تصاعد التوتر في إدلب وحلب.. قراءة في الموقف الأمريكي
محمد علي الحيدري
تشهد مناطق إدلب وحلب في سوريا تصعيداً عسكرياً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، مما يعكس استمرار التوترات بين النظام السوري وفصائل المعارضة، فضلا عن وجود تأثيرات إقليمية ودولية على الأرض.
فمن المعلوم أن إدلب وحلب شهدتا وما زالت عمليات عسكرية موسعة قادتها «هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة أخرى ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد. وقد أسفرت المعارك عن مقتل المئات مما يعكس شدة النزاع وارتفاع وتيرته. كما أفادت بعض التقارير بأن الفصائل المسلحة تمكنت من السيطرة على عدة نقاط استراتيجية في ريف إدلب وحلب، مما زاد من تعقيد الوضع العسكري وجعل القوات الحكومية تتكبد خسائر كبيرة، بينما أكدت المعارضة أن هدف ما أسمتها عملية «ردع العدوان» يتحدد بتوجيه ضربة للقوات الموالية للنظام.
من جهتها، تعتبر الولايات المتحدة الوضع في إدلب وحلب جزءاً من صراع أوسع يشمل نفوذ إيران وحلفائها في سوريا. ويرى محللون أن التطورات الأخيرة قد تشير إلى ضعف النظام السوري الذي يعاني من ضغوط عسكرية متزايدة، مما قد يتيح للولايات المتحدة وفصائل المعارضة فرصة استعادة بعض زمام الأمور في المنطقة.
وفيما يتعلق بهذه التطورات لم تصدر تصريحات أمريكية رسمية حديثة تشير إلى تغيير في الموقف الأمريكي مما قد يشير إلى أن واشنطن مستمرة في سياستها المتمثلة في رفض التطبيع مع النظام السوري، دون اتخاذ خطوات فعّالة لإسقاطه.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية تتجه حالياً إلى دعم الحلول السياسية وليست العسكرية، حيث أبرزت تصريحات مسؤولين في الخارجية الأمريكية «أهمية الحل السياسي الشامل في سوريا» وفقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي. ووفقاً لتقارير متعددة فإن واشنطن تعكف على دراسة الإجراءات التي من شأنها ردع النظام السوري عن استئناف هجماته على مناطق المعارضة، بما في ذلك فرض عقوبات جديدة.
المعارك المستمرة أثارت قلقاً عميقاً حول القضايا الإنسانية، حيث أفادت الأمم المتحدة بمقتل مدنيين بينهم أطفال في الهجمات الأخيرة.
ويتركز قلق المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، حول سكان هذه المناطق، خاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين والبنية التحتية. إذ دعا محللون إلى ضرورة تركيز المجتمع الدولي على الضغط على الأطراف المتحاربة لحماية المدنيين بموجب القانون الإنساني الدولي.
ومع تعقد الأمور في إدلب وحلب، يصبح من الواضح أن الخيارات أمام إدارة بايدن قد تتنوع. إذ ربما تسعى واشنطن إلى تجديد الحوار مع تركيا حول المسألة السورية لتعزيز موقف المعارضة، بالإضافة إلى إعادة تقييم مستويات الدعم المقدم للفصائل المسلحة. وفي ظل هذا التعقيد، يحذر مراقبون من أن أي خطوة أمريكية غير مدروسة قد تؤدي إلى تصعيد أكبر في المنطقة، مما يضر بمصالح الولايات المتحدة.ومع تصاعد شدة الأعمال القتالية، يجد المراقبون والمحللون الأمريكيون أنفسهم في موقف يتطلب تقييماً دقيقاً واستراتيجيات مرنة.
وبشكل عام تتعامل الإدارة الأمريكية مع الوضع وفق عدة مؤشرات. فمن جهة، صرح مراقبون عسكريون أن تصعيد الأعمال العسكرية في شمال سوريا يعكس تحركات تُعزز من معادلة القوى على الأرض، حيث تحاول المعارضة كبح جماح النظام المدعوم من قبل إيران وروسيا. في هذا السياق، صرح أحد الخبراء الاستراتيجيين أن «التطورات الحالية في إدلب وحلب تكشف عن جولة جديدة من الاستنزاف لنفوذ إيران والنظام السوري في المنطقة».
أما بالنسبة للموقف الرسمي الأمريكي، فإن هناك تزايداً في الضغط على النظام السوري للتراجع عن أي خطوات تصعيدية. فقد جاء في تقرير «2022 Country Reports on Human Rights Practices» أن الولايات المتحدة تعبر عن قلقها إزاء الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في هذه المناطق، مشددة على ضرورة محاسبة النظام السوري. كما تتجه الأنظار نحو مساعي واشنطن لتدعيم موقفها من خلال الحلفاء في المنطقة، حيث يُعتقد أن هناك توافقات غير مباشرة تحدث بين تركيا وبعض القوى الفاعلة في النزاع، الأمر الذي يعود بالفائدة على الموقف الأمريكي في محاولة التقليل من النفوذ الإيراني.بالإضافة إلى ذلك، عبّر متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن أهمية الوصول إلى حل سياسي شامل بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2254، حيث يُعد ذلك جزءاً من استراتيجية الولايات المتحدة لإعادة الاستقرار إلى سوريا. وفي إطار هذه الجهود، تشير التقارير إلى أن السياسة الأمريكية قد تسعى إلى استخدام أدوات الضغط مثل العقوبات الاقتصادية على الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام السوري، مما يضيف بعدًا آخر للصراع، حيث يمكن أن يؤثر ذلك على توازن القوى. بدورهم، يرى الخبراء أن تطورات الأحداث في إدلب وحلب تأتي ضمن سياق أوسع للنزاع السوري والذي قد يتأثر بتغير السياسات الأمريكية في عهد الرئيس المقبل، دونالد ترامب. فأحد الباحثين توقع في مؤتمر نظمه مركز الحوار السوري أن «عودة ترامب قد تعيد تقييم استراتيجيات أمريكا تجاه سوريا، مع التركيز على تعزيز مواقفنا ضد النفوذ الإيراني» . في النهاية، يجسد الوضع الراهن في إدلب وحلب تداخل المصالح الدولية والإقليمية في الصراع السوري، حيث تضع الولايات المتحدة استراتيجيات متعددة لتقوية موقفها ومواجهة تحديات جديدة. يشير السيناريو المعقد بين الفصائل المسلحة والنظام والميليشيات الإيرانية إلى أن الوضع في هذه المناطق لن يهدأ قريباً، بل قد يتطلب مزيداً من التعامل من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، لضمان الاستقرار والسلام في المنطقة.