تترك المرجعية الباب مفتوحا أمام تطور الأحداث والظروف الأمنية (موقع السيد السيستاني، 2014).

سياقات سياسية

اذن لم يكن موقف المرجعية الدينية واضحاً بشكل كامل حول إمكانية توسيع «الجهاد» ليشمل دولاً مجاورة، مما يعكس واقعاً معقداً في السياقات السياسية والأمنية في المنطقة. وتشير الآراء «المفسّرة» إلى أن الدفاع عن العراق يعتبر أولوية قصوى، مع أن بعض التصريحات لم تستبعد إمكانية التعامل مع التهديدات التي قد تأتي من المناطق المجاورة، إذا ما كانت تعود بالنفع على الأمن الوطني.

وهنا يشير تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في نوفمبر 2024 إلى أن «النجف تضع حماية الدولة العراقية أولوية، لكنها لم تحدد موقفاً واضحاً من كيفية التعامل مع التهديدات الإقليمية، مما يترك القرار للعوامل السياسية والعسكرية في المستقبل» (معهد واشنطن، 2024).

وهناك من يقول إن الرؤية السياسية للمرجع السيستاني تنبع من إدراكه للأبعاد الاجتماعية والثقافية للعراق وحاجته إلى الحفاظ على وحدة الشعب العراقي، دون الانجرار إلى صراعات طائفية أو إقحام البلاد في نزاعات إقليمية. ولذلك، لا يبدو أن الفتوى تسمح بشن عمليات عسكرية رسمية في دول مجاورة كاستجابة مباشرة لمخاطر خارجية، بل تركزت على توجيه الجهود لحماية العراق أولاً. وهذا الاتجاه يميز المرجعية عن بعض القوى السياسية الأخرى، بما في ذلك الفصائل الموالية لإيران، التي قد تتبنى أجندات تتجاوز الحدود العراقية.

التمايز بين مواقف المرجعية الدينية في النجف والمرشد الإيراني

التوجهات الدينية والسياسية للمرجع السيد علي السيستاني لا تبتعد كثيراً عن سياقات الفتوى، إذ تمثل رؤية وطنية خالصة تعنى بسلامة العراق وتعزيز لحمة المجتمع العراقي على الرغم من ولاءاته الطائفية المختلفة. وفي المقابل، يظهر المرشد الإيراني علي خامنئي توجهاً أكثر ميلاً نحو الأجندات الإقليمية، حيث يسعى لإيجاد نفوذ سياسي في الدول المجاورة من خلال دعم فصائل مسلحة قد تتجاوز مهمتها ضمان الأمن إلى تحقيق أهداف سياسية إيرانية أوسع.

وعلى الرغم من أن الحشد الشعبي تشكل استجابة لفتوى الجهاد الكفائي وبات جزءا من القوات المسلحة العراقية، إلا أن هناك تبايناً في مواقف الفصائل المنضوية تحت لواء الحشد حول مدى انخراطها في عمليات خارج العراق. فبعض الفصائل تُظهر رغبة قوية في المشاركة في النزاعات الإقليمية، مستندةً إلى الأبعاد السياسية والطائفية التي قد تؤثر على طبيعة استجابتها للأزمات في تلك الدول. بينما تظل فصائل أخرى أكثر انضباطاً وتنتظر توجيهات المرجعية لتحديد موقفها.

في هذه الأثناء تتابع القوى الدولية هذا الجدل الداخلي العراقي بحذر. فقد حذر تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) بتاريخ 28 نوفمبر 2024 حذر من أن «تدخل بعض الفصائل المسلحة في النزاعات الإقليمية قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على استقرار العراق». في الوقت ذاته، أشار التقرير إلى أن «المرجعية في النجف تظل عامل توازن مهماً، حيث تضع سيادة القرار العراقي فوق كل اعتبار، لكنها تواجه تحدياً في ضبط سلوك الفصائل المسلحة».

وتبدو الأحداث في سوريا، لا سيما في إدلب وحلب، كاختبار لقدرة العراق على التمييز بين التحديات الأمنية الداخلية والخارجية. ففتوى «الجهاد الكفائي» لم تغلق الباب أمام التعامل مع تهديدات قادمة من الخارج، لكنها لم تحدد بوضوح كيفية التصرف في هذه الحالات، مما يترك القرار مرهونا بتقدير القيادات الدينية والسياسية والعسكرية.

اسئلة معقدة

لقد مثلت فتوى «الجهاد الكفائي» استجابة طارئة لحماية العراق من تهديد وجودي داخلي، ولكن استمرارها وسريانها اليوم يطرح أسئلة معقدة في ظل التوترات الإقليمية. كما أن تباين مواقف الفصائل المسلحة يعكس تعددية في تفسير الفتوى وأهدافها، بينما تبقى المرجعية صامتة حتى الآن حول التفاصيل الدقيقة.

على هذا النحو، يبقى الحسم في هذه القضية معتمداً على توازن المصالح الوطنية، وتقدير المخاطر، ومستوى الالتزام بالسيادة العراقية.

 


مشاهدات 326
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2024/12/03 - 12:35 AM
آخر تحديث 2024/12/04 - 9:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 228 الشهر 1528 الكلي 10057623
الوقت الآن
الأربعاء 2024/12/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير