الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رؤية في واقع معاصر.. أزمة ثقافة أم أخلاق ؟

بواسطة azzaman

رؤية في واقع معاصر.. أزمة ثقافة أم أخلاق ؟

 

عصام البرّام

 

في زمن العولمة المتسارع، والتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العميقة، وغيرها من المتغيرات الكثيرة، يتسائل الكثيرون حول طبيعة الازمات التي تواجه البشرية، هل نحن أمام أزمة ثقافة تعبّر عن تراجع القيم والمعايير الانسانية حقاً، أم أن الأزمة الاساسية هي أزمة أخلاق تعكس إنحلال القيم الانسانية والمباديء الاخلاقية ..؟

تشير أكثر الدراسات في عصرنا الراهن بتزايد التحديات عن العصور السابقة، وتتسائل هل نعيش حقا هاتين الأزمتين؟ وهل هناك علاقة وتأثير بين هذين المفهومين؟ هذا التساؤل يقودنا للغوص في عمق التغيرات الثقافية والاخلاقية التي تسيطر على عالمنا اليوم.

مفهوم الثقافة والاخلاق

يتفق اكثرعلماء الانثروبولوجيا؛ بأن الثقافة هي مجموعة القيم والعادات والمعتقدات والفنون والمعارف التي تتناقلها الاجيال، والتي تشكل هوية الأفراد والجماعات، والتي تلعب دوراً محورياً  في تشكيل الوعي عند الأفراد وسلوكهم داخل المجتمع.

فيما يتفقوا على إن الأخلاق؛ هي مجموعة المباديء والمعايير التي تحكم سلوك الأفراد وتحدد ما هو صحيح وماهو خاطئ، فالأخلاق تمثل الضمير الجماعي الذي يرشد الأفراد نحو التصرف بطريقة ومسؤولة وإنسانية تجاه الذات وأمام الآخرين.

تحولات جذرية

ففي العقود الاخيرة شهد العالم تحولات ثقافية جذرية بفعل العولمة وتطورالتكنولوجيا، هذه التغيرات أثرت على القيم التقليدية وأتت بمفاهيم جديدة تتناقض أحيانا مع القيم والتراث الثقافي للعديد من الشعوب، فالأزمة الثقافية تتجلى في عدة مظاهر، ففقدان الهوية التي يعاني منها الكثير من الأفراد، وبما يسمى أزمة الهوية، هي نتيجة لتداخل الثقافات للأمم والشعوب من جهة، والعولمة التي غزت العالم من جهة أخرى، مما أدى الى ضعف الانتماء الثقافي للشعوب من خلال الانصهار فيها. كذلك الحال الأستلاب الثقافي، حيث تُبنى ثقافات غربية طارئة على الشعوب، وتتجاهل الثقافة المحلية والأرث الثقافي وتراث هذه الأمم، مما يؤدي الى تآكل الهوية الثقافية  للمجتمع، وبالتالي سيسمح الى ظهور السطحية، أي أنتشار الثقافة السطحية والمعرفة السطحية بدلاً من  الثقافة العميقة والمعرفة الجادة التي توارثتها الأمم الحية عبر تأريخ أُمتها القديم وما نتجت عنه من حضارة لاحقة. وتقف وراء هذه أسباب عدة؛ نوجز منها  بما يسمح في هذا المقام من المقال.

 فقد لعبت العولمة دوراً كبيراً في نشر القيم والثقافات الغربية في مجتمعات كثيرة حول العالم، وأصبحت القيم المحلية تكاد مهددة بالأنقراض أمام غزو القيم العالمية الجديدة، مما أثار تساؤلات حول مصير التراث الثقافي للأمة، فتأثير العولمة على الثقافات المحلية يؤدي الى تداخل الثقافات ببعضها من خلال أختراقها قسراً تارة أو رغبة ملحة تارة أخرى، وبالتالي ينعكس ذلك شيئاً فشيء الى فقدان الهوية الغالبة للأمة، وتجدها ساعيةً مبهورة أمام الأنبهار الذي يأخذها في عالم التطور التكنولوجي.

وهنا يأتي دور التكنولوجيا  بتاثيرها المتشعب في كل مفاصل الحياة، ومنها تأتي سيطرة وسائل الإعلام الحديثة والشبكات الاجتماعية على تشكيل وعي الأفراد ونشر ثقافات سطحية؛ وقد تكون جادة أحياناً، ولكن في أبعاد ومغزى عميق يؤثر في السلوك والوعي لاحقاً. (مثالها لا الحصر، وصلت الحوارات باللهجة العامية وشبه ضياع اللغة الأم).

فضلاً عن ذلك، ضعف المناهج التعليمية التي لا تواكب حركة التطور في تعزز الهوية الثقافية الوطنية وتعميق القيم ومراقبة تردي حالة المجتمع، والأخذ بدراستها من حيث الاسباب بغية الوصول للنتائج الموجبة.

في حين تتجلى الأزمة الاخلاقية في عدة مظاهر منها، يتجسد في القيم التي تتمثل بالأمانة والإخلاص والعدالة ونكران الذات والمرؤة ..الخ مما يؤدي الى تراجع القيم الانسانية والاخلاقية ،وانتشار الفساد وتزايد معدلاته في المجتمعات، سواء كان ذلك في القطاعين العام أو الخاص، وبالتالي يقود الى تدهور العلاقات الاجتماعية وآنتشار الأنانية والفردية داخل المجتمع الواحد.

وهذه لها اسبابها هي الأخرى، منها؛ ضعف التربية الأسرية أولاً وهي تعد الخلية أو المجتمع الصغير والأهم الذي تقع على جانب الأسرة، والمدرسة ثانيا في غرس القيم الاخلاقية، أضافة الى تراجع دور المؤسسات الدينية والثقافية والمؤسسات الاجتماعية، ودور الإعلام  بكل وسائله،  في تعزيز الأخلاق وزرع روح الاحترام والمحبة والمودة بين أفراد الاسرة والمجتمع الواحد بكل شرائحه

قيم انسانية

ومما لاشك فيه يمكن ان نقول؛ فان للاقتصاد (النيوليبرالي) الذي يعصف بالعالم اليوم والذي يركز على الربح والفردية وقهر الآخر على حساب القيم الانسانية، يشكل عاملاً مهما لايمكن الاستهانة به، لذا ان يأخذ بنظر الاعتبار في كيفية تجاوز المحن الاقتصادية والتضخم والجشع المادي على حساب الآخر بين الناس.  العلاقة بين الازمة الثقافية والاخلاقية ولكي نسعى جاهدين بما يمكن الوصول اليه من حيث الأخذ بالمجتمع نحو الصلاح والاصلاح ومواجهة ما يعصف به من تحديات، ينبغي على الجهة المسؤولة أن تسعى الى تعزيز التعليم  وأن يكون شاملاً، لا يقتصر على المعرفة الاكاديمية، بل يعزز القيم والأخلاق والتركيز على تطوير المناهج التعليمية بما ينسجم ويواكب التطورات الحضارية، وأن تغرس مباديء المسؤولية، الاحترام، النزاهة، والتعاون في نفوس الاطفال والشباب منذ سن مبكرة، لأجل بناء الهوية الثقافية والاخلاقية للفرد داخل الاسرة، ومن ثم المجتمع،  وتربية جيل واعي قادر على مواجهة تحديات العصر، بعيداً عن الأثنية والطبقية وما يدور حول فلكها من طمس الهوية الوطنية.

ومما لا شك فيه فأن القادة السياسيين ورجال الدين والاجتماعيون، يلعبون دوراً مهماً في ترسيخ القيم من خلال القدوة، عندما يرى الناس قادتهم يتصرفون بنزاهة وحكمة، فأنهم يميلون الى تبني هذه القيم في حياتهم اليومية، فان بناء دولة قوية يتطلب مؤسسات فعالة ونزيهة، كما ينبغي ان تكون الحكومات شفافة وخاضعة للمساءلة، وتعمل على تحقيق العدالة للجميع، عندها يشعر الناس بأنهم يعيشون في دولة تحترم حقوقهم وتوفر لهم فرصاً متساوية، فإن هذا سيعزز شعورهم بالمسؤولية تجاه المجتمع.

إن الدول المتقدمة تركز على تحسين نوعية الحياة للمواطنين، وهذا يتضمن الاهتمام بنظام صحي وتعلمي قوي، وتوفير فرص عمل، وضمان حقوق الإنسان، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي يسهم في بناء أمة قوية ومستقرة.

كما يقع على الإعلام، أن يأخذ دوره الواسع والحقيقي، فوسائل الإعلام تحمل مسؤوليتها في نشر ثقافة عميقة وأخلاقية ومؤثرة، شرط الإبتعاد عن السطحية والإثارة، والكف عن كل ما يثير شرائح المجتمع المختلفة من افكار سلبية، خاصة المجتمعات التي تتوزع فيها الأديان والطوائف والأثنيات، وأيضاً المجتمعات التي يتعايش معها، ونعني بوجود أناس أجانب من دول شتى تعيش مع ذلك المجتمع، فينبغي السعي والإرتقاء الى الشفافية والتحلي بروح المواطنة والتسامح ونبذ العنف والدعوة الى السلام المجتمعي وأحترام الاطراف المتعايشة معها، من أجل دولة واحدة للجميع.

أن زرع شعور الإنتماء والولاء للوطن، يعزز من الوحدة والتضامن بين أفراد المجتمع، عندما يشعرون بأنهم جزء من مشروع أكبر، فأنهم يصبحون أكثر أستعداداً للعمل من أجل تحسين بلادهم، لذا فالدول المتقدمة والمتطورة  غالباً مانجدها تسعى للتعاون مع الدول الأخرى لتحقيق أهداف مشتركة، وبناء علاقات قوية والابتعاد عن الصراعات المسلحة التي تسهم في الاستقرار والازدهار، وبذلك تساعد على بناء مجتمع قوي ودولة متقدمة تستند الى القيّم والأخلاق ورقي ثقافاتها، وتعمل من أجل مصلحة الجميع في الدولة الواحدة.


مشاهدات 255
الكاتب عصام البرّام
أضيف 2024/10/12 - 12:26 AM
آخر تحديث 2024/11/24 - 10:12 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 88 الشهر 10468 الكلي 10053612
الوقت الآن
الإثنين 2024/11/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير