أذن وعين
هاريس وترامب.. أيهما سيحكم العالم؟
عبد اللطيف السعدون
يحبس العالم أنفاسه في انتظار يوم «الثلاثاء الكبير»، الثلاثاء القادم، يوم الانتخابات الأميركية الذي وصفه مرة الروائي الأميركي هنري ميلر بأنه «اليوم الذي ينصب فيه الأميركيون، داخل سيرك البيت الأبيض، رئيسا وغدا أو أبلها، أو من قد يمتلك الصفتين معا، يولونه رئاسة كارثة يقذفون العالم بها».
ويتنافس على كرسي البيت الأبيض هذه المرة الديمقراطية كامالا هاريس الفخورة باسمها الذي يعني باللغة الهندية «شجرة اللوتس»، و»المتصالحة مع أصلها الثنائي، الهند وجامايكا» بحسب ما قالته هي، ولذلك تطرح نفسها مدافعة عن اللاجئين، وعن السود والفئات المهمشة في المجتمع، وان كان خصومها يتهمونها بأنها كانت «شرطية أكثر مما يجب في محاربتها لليساريين» عندما كانت مدعية عامة في ولاية كاليفورنيا، كما معروف عنها تبنيها للإجهاض وللمثليين، ويقال انها رعت مرة حفل زواج لمثليين مما جعلها موضع نقد من شرائح واسعة في المجتمع الأميركي، ولو قدر لهاريس أن تفوز فستكون أول امرأة تحكم أميركا، وتحكم العالم!
المرشح المنافس لها الجمهوري دونالد ترامب القادم من نادي رجال الأعمال محملا بعشرات الفضائح والتهم القضائية، والمعروف بشعبويته طيلة أربع سنوات رئاسية، وما يقال في نقده الكثير حتى أن الرئيس جو بايدن في دردشة أخيرة له مع صحافيين روى ان زعماء العالم «مرعوبون» مما يمكن ان تفعله عودة ترامب على العالم، وعلى النظام الديمقراطي»، وانهم في كل اجتماع دولي كانوا يأخذونه جانبا، الواحد تلو الآخر ليعبروا له عن هذا الشعور. ومع فوز أي من المرشحين فلن يكون الحال بالنسبة للعرب وللمسلمين أفضل مما هم عليه الآن حيث المعروف عنهما انهما يتسابقان في دعم اسرائيل وحقها المزعوم في الدفاع عن النفس، وان كانت هاريس، باعتبارها ممثلة للديمقراطيين، قد تكون أكثر تعاطفا مع المأساة التي يعيشها الفلسطينيون، وأكثر قربا من «مشروع الدولتين» فيما يبدو ترامب «اسرائيليا» في دعمه للدولة العبرية أكثر من أي اسرائيلي آخر، وهو الذي نقل سفارة بلاده الى القدس، هذا بعض ما يدفع الناخبين الأميركيين من العرب للتفكير في التصويت لهاريس، وان كانت نسبة معتبرة منهم قد تلجأ الى عدم التصويت، وبعضهم قد يعطي صوته، نكاية بالمرشحين الاثنين، الى جيل شتاين مرشحة حزب الخضر، وان كانت خسارتها محسومة، وبعض آخر قد يعطي ورقة بيضاء أو يمتنع عن التصويت. وفي كل الأحوال فان الحصة الأوفر من الكارثة التي قال ميلر انها قادمة مع كل رئيس أميركي جديد سوف تكون، كما في كل مرة، من نصيب منطقة الشرق الاوسط، وهذا الحكم ليس من قبيل التنجيم انما هو نتيجة للمقدمات التي نعيش في ظلها هذه الأيام، والتي تنبأ أننا مقبلون على كارثة ترسم خرائط، وتشرع معادلات، وتغير دولا وأقاليم، وتطيح حركات وأحزابا وشخصيات تذكرنا بما شهده عالم ما بعد الحرب الكونية الأولى أو الثانية.
قيادة العالم
وبالطبع فان هذا الربط بين نتيجة الانتخابات الأميركية وبين ما يحتمل أن يحدث يكشف لنا الدور الذي تمارسه الولايات المتحدة في قيادة العالم، وان اصبحت مساحة التأثير متاحة أيضا، بقدر ما، أمام قوى أخرى مثل الصين أو روسيا، أما الانتقال الى عالم متعدد الاقطاب فقد يحتاج عقودا قبل ان يأخذ مساره الطبيعي، وثمة من لا يزال مأخوذا بنبوءة الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو بخصوص «الإمبراطورية الآيلة للسقوط»، والذي يقف على حافات المحيط منتظرا أن تجيء المياه بجثة عدوه! كل هذا جعل «الثلاثاء» القادم مناسبة عالمية مهمة بامتياز، قد لا يفكر الناخب الأميركي بأهميتها بالقدر الذي يفكر فيه بمشكلاته اليومية المباشرة مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والوقود، وفرص العمل، والضرائب، وكذلك مشكلات الهجرة واللاجئين والاجهاض والمثلية التي استجدت في السنوات الأخيرة، وخلقت حولها انقساما حادا في المجتمع الأميركي، أما بالنسبة للقضايا العالمية فلا تهمه الا بالقدر الذي تؤثر فيه على حياته، أو تنتقص من رفاهيته، وأهم قضيتين يمكن أن نجد لهما قدرا من الاهتمام لدى الناخب الأميركي هما حرب أوكرانيا، وحرب الابادة التي تشنها اسرائيل على غزة ولبنان لكن هذا التأثير لن يتعدى مسألة الخطر الذي يمكن أن تواجهه امدادات الطاقة التي تمثل عصب الحياة اليومية لدى الأميركيين.