الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حتى لا يكون الموظف كالمستجير من الرمضاء بالنار

بواسطة azzaman

حتى لا يكون الموظف كالمستجير من الرمضاء بالنار

باسل الخطيب

 

أسهمت الثورة المعلوماتية بانتشار أنظمة الدفع الالكتروني التي أدت إلى اختصار الوقت وتحقق مكاسب لم تكن الوسائل التقليدية لتحققها برغم بعض عيوبها، من هنا كان من الطبيعي أن تنتشر هذه الأنظمة في العراق برغم السلبيات التي رافقت ذلك لاسيما سعي الحكومة فرضها قسراً بقوة القانون من خلال المحكمة الاتحادية.

وهكذا بات قرار توطين الرواتب واقعاً مفروضاً شاء من شاء وأبى من أبى، وانسحب ذلك على إقليم كردستان الذي ما يزال يسعى لتطبيقه على الفئات المشمولة التي تقدر بقرابة مليون شخص بين موظف أو متقاعد، من خلال نظام «حسابي».

ونظام «حسابي» هو نظام دفع إلكتروني تم تطويره من قبل حكومة إقليم كردستان لتسهيل عملية صرف رواتب أكثر من مليون موظف حكومي إلى النظام الإلكتروني، حيث يتم توطين الرواتب في حسابات إلكترونية مخصصة لكل موظف، في إطار سعي حكومة الإقليم لإنشاء بيئة تجارية خالية من التعاملات النقدية ولتعزيز الأمان المالي.

نظام فوائد

وبحسب المصادر الحكومية أيضاً، فإن للنظام عدة فوائد لموظفي الإقليم، منها تسهيل تسلم الرواتب دون طوابير، فضلاً عن مزايا اقتصادية أخرى.

وكان رئيس حكومة اقليم كردستان، مسرور بارزاني، قد وصف، في الثالث من أيلول/ سبتمبر المنصرم، النظام المصرفي في الإقليم بأنه «بات أكثر قوة وفاعلية»، في حين صرح بأنه تم إدخال 500 ألف عامل في القطاع العام بنظام «حسابي» المصرفي المعتمد من قبل حكومة الإقليم في صرف المرتبات والمستحقات المالية.

وبنظرة سريعة على المصارف الثمانية المشمولة بنظام حسابي حتى الآن، في السليمانية على وجه الخصوص، نجد أن غالبيتها تشغل أبنية ذات صالات صغيرة نسبياً، لا تتيح استقبال مجموعات كبيرة من المواطنين وإنجاز تعاملاتهم إلا بشق الأنفس. وأنها لا تمتلك (حالياً) عدداً مناسباً من أجهزة الصرف الآلي (ATM)  في الأماكن العامة، وأن كثيراً من تلك الأجهزة تخلو من السيولة النقدية خلال أيام الجمع أو العطل الرسمية، فكيف الحال إذا ما تم تطبيق نظام التوطين وتوافد الآلاف عليها لصرف رواتبهم؟!

إن أبسط معاملة مصرفية (كالإيداع أو السحب أو فتح حساب) في بعض المصارف المرشحة للشمول بمشروع التوطين، تتطلب في الأيام الاعتيادية (حالياً) ما يقارب الساعة، وأكثر من ذلك بداية كل شهر، وأن صالاتها لا تسع أكثر من 20 شخصاً مرة واحدة، فكيف الحال إذا ما توافد عليها الآلاف لفتح حسابات أو بشأن أرصدتهم؟! كما أن ندرة أجهزة الصراف الآلي (ATM) في الأماكن العامة، أو خلوها من المال، لاسيما أيام العطل والمناسبات، بل وحتى بعد أوقات الدوام الرسمي أحياناً، مشكلة عويصة أخرى تواجه المشمولين، ناهيكم عن كثرة أعطال تلك المكائن وتسببها بتلف بطاقات المستخدمين أو ابتلاعها أحياناً.. ولعل العمولات المبالغ بها على كل عملية سحب، مشكلة مضافة أخرى تواجه المشمولين.

إن تطبيق نظام «حسابي» بنجاح يتطلب أولاً وقبل كل شيء، إلزام المصارف المشمولة بحزمة ضوابط تتضمن اشتراطات تؤمن انسيابية صرف مستحقات المودعين ورواتب المشمولين في مواعيدها المحددة من دون تلكؤ أو مماطلة أو تأخير، ومنها ما يتعلق بواقع حال أبنيتها، ومدى قدرتها على استيعاب آلاف المراجعين، وعدد النوافذ المخصصة للتعامل مع المودعين أو المشمولين بالتوطين، وعدد أجهزة الصراف الآلي التي توفرها في كل مدنية، بل وفي كل منطقة أو حي، بنسبة تتوافق مع عدد المشمولين، وما إذا كانت قادرة على ديمومة تغذية أجهزتها بالمبالغ اللازمة للمودعين والمشمولين بالتوطين في آن معا، مع وجود رقابة صارمة تضمن الالتزام بتلك الضوابط، لاسيما في ظل وجود من يحاول إفشال مشروع «حسابي».

دفع الكتروني

إن تطبيق نظام توطين الرواتب وتشجيع الأهالي على استخدام الدفع الإلكتروني.

لا ينبغي أن يكون وسيلة لإنقاذ المصارف المتخلفة أو المتلكئة أو المشبوهة، مثلما لا ينبغي أن يكون هماً مضافاً يثقل كاهل المواطن ويفرض ضرائب جديدة عليه، من خلال استقطاعات أو عمولات ما أنزل الله بها من سلطان.

كما أن تطبيق ذلك النظام يتطلب تأمين بنية تحتية مناسبة من خلال التوسع بتوفير أجهزة صراف آلي متطورة ونشرها في مختلف الأماكن العامة والأسواق، بل وحتى الأحياء والمجمعات السكنية، كما هو الحال في الدول الأخرى التي تستخدم نظم الدفع الالكتروني بكثرة ونجاح.

ثم ما معنى أن يدفع المواطن عمولة للمصارف أو مكاتب الصرافة، عند أي عملية إيداع يقوم بها لتعزيز رصيده، ولماذا ترفض بعض المصارف، الخاصة خصوصاً، تسلم العملات القديمة أو المتضررة نسبياً، وتقوم بفرض عمولة مضافة على من يعزز حسابه بعملات من الفئات الدنيا (دينار أو خمسة أو عشرة دنانير) عند قبول السليم منها، لاسيما أن روتب الموظفين تتضمن غالباً عملات تالفة أو ممزقة أو بالية من الفئات الدنيا.

إن من يراقب عمليات التحول الرقمي للجهات الرسمية في العراق، يصاب بخيبة أمل كبيرة من جراء الطرق الروتينية المتخلفة التي يتم اعتمادها، والصعوبات التي تواجه المواطنين من جرائها، والتكاليف المالية المبالغ فيها التي تصاحب تطبيقها، خلافاً لما هو موجود في باقي الدول، ولعل البطاقة الموحدة والجواز الالكتروني ونظام الانتخابات مجرد أمثلة سلبية ما يزال المواطن يعاني منها حتى الآن، عسى ألا ينسحب ذلك على نظم الدفع الالكتروني.

هذه مجرد ملاحظات سريعة ينبغي أن تؤخذ بنظر الاعتبار ضماناً لنجاح مشروعي «التوطين» و»حسابي»، لئلا يكون ذلك عاملاً جديداً لإذلال الناس وامتهان كرامتهم وهدر وقتهم وأموالهم لصالح أصحاب المصارف (المتغولين).. وألا يكون المشمولين بالمشروعين كالمستجير من الرمضاء بالنار!!!


مشاهدات 142
الكاتب باسل الخطيب
أضيف 2024/10/14 - 3:52 PM
آخر تحديث 2024/10/16 - 2:38 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 312 الشهر 6699 الكلي 10036422
الوقت الآن
الأربعاء 2024/10/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير