رأي صائب
محمد السراي
تتكون مشاعر الإنسان وتنمو عبر محطات متتالية من التجارب والمعارف التي تتراكم في ذاكرته، وتشكل فهماً مرتبطاً بظروفه الاجتماعية. وبسبب تأثر المجتمعات بالفوارق الطبقية العميقة، نجد أن العديد من الأفراد يميلون إلى تبني أحكام جاهزة دون تفكير نقدي أو فسحة للتأمل، مما يعكس حالة من الجمود العقلي والنفسي لديهم. فهذه الأحكام غالباً ما تتأصل بفعل تاريخ طويل من الإقصاء والتهميش والانكسار وفقدان الرغبة في التواصل، مما يؤدي إلى رؤية مشوهة عن المحيط، خصوصاً في البلدان التي لا تزال آثار الحروب والصراعات العنيفة تشكل جزءاً من واقعها اليومي الذي يتغذى على رائحة البارود وإسقاط الآخر.
فكيف لشخص أن يحيا في مثل هذه البيئات التي أنتجت فهماً شائكاً عن الأحداث والأشخاص، مما خلق جدلاً واسعاً وأدى إلى فهم مشوّه قائم على تصورات منحرفة تستند إلى موروثات قديمة وحكايات لا تصلح حتى أن تكون جزءاً من الماضي، لكنها توارثت من جيل إلى آخر.
فإعادة التواصل مع الذات ومع الآخر، واستعادة القدرة على الحلم بمستقبل مختلف، تتطلب منا تجاوز الأطر الفكرية القديمة وفتح مسارات جديدة للتفكير والنقاش. تحتاج المجتمعات إلى إعادة تشكيل رواياتها التاريخية بعيداً عن الحروب والصراعات التي لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على الحاضر. الحل يكمن في إحياء روح التأمل والفهم العميق للأحداث التي شكّلت هذه المجتمعات عبر التاريخ. بدلاً من الوقوع في فخ الأحكام الجاهزة والقوالب الجامدة، اذ يجب أن نسعى لبناء وعي جديد قائم على الفهم العميق للواقع بعين نقدية قادرة على استيعاب التحولات التاريخية والاجتماعية. كما يجب قبول الآخرين الذين يشكلون التمازج الاجتماعي والجغرافي. فالاختلاف لا يعني بالضرورة وجود خلاف، بل هو تعبير عن رؤية خاصة، ولا داعي للتخوين أو الإسقاط ما دمت تختلف. وللجميع الحق في التعبير، حتى وإن اختلفت التوجهات، لكن من الضروري أن تتبلور الرؤى في ضوء المصلحة العامة التي نعاني من انحسارها بسبب التحشيد المنظم الذي أثر في مخيلات البعض، ممن يحاولون الوقوف في الجانب الآخر، المحاذي للتطرف النقدي الذي يقوم على قمع التفكير والاختلاف، والذي “لا يفسد للود قضية”.
فالرأي الصائب لا مكان له في تطبيقات التواصل، لغياب التكافؤ بين المستخدمين الذين يحاولون التعبير وفق مستوياتهم البسيطة مقارنةً بالأحداث التي تتطلب تدخل أصحاب الاختصاص والخبرات. اذ لا داعي للتعصب؛ راقب عن كثب، وقرأ لنفسك، وابحث في الأمور، ودع المنطق يجيب. وتذكر، ليس هناك من ينتظر رأيك، فأنت مجرد مستخدم تلبي غرضاً استهلاكياً لتقنية أُعدت لتلبية حاجات معينة.