«ذكر الله يبني الدروج في قصور الجنة « هكذا كنت في صغري أسمع جدتي تنشد في قصيدة زجلية لا أذكركل أبياتها ، لكن كل ما بقي عالقا في الذاكرة و ان كان قليلا فهو كاف ليجعلني أستنتج أنه رغم ان جدتي رحمها الله تعالى لم تلج المدرسة، الا انها كانت تشير الى جنة المعارف أو قل جنة المعاني التي ما ان يلجها المؤمن الا و حقق مقصدا أساسيا من مقاصد النبوة بتذوقه لطعم الايمان، جاء في مسند الامام أحمد « عن عامر بن سعد عن عباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا رسولا» فالوجبات الروحية دوما معدة و تنتظر المتذوقين : جاء في حكم ابن عطاء الله السكندري : «العبارة قوت لعائلة قلوب المستمعين ، وليس لك منها إلا ما أنت له آكل». جاء في ايقاظ الهمم شرح الحكم لابن عجيبة في شرح هاته الحكمة: العائل هو الفقير ، والعائلة جمع له ، فعبارة العارفين قوت لقلوب الفقراء الطالبين لزيادة إيقان قلوبهم ومشاهدة محبوبهم ، فلا يزالون في حضانة الشيوخ وعيالهم ، حتى يكمل إيقانهم وترشد أحوالهم ، فحينئذ يستقلون بأنفسهم ،
وعلامة رشدهم أنهم يأخذون النصيب من كل شيء ، ولا ينقص من حالهم شيء ، يفهمون عن اللّه في كل شيء ، ويعرفون في كل شيء ، ويشربون من كل شيء ، فإذا كانوا كذلك فقد استقلوا بأنفسهم ، أي حل لهم الاكتمال الروحي.
فعلامة الرشد و بلوغ ارقى درجات الحكمة تأتي درجة فدرجة قال عز من قائل في سورة غافر الآية 15 «رفيع الدرجات ذو العرش»، فما على من أراد أن يرتقي في بلاد المعاني الروحية الا أن يحرص على ان يحصل يقظة روحية من منام غفلته حتى تحصل ولادته الروحية فيفرح بازديانه روحيا مولانا رسول الله صلى الله عليه و سلم و كأن عقيقة روحية آنذاك قيد الاحتفال لانه انتقل من مقام الاسلام الى مقام الايمان لكنه حينئذ لا زال رضيعا روحيا في بلاد الايمان يحتاج الى رعاية من أولي الألباب يأخذوا بيده لان يبلغ درجة الرشد بالترقي في مستويات الوعي الايماني و تتسع دائرة نظره اتساعا يتجلى لعين قلبه قوس قزح ألوان درجات الوعي بين سحب تجليات الحق في السماء الروحية فتمطر رحمات الفيض الروحي فترى الودق يخرج من خلاله لتفلح أرض التوحيد و هي قلب كل مؤمن فلاحا مرادا في قوله عز من قائل قد أفلح المؤمنون» بشرح الصدر انشراحا تفتح الزهرة يرعى من رحيق معانيها كل مؤمن.
الاله فوقنا، المحبوب فوقنا، و ما ذلك الفو قالا فوق مكانة في القلوب و الا فعرشه ملكه الذي نحن من مكوناته سار فينا حكمه عدل فينا قضاؤه، فهو في كل مكان و زمان لكن المحبوبية التي يستحقها من قلوبنا محبوبية لدرجة العبادة التي هي أعلى درجات المحبة فالمحبوب المعبود أو قل فالمعبود المحبوب، لذلك يترقى الصالحون في مراتب الفهم عن الله و درجات الوعي و الحكمة حتى تتضح الرؤية كما اتضحت لكل ذي بصيرة أو لمن كان له قلب أو سمع و هو شهيد.
فحواسنا مجرد مفاتيح لايقاظ الحواس المعنوية فاذا كانت ذواتنا الحسية لها جسد من رأس و يدين و رجلين و صدر و عينين ة أذنين و أنف فكذلك لنا ذوات أخر بعضها فوق بعض كسموات داخلية تبدأ من الجسد فالنفس فالقرين والملك فالفؤاد فاللب ….و هي السموات السبع التي ينبغي عروجها او تجاوزها للوصول للنفخة الالهية الغروسة في قلب كل انسان تعلم بها فطرة الاسماء كلها أي أسماء القيم المعنوية التي تقي الانسان الشرور في هاته الحياة فتبرمج بالنفخة الالهية على معرفة الخير و الشر و انما تأتي الاديان لتتمم مكارم الاخلاق.
فهذا يعقوب عليه السلام اشتم قميص يوسف بأنفه الروحي لا بانفه الحسي و هذا عثمان بن عفان رأى أثر الزنا في عين دال عليه بعيني بصيرته لا بعين بصره و كل مؤمن يسير على المحجة البيضاء ليلها كنهارها برجلي العبادة و الصدقة أو قل رجلي الصلاة و الزكاة لا برجليه الحسيين… و هكذا.
خلاصة القول في آخر هذا المقال المقتضب أن درج الحكمة هي مقامات الوعي الروحي التي تفتح للمؤمن نوافذ الروحي لتلج انوار التوحيد الى القلب فتنير طريقه في عروجه في درجات الرفعة الروحية التي أشار لها الحق و لها أشارا بقوله الذي هو خير ختام» رفيع الدراجات ذو العرش» غافر 15.