قصة قصيرة
وراء الزانيات رجل خؤون
محمد إسماعيل
لست مهيئاً للسجن.. أساق نحو محكمة تعدمني؛ وأُنتسى مثل خطوط عبور تدوسني الأقدام طولاً وإطارات السيارات عرضاً، تحت غطاء قانوني يشرعن بهجة الأقدام وحزن الإطارات، اللتين تدهسانني، طوال أوقات الدوام الرسمي وقبله.. صباحاً، وبعده.. من العصر الى ساعات متأخرة في الليل... حلقات ظلام.
أعود مهدوداً من العمل؛ فتشبعني رفساً “دفعة بله عن إخوتج خليني أنام” ولا جدوى، حتى أطفئ لهيب شهوتها و... لا تنام.
تذوقت كسرةً يابسةً من ضوء النهار؛ فعرفت طعمك.
قضت المحكمة بإعدامي، في مزاج لا يلائم قيود الشرطة البلاتينية كالذهب الأبيض، فهم ذوو وجوه صحراوية تسفي رملاً أصفر، إذا بخها الماء لزبت طيناً، وإذا إستشاط التيزاب إغتاظت وربت و... وراء الزانيات رجل خؤون.
جير.. رخام.. إسطبلات.. منشف منقوعة بالعرق.. شهوات.. آفة الخيانة تنشب مخالبها في ضلع الشريفات.. شواهد قبور.. لا مبالاة.. بائع فلافل في ليل المقبرة زبائنه أشباح.
صدى الكلام ما يفكر به القائل، حيثما وليتم وجوهكم ثمة جدار وهمي لرجع الصدى حتى إكتظ الأثير بالفضائح.. زوجتي قالت بحيوية زخم الشباب المتدفق:
-مراد.. صنتك مثل ما صنات فاطمة الزهراء علياً، إنهم معصومون وهم قدوتنا في الدنيا والآخرة.
وبخها الصدي:
-تبرأ الزهراء من زناك يا فاجرة، يومياً يُدَنسُ سريرُك بخيانةٍ.. أدخلت المطرب الذي أحيى حفل زفافكما الى غرفة النوم.. بجسارة.. وزوجك يستحم، قبل إتمام إسبوع العسل.
قاطعها المطرب:
-متهورة.
وطلقها زوجها متوجهاً الى مكاتب الدفانة؛ فصَّلوا قبراً على مقاسه، وجلس عند حافته ينتظر خفقة جناح عزرائيل تطرفه من أعلى الدنيا الى أسفل الآخرة، فيدفعه عابر سبيل بحذائه، ويوري الدفان جثته بتراب، تدوسه سيارة عابرة ذات إطارات خضر من زبرجد وماس وأنين مدفون عند طرف القبرة، يوزع يومياً بين نزلاء جهنم كي لا يتألمون.
ناداه ميت من قلب العاصفة:
-شغِّل السماعات المكبرة كي لا يتعفن الصوت.. راكداً.. في عبها.
مات وما زال ليس مهيئاً للسجن؛ كي يساق الى الإعدام في ظروف غامضة لم تفصح عنها قصة “وراء الزانيات رجل خؤون” مثل خطوط عبور تدهسها الأقدام والإطارت من دون فرامل فجراً وصباحاً وضحى وظهراً ومساءً وليلاً تدوسه أقدام جيرية تحمل أشباح رخام غادرت شارعاً عاماً للقوات المسلحة يكتظ بمشاتل تزرع أعلافاً للخيل الرخامية التي تتعرق صخراً ذائباً تنشفه بقطعة فولاذ شبقة على أهبة المثول بين تلافيف شهوتها فجراً وصباحاً وضحى وظهراً ومساءً وليلاً يثقب الظلام عفتها فيشيب قلبها من شدة الخجل... تصحو عائدة للزنا مثلما فطرها الشيطان من لهيب الرغبة الجامحة التي لا حدود لإنفلاتها.
قنبلة جنس ذرية
جالساً عند حافة حفرته التي فصلها الدفانون على مقاسه الأنيق، يؤلمه زنى زوجته وهو يتأمل شواهد القبور التي ستنغرس واحدة بينها تحمل إسمه:
“مراد إسماعيل حسن المحمداوي، مات متأثراً بخيانة زوجته، وعلى من لديه إثبات ببراءتها مراجعة دائرة تسجيل الولادات والوفيات في مدينة الصدر مؤقتاً، فقد أنشأها عبد الكريم قاسم، مدينة الثورة، نسبة الى مقتل العائلة المالكة.. عزلاء.. برصاص بندقية النقيب عبد الستار العبوسي يوم 14 تموز 1958 وغيَّرها عبد الرحمن عارف الى حي الرافدين، فأعادها أحمد حسن البكر: الثورة، مشيراً الى إنقلاب 17 تموز 1968 الأبيض مغموساً بالدم! وسماها صدام حسين، على إسمه، وأطلى عليها يوم الأربعاء 9 نيسان 2003 إسم الصدر، منتهزاً فراغ السلطة ريثما تعود: الثورة”.