فارس الدراما العراقية صباح عطوان في ضيافة (الزمان)
(فتاة في العشرين) يتصدّر قائمة طويلة من الأعمال التي لا تنسى
بغداد -هدير الجبوري
أسم كبير في تاريخ الكتابة الدرامية العراقية, حفرت كلماته ذكريات لاتمحى في ذاكرة ونفوس العراقيين، قصصه رافقت الدراما فترة طويلة من الزمن وارتبط الكثير منها مع اسمه واسلوبه ،وما من أحد يستطيع ان ينسى فتاة في العشرين وجنوح العاطفة واعماق الرغبة، ايام ضائعة ، عنفوان الاشياء، حذاري من اليأس وذئاب الليل وغيرها الكثيرمما كتبه. ضيفت جريدة (الزمان) في هذا الحوارالكاتب صباح عطوان الذي نستعيد معه محطات مهمة في مسيرة كاتب عراقي ترك بصمة في حكايا الدراما والفن العراقي.
□ تحدث لنا عن البدايات وماذا كانت تشكله في حياة وتوجهات صباح عطوان كانسان ومخرج وكاتب فيما بعد؟
- يقال بان صياغة الشخصية في حياة الانسان تتم في السنوات الخمس الاولى من تربيته تتأسس مزاجيته بتأسس نفسيته بتأسيس هواياته وانا عندما كنت صغيراً جدا كنت معتاداً ان تحكي لي امي قصة قبل ان تنام وكانت هي التي تفتح مخيلتي للقصص وكنت وحيدها ولاتملك أبناً غيري ولذلك كنت مدللها تماماًز وجميع القصص التي كانت ترويها لي عرفت فيما بعد عندما كبرت إنها كانت قصصاً عالمية تعود بعضها الى وليم شكسبير واحدى هذه القصص ضمنتها في روايتي (تنومة) التي كانت تحكيها امي لي..لذلك فان خيالي تأسس على يديها وكانت هي معلمتي الاولى وبدأ هذا الخيال الصغير يرافقني وانا في الثالث الابتدائي وكان كل من حولي يتوسمون في صوتي قدرة صوتية جميلة عندما اقرا القصيدة بطريقة القائية لطيفة وبخاصة القصائد الوطنية او قصائد الرصافي التي كانت موجودة في كتب القراءة، واثناء الوقوف المدرسي في الساحة صباحا كان مدير المدرسة يناديني كي اتقدم لالقي قصيدة على مسامع التلاميذ وكنت اخجل عندما يذكرني باسم صباح لان في تلك الفترة ظهرت فيها المطربة صباح وكنت متخوفا ان يرتبط اسمي باسمها ويتندر علي زملائي لذلك كنت اقول للمدير بان اسمي صبيح وهكذا. وكنت اقرأ قصيدة العلم (عش هكذا في علو ايها العلم فاننا بك بعد الله نعتصم) بطريقة مميزة وبصوت جميل وكنت الوحيد الذي يعتمد علي في اثناء مراسيم رفع العلم بالمدرسة.
□ من المعروف ان صباح عطوان بدأ حياته ممثلاً قبل ان يكون كاتباً فمتى بدأت بالتمثيل وبأي عمر واين كانت البداية؟
- في عام 1954 اقامت مدرسة المنذرية في التنومة على شط العرب احتفالها السنوي فارادوا ان يعرضوا مسرحية لذلك قاموا بتهيئة مسرحية لغرض عرضها وكانت تحمل عنوان (معن بن زائدة) وكانت المسرحية تعبر عن صبر وحلم معن ابن زائدة وعدم تمكن كل من حوله باثارة غضبه او سحبه الى منطقة الاستفزاز، وتجري خلال المسرحية عملية رهان بين اثنان من الاعراب حول من يتمكن منهما من اغضاب معن ابن زائدة وكنت انا امثل دور احد هذين الاعرابيين ولم انجح كما تذكر الرواية في المسرحية من التفوق على حُلم معن ابن زائدة، مااردت قوله مما سبق من كلامي ان هذه هي اول مسرحية مثلتها وانا في العاشرة من العمر، وفي الصف الخامس الابتدائي اقامت المدرسة مهرجاناً حضره مدير الناحية والعديد من العوائل في التنومة ومثلت فيه دور في مسرحية (القائد والاسيرة) وكانت المسرحية موجودة في المنهج المسرحي عن قائد فرنسي يأتون له بأسيرة وشيخ وطفل وكنت انا القائد الفرنسي في المسرحية التي اخرجها انذاك (عون الناهي) والتي تنتهي بعمى الرجل وقتل المراة والطفل واحداث كثيرة استعرضتها المسرحية.
□ متى كتب صباح عطوان قصة اول مسرحية؟
= في عام 1960وقد بلغت انذاك 14 عاماً كتبت اول عمل مسرحي لي وكان بعنوان (نهاية اقطاعي) في العشار وكانت بحضور الهيئة العلمية وجمهرة كبيرة من النساء والطالبات والطلاب وقد مثلت فيها واخرجتها بالاضافة الى كتابتي لها.
وفي عام 1962 قدمت في مدرسة تدريب الرادار بمناسبة تاسيس الجيش العراقي في 6 كانون الثاني مسرحية (بيت الطرشان) وتلاها بعام تقديم مسرحية اخرى هي (المتهم البرئ) وقد صورت المسرحيتين، ولدي صور في ارشيفي الخاص لهما مع صور مأخوذة من ن.ظ رادار جواد الرميثي.
عرض كبير
في عامي 1965-1966 أسست مسرح البصرة للتمثيل التابع للتربية والتعليم في البصرة وقدمت خلالها مسرحية (حسن افندي) ولم اكن ممثلا او مخرجا فيها وانما كنت مؤسساً فقط للفرقة وكان هذا العرض كبيرا وجماهيريا في قلب مدينة البصرة وحضر العرض القنصل واعيان المدينة. وأسست جماعة مسرح البصرة للتمثيل المذكورة في تاريخ المسرح العراقي وقدمت مسرحية الجسر الماخوذة من (مملكة الشحاذين) وحققت نجاحاً كبيراً ثم انتقلت فيها الى منطقة الزبير وعرضناها في مدرسة طلحة وكانت القاعة ممتلئة بالحضور وكان ذلك في العام 1969.ثم قدمت بعدها مسرحية (العاطفة والاحتقار) مصورة ايضا وموجودة في كتابي (مسرحياتي) وكان الفنان المطرب رياض احمد احد الممثلين فيها ودوره ابن المضمد علما انه عمل في المسرحيتين التي اشرت اليهما.
□ متى قدمت اول عرض مسرحي من خلال المسرح القومي؟
= قدمت للفرقة القومية للتمثيل في شهر شباط من عام 1970 مسرحية (قصر الشيخ) على المسرح القومي وكنت قد بلغت آنذاك 20 عاماً وكان هذا اول عمل مسرحي يقدم وانا في هذه السن الصغيرة واعتبرت اشارة ووميض من النور في المسرح العراقي وعرضت في اغلب المحافظات واخرجها الكبير وجيه عبد الغني وكان يمثل فيها بهجت الجبوري وقاسم الملاك وافراح عباس وزاهر الفهد وممثلين كبار وسجلها تلفزيون بغداد عام 1970. وتوالت الاعمال فيما بعد وقمت بتقديم مسرحية (المحطة) التي لاتزال تُعرض تلفزيونيـــــا بالرغم من مرور 40 عاما عليهــا، كذلك قدمت مسرحـية (مملكــــة الشحاذين) لفرقة 14 تموز التي عرضت على مسرح الاحتفالات.
□ اي عمل درامي كتبته وتعتقد انه ظل راسخاً في ذاكرة وذهن الجمهور لغاية اليوم؟
= كل الاعمال المميزة لي كانت راسخة في ذهن الجمهور منها( الاماني الضالة، عنفوان الاشياء، ذئاب الليل، عالم الست وهيبة والحاجز والهاجس، المسافر، ايوب، ايام الخلود، رجل فوق الشبهات، سيدة الرجال، سنوات النار، امطار النار) وعندي مايقرب من 52 مسلسلا مشهوراً ولازالت اعمالي تعرض برغم مرور فترة طويلة على عرضهــا لاول مرة لانها برأيي (دائمة الخضرة) ومطلوبــــــــــة جماهيرياً.
-ماهي الاعمال الدرامية التي تعتبرها الانطلاقة الحقيقية في تثبيت اقدامك وسط الكتٌاب المشهورين عراقيا وعربيا ومتى كان ذلك ؟
البداية كانت في عام 1970عندما طلبت مني مؤسسة الاذاعة والتلفزيون ان اكتب لها اعمال للاذاعة فكتبت مسلسلات شهيرة مثل المتمردون , سبعة ايام في الحجاز) وعملت برامج الاساطير الذهبية ..
وبعدها طُلب مني ان احول اعمالي الاذاعية الى تلفزيونية لان لها جماهيرية كبيرة ولذلك كتبت (جرف الملح )وكان اكبر عمل درامي في تاريخ الدراما العراقية انذاك والدولة خصصت له مدينة كاملة في التاجي لتصويره وكان عملا كبيرا وفي عام 1975 عملت مسلسل (الدواسر ) وقد اخرجه ابراهيم عبد الجليل وكان عملا ممتازاً شارك فيه عبدالمطلب السنيد وطالب الفراتي وسعدية الزيدي وغيرهم ..وفي عام 1975-1976 كتبت ( اعماق الرغبة) وكانت ايضا فتح الفتوح عندما وزعت في الاقطار العربية وكتبت عنها الصحافة العربية,, وكانت صعقة للاعمال العربية التجارية الهزيلة ..
ثم كتبت بعدها جنوح العاطفة وفتاة في العشرين التي كانت عملا مميزاً في تلك الفترة,, في تلك الفترة كنت اكتب سهرات للدراما في التلفزيون وكانت تستغرق ساعة ونصف او ساعتين فكتبت مايقرب من 49 سهرة درامية تلفزيونية وحصلت على جوائز عربية ودولية منها ( اجنحة طيور البنجاب, حلم على الهامش, تمرين عاطفي,اطراف, واعمال كثيرة لايمكن حصرها..تلت ذلك اعمال اخرى توالت تباعا منها ( اجنحة الثعالب, وفي عام 1980 عملت ( ايام ضائعة ) بطولة عبدالمجيد مجذوب وسميرة بارودي ..
-ماهي الافلام التي كتبتها للسينما العراقية وهل حصدت جوائز عليها؟
عملت افلام للسينما العراقية مثل ( يوم آخر, زمن الحب, مكان في الصدر, الباحثون, شئ من القوة) وحصد فيلم يوم آخر جائزة مهرجان موسكو الدولي للنقاد السوفيت ومجلس السلم العالمي..
- ماهي الاعمال الاقوى لصباح عطوان من وجهة نظره ؟
في الحقيقة جميع اعمالي التي ابتدأت بها كانت قوية وذلك من اول عمل مسرحي لي والذي كان مسرحية( معن ابن زائدة) ,,كنت موهوبا في المدرسة ورساما ومؤدياً للقصائد وممثلا وانا في ذلك العمر الصغير الذي لم يتجاوز العشرة سنوات فكانوا في البصرة يسمونني ( النابغة) وكنت اصغر عضواً في جمعية المؤلفين والكتٌاب العراقيين في البصرة..لذلك عندما تسألينني ماهي الاعمال الاقوى اقول ( فتاة في العشرين, عنفوان الاشياء, الاماني الضالة,ذئاب الليل, عالم الست وهيبة) اليست هذه الاعمال من اقوى الاعمال في الدراما العراقية ولي ايضا وكذلك اعمال اخرى غيرها وكلها اعمال متقاربة ومتساوية في القوة وطريقة الحبكة.
- ماهو العمل الذي قدمته خلال السنوات الاخيرة وكم عدد ماقدمته للدراما والاذاعة ؟
إحدى القنوات الفضائية في السنوات الاخيرة قدمت عمل لي بعنوان ( القوت والياقوت) وهي التي انتجته ,ولم تتاح الفرصة لي الان لتقديم اعمال كثيرة بسبب التهميش الذي لمسته انا وكثير من زملائي الفنانين والادباء ..علما انني قدمت للدراما العراقية اكثر من 1200 ساعة طرحت خلالها دراما مميزة مع 52 مسلسل درامي وفي الاذاعة حوالي 2000 نص اذاعي ومئات البرامج المشهورة منها البرنامج الاذاعي (حذاري من اليأس) الذي بقي يبث طوال 12 عاما وكان مشهوراً جداً..
وكنتُ الناقد السينمائي وكاتب البحوث لمجلة ( الاذاعة والتلفزيون) ومجلة السينما والمسرح وجريدة الخليج العربي ,, وانا ارى امكانياتي الكتابية صعب ان يمتلكها احد من هذا الجيل ,, 55 عاماً اعمالي تعرض ولم تعرض اعمال بمستواها وهذه حقيقة وليس غروراً ,, لم تظهر اعمال بمستوى فتاة في العشرين او اعماق الرغبة او جرف الملح او عالم الست وهيبة او ذئاب الليل وغيرها من الاعمال,,
وأُخذت من اعمالي 60 اطروحة دكتوراه واسمي موجود في الموسوعة البريطانية واليوكيبيديا بقائمة افضل 100 كاتب في العالم ,, ومع هذا كله لااجد الاهتمام والتقييم الذي استحقه ككاتب عراقي معروف ..
وكل ماانجزته لايعتبر بالنسبة لي سوى هواية لاني اراه كذلك وقد ساهمت مع كتٌاب قليلين جدا وبالذات مع ( معاذ يوسف) وليس غيره وعندما اقول كتٌاب معناه ان يكون الكاتب قد وصل الى مستوى (15-20) % مما انجزته انا لكن الذي ينجز تمثيلية او اثنان لايمكن اعتباره هكذا حيث يعامل الكاتب بالمستوى النوعي والكمي للاعمال التي انجزها في حياته..اقول فقط معاذ يوسف صاحب منجز وهو لايشكل ثلث اعمالي تقريبا لكن انا ومعاذ حملنا على اكتافنا وأسسنا الدراما العراقية الحديثة ,, واذا يتساءل احد ما عن اخرين سوانا فليقل من هو ..
- الجمهور العراقي تواق الى مسلسلات تتقارب في مستواها مع الاماني الضالة وفتاة في العشرين وجنوح العاطفة وغيرها فهل في القادم من الايام مسلسل جديد بهذا المستوى؟
الان لدي مسلسل( ذئاب الليل ) الجزء الثالث منه وهو عمل ملحمي وتضم حلقاته 90 موقع تصوير واكثر من 100 شخصية لذلك لايمكن ان يعرض في رمضان القادم لانه لم يتبقى وقت كافي لاستكمال التصوير وعرضه في رمضان..وسيبدا العمل به قريباً جداً وسيعرض في موسم آخر وهو جوابي لكِ عن هل ساتمكن من تقديم عمل بمستوى ماسبق لي من اعمال..
- كم عدد المسرحيات التي كتبتها ؟
المسرحيات التي كتبتها اكثر من 30 مسرحية وانا لاازال مديراً للبيوت الثقافية العمالية المسرح العمالي بشكل عام وبعض مسرحياته المشهورة كانت مثل ( رصيف الغضب) و (قصر الشيخ) و ( مملكة الشحاذين) والمحطة والغربيل ولدي ارشيف كامل حول هذه الاعمال وغيرها و اكثر من 2000 مقال عن هذه الاعمال واصدرت ايضاً اكثر من ستة كتب وثلاث روايات وكتابين عن المسرح ولاتزال لدي مخطوطات لم تنشر بعد ..
_ ماهو تأثير اعمال صباح عطوان على المستوى المحلي والدولي ومدى مشاركة هذه الاعمال ؟
عام ١٩٧٩ فاز فيلمي يوم آخر كما سبق وذكرت بجائزتين هما مجلس السلم العالمي وجائزة النقاد السوفيت في مهرجان موسكو الدولي للسينما .
وعام ٢٠٠٠ فاز مسلسلي عالم الست وهيبة بالجائزة الذهبية الكبرى من بين ٦٥٠ عملا ومن ضمن اربعة جوائز ذهبية عن الاخراج وعن افضل عمل متكامل .ونلت ايضا الجائزة الذهبية الكبرى لمهرجان تونس للتلفزيون للسيناريو عن فلمي التلفزيوني الوارثة ..ونال معاذ يوسف معي الجائزة الذهبية الكبرى عن تمثيلية سعاد في هذا المهرجان الثالث..ونلت الجائزة الفضية لمهرجان الكويت عن تمثيلية ضيوف ليل بارد ..وحظى مسلسل ايام ضائعة كافضل عمل تسويقي في سوق قطر لتسويق الاعمال عام ٧٨.٧٩..
ولاتزال اعمالي في الخليج العربي مطلوبة تماما ..اما عن فيلم شئ من القوة كان افضل افلام العراق في عام ١٩٩٣ حيث نلت جائزة عليه ..ونال فيلم يوم اخر نفس الجائزة واعمالي في التلفزيون كانت تحضى باهتمام اكبر بدءا من اعماق الرغبة كانت في لوحة الشرف من ضمن افضل الاعمال.