هل ضاع حق الفقراء في التعليم
ضياء مزهر
انتشار ظاهرة المدارس الأهلية في السنوات الأخيرة يثير تساؤلات جادة حول مستقبل المدارس الحكومية في العراق، وما إذا كان يمكن لها أن تبقى الخيار الأول للأسر الفقيرة التي لا تتمكن من تحمل تكاليف التعليم الأهلي الباهظة ، في ظل واقع تتزايد فيه الفجوة بين المدارس الحكومية والأهلية!! تتفاقم المشاكل المرتبطة بجودة التعليم الحكومي وسط مغادرة الطلاب وأحياناً حتى المعلمين إلى القطاع الأهلية ، فماهي الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة؟ ، وكيف تحولت المدارس الحكومية إلى بيئة طاردة للطالب والمعلم على حد سواء؟ ، وما الذي يجب القيام به لإنقاذ التعليم الحكومي من التراجع المتزايد؟.من الصعب تجاهل ضعف البنية التحتية في معظم المدارس الحكومية، من صفوف مكتظة تصل إلى 70 طالبًا في الصف الواحد، إلى نقص حاد في الموارد الأساسية مثل المختبرات والأدوات التعليمية، وضعف الاهتمام بالبيئة المدرسية وتطوير مهارات المعلمين يجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات الطلاب العصرية، وفي المقابل، توفر المدارس الأهلية مرافق حديثة ومعلمين مؤهلين ، مما يجعلها خيارًا أكثر جاذبية للأسر التي تبحث عن مستقبل أفضل لأبنائها.لعل من أبرز الأسباب المؤدية لتدهور مستوى المدارس الحكومية هو اهمال الحكومة لها وغياب الرقابة الصارمة وعدم محاسبة الإدارات أو الكوادر على النتائج المتدنية أو على غياب كفاءة التعليم فيها ، وبالمقابل، تمارس المدارس الأهلية إشرافا داخليا صارما لأن بقاءها يعتمد على جودة الأداء واستقطاب المزيد من الطلاب.التعليم الاهلي بات وسيلة لتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء ، وفي الوقت الذي يحصل فيه أبناء الاغنياء على تعليم متقدم وبيئة مشجعة، يُترك الطلاب الفقراء في المدارس الحكومية ليواجهوا تدهور البنية التحتية وتراجع اداء الكوادر التعليمية. ويؤدي هذا إلى تكريس طبقية واضحة، حيث يصبح الطلاب في المدارس الاهلية مستعدين بشكل أفضل للنجاح في حياتهم ، بينما يضطر طلاب المدارس الحكومية لمواجهة مصير مجهول وقد ينتهي بهم المطاف الى التشرد والتصحر الثقافي والمعرفي.
إن ازدياد انتشار التعليم الاهلي أدى إلى إضعاف القطاع الحكومي وتهميشه، وفي نهاية المطاف، سيؤدي عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بتطوير التعليم الحكومي الى انخفاض أعداد الطلاب المسجلين، مما يخلق حلقة مفرغة تنذر بنهاية هذا القطاع الحيوي.لذا ينبغي أن تبدأ الحكومة بإعادة النظر في أولوياتها، والاستثمار الجدي في تحسين جودة التعليم الحكومي، وتوفير الموارد اللازمة للمعلمين والطلاب، وبناء بيئة تعليمية محفزة وتنافسية ، ويجب أن يصبح تطوير التعليم الحكومي مسؤولية وطنية لتحقيق لبناء المجتمع. ومن الضروري فرض رقابة صارمة على الأداء في المدارس الحكومية، سواءً على مستوى المعلمين أو الإدارات ، كما ينبغي وضع خطط واضحة للتطوير وتقييم الأداء وفقًا لنتائج حقيقية، وليست صورية أو خاضعة لتأثيرات سياسية.
من المستغرب أن لا تتبنى المدارس الحكومية أساليب تعليمية حديثة تعتمد على التكنولوجيا والتفكير النقدي في بلد يمتلك كل الموارد المالية والبشرية التي يمكنها النهوض بهذه المسؤولية ، ويمكن النظر في تجارب الدول التي نجحت في تحسين جودة التعليم الحكومي بتكلفة منخفضة، وتطبيق ما يتناسب مع احتياجات المجتمع.
إن انتشار التعليم الاهلي يُعد ناقوس خطر حقيقي للنظام التعليمي الحكومي، وإذا استمر التدهور في المدارس الحكومية ، سيصبح التعليم حقًا حصريًا على الطبقات الميسورة، بينما يُحرم البقية من حقهم في تعليم جيد الحلول موجودة ، لكن الإرادة السياسية والدوافع الوطنية الحقيقية هما المفتاح لإنقاذ التعليم الحكومي وتحقيق العدالة بين الغني والفقير في التعليم.