مساكين أولئك المكلفين بوضع المناهج التربوية والتعليمية! إنهم يغفلون ثقل الأمانة، ويركبون أمواجاً لا قبل لقواربهم بعواصفها الهائجة. يجلسون يستذكرون ويستنسخون ويتكهنون طوال ساعات الليل، ويفاجئهم النهار بمتطلبات أخرى.
لقد اضحى العالم اليوم يعيش أشبه بمطاردات شعرية في افكاره واختراعاته وتطبيقاته الذكية المتسارعة. بدأ الكبار يتعلمون من الصغار، والمعلمون من التلاميذ، واليوم من الغد، وليس اليوم من الأمس!
ما بين الأعوام 1982 و 1985 عملت في لجنة اعادة النظر في المناهج في اطار مؤسسة المعاهد الفنية، وتحديداً عن المناهج الاختصاصات الإدارية. كنا نعد تقريراً عن أعمالنا كل سنتين، حيث تقوم تلك التقارير على:
- متابعة المستحدثات في المناهج المناظرة في بعض المؤسسات التعليمية الاجنبية.
- تقارير التغذية العكسية التي تتضمن آراء خريجي معاهدنا ومسؤولي عملهم في مجال التخصصات الإدارية.
- لمتابعة الميدانية للطلبة أثناء تطبيقاتهم العملية في دوائر ومؤسسات الدولة.
-تقارير ودراسات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والتخطيط ومؤسساتها المتخصصة.
في ضوء ما جرى ذكره، كنا نضمن تقاريرنا ما نقترحه في سبيل تطوير المناهج بما يتوافق مع الحاجات والمتطلبات في أسواق ومؤسسات العمل. كما شكلت تلك التقارير أساساً في اختيار وتكليف وتطوير الهيئات التدريسية والتدريبية.
ان اجابات مسؤولي العمل من قبيل ان خريجيكم لا يعرفون كذا، أو لا يقدرون على كذا، وكذلك اجابات خريجينا بان هناك مما تعلموه لا علاقة له بمتطلبات العمل وليست هناك حاجة اليه، نستفيد منها مثيراً في اعداد توصياتنا بعد دراستها وتحليلها.
ان تقاريرنا وغيرها قد ساهمت، على ما يبدو، في الحفاظ على التوازن بين الطلب والعرض في سوق العمل من ناحية، وعلى رفع كفاءة عمل الخريجين من ناحية أخرى.
ان ما نعيشه منذ ما يزيد عن عقدين من الزمان من تسابق تكنولوجي كبير، وما تسبب من تداعيات سياسية واقتصادية وتربوية وسلوكية، يلقي باعبائه الثقيلة على المسؤولين عن وضع المناهج التربوية والتعليمية، ويحملهم أمانة المستقبل!!