الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حليمة السعدية في السيرة النبوية..حقيقة أم خرافة؟

بواسطة azzaman

سلسلة خصوصية المفردة القرآنية

حليمة السعدية في السيرة النبوية..حقيقة أم خرافة؟

رعد هادي جبارة

 

الرَضاعة و الرِضاعة

عندما استعرضنا خلال سلسلة البحوث ال13 الماضية قضية المفردات القرآنية توصّلنا الى نتيجة مفادها أن هنالك خصوصية للمفردة القرآنية تُميّزها عن غيرها من المفردات والكلمات.

   وفي هذا البحث؛ نسلّط الضوء على كلمة وردت في سورتين قرآنيتين من السور الطوال [البقرة والنساء] هي الرَّضاعة بفتح الراء وتشديدها.

   فالفعل الماضي من الجذر المفتوح الاول (ر ض ع) هو [رَضَعَ] بفتح الحروف الثلاثة كلها ، مما يعني أن الاسم منه عادة هو [رِضاعة] بالراء المكسورة، وهذا ما نجده في افعال أُخرى مفتوحة الحرف الاول(فاء الفعل) مثل:[ رَعى- رَمى- رَوى- هَدى- هَوى-سقى- جَعل- كَتب- وَلد- قَرأ-وَفدَ-سبح.....] و أمثالها، فيكون المفعول المطلق والاسم منها: [رِعاية/رِماية/ رِواية/ هِداية/ هِواية/سِقاية/ جِعالة/ كِتابة/ وِلادة/ قِراءة/و.....] وكلها تبدا بحرف مكسور.

    وعلى هذا الاساس ايضا نجد الفعل (رَضَعَ) عندما  يكون خارج النص القرآني يُلفَظ(رِضاعة) بكسر الراء. اما ضمن النص القرآني فقد وجدناه في الاية 233 من سورة البقرة هكذا:

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَة}.

هنا:راء كلمة ^الرَّضاعة^  مفتوحة مشددة لكون الراء من الحروف الشمسية طبعا .

وهكذا في الاية 23 من سورة النساء نقرأ:

 {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}

وهنا أيضاً [الرَّضَاعَةِ] بفتح الراء.

  لكن لو راجعنا عشرات الروايات والنصوص الأخرى الواردة فيها كلمة (الرضاعة) نجدها كلها تقريبا مكسورة الراء المشددة وهو الوضع المتعارف و الطبيعي.

   ولهذه الكلمة اشتقاقات كثيرة في آيات عديدة في القرآن منها: [يرضعن/ الرضاعة/ تسترضع/ ارضعنكم/ مرضعة/ أرضعت/ أرضعيه/ المراضع/ أرضعنا/ واخيراً: فستُرضِع] ولم نورد نصوص الآيات تحاشيا لطول المقال،وهي معروفة.

موسى ع ومُرضعته

ويغلب استخدام الكلمة (رضع) ومشتقاتها في القرآن لأحد الانبياء  في قصته، وهو موسى ع، حيث إن الله أمر أمّه بأن تلقيه في اليمّ ففعلت و ذهبت اخته عند الساحل لترى الى اين يؤول مصير اخيها، ومن يلتقطه، واذا بها ترى فرعون وزوجته آسية بنت مزاحم يلتقطانه من النيل و يتخذانه ابناً لهما بالتبنّي.

    لكن هذا الطفل الرضيع سرعان ما جاع و احتاج الى الحليب وبدأ يبكي،فأقنعتهم أخته بأن يعطوه لامراة تحنو عليه ،وترضعه لهم ، بعد أن حرّم الله عليه المراضع كلها. فوافق فرعون و زوجته على ان ترضعه هذه المرأة وهي أمّه في الحقيقة {فرددناه إليها كي تقر عينها ولا تحزن}.

حليمةالسعدية

 اما بالنسبة لنبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم فثمة رأيان في قضية رضاعته.

  فهناك من قال ان جده عبد المطلب رض قرر أن يعطيه لحليمة السعدية وهي امراة صالحة من بني سعد بن كعب كي ترضعه ويتربّى في كنفها ويغدو فصيح اللسان.

ومنَ الثّابتِ تاريخيّاً أنَّ حليمةَ السّعديّةَ أرضعَت الرّسولَ الأكرمَ (ص) والرّواياتُ في هذا الشّأنِ كثيرةٌ و مُتضافرةٌ، وقد تكونُ هناكَ إختلافاتٌ بينَ الرّواياتِ في بعضِ تفاصيلِها، إلّا أنّها مُتّفقةٌ جميعُها على أصلِ وقوعِ الرّضاع، ومَن شكّكَ في هذا الأمرِ لم يرتكِز في تشكيكِه على رواياتٍ تاريخيّةٍ نافيةٍ لهذا الحدثِ، وإنّما ينفيه إعتماداً على كونِ النّبيّ لا يمكنُ أن ترضعه كافرة!!!.

  ولابد من التساؤل: مَن قال إنَّ حليمةَ كانَت كافرةً؟ والإفتراضُ أنَّ كلَّ أهلِ الجاهليّةِ كانوا مُنكرينَ للهِ تعالى غيرُ صحيحٍ لوجودِ مَن كانَ منهم على الحنفيّةِ ودينِ إبراهيمَ عليه السّلام، فما المانعُ أن تكونَ حليمةُ مِن بينِهم وبخاصّةٍ لم يذكُر لنا التّاريخُ أنّها كانَت عابدةً للأصنام. فقَد نقلَ إبنُ شهرِآشوبَ في مناقبِه أنَّ عبدَ المُطّلبِ (رض) هوَ الذي أرسلَ خلفَ حليمةَ السّعديّةِ فجاءَت إلى مكّةَ مِن أجلِ إرضاعِ النّبيّ ص، فلا يُعقلُ أن يُكلّفَها بذلكَ وهوَ يعلمُ موقعَ حفيدِه وما سيكونُ عليهِ أمرُه وشأنُه، وعبدُ المُطّلبِ (رض) نفسُه لم يعبُد صنماً ولم يُشرِك باللهِ فمنَ الطّبيعيّ أن يبحثَ عَن مُرضعةٍ خاصّةٍ ليسَت كبقيّةِ النّساء.

  والأمر الآخرُ هوَ أنه حتّى لو تنزّلنا وسلّمنا بكونِها لم تكن مؤمنة آنذاك فلا يمكنُ أن نُسلّمَ بتأثيرِها على النّبيّ (ص) وذلكَ لكونِ التّأثيرِ لا يتحقّقُ إلّا بقوّةِ المُؤثّرِ و ضعفِ المُتأثّرِ، وفي حالةِ العلاقةِ بينَ حليمة و النّبي ص فإنَّ تأثيرَ النّبيّ (ص) هوَ الأقوى وليسَ العكسُ، و قَد ثبتَ ذلكَ فعلاً. ففي اللّحظةِ التي أخذَت فيها حليمةُ النّبيَّ (ص) بيدِها أثّرَ ذلكَ في بدنِها بالكامل ، فوجدت أنه قد تحسّنَت صحّتُها وقويَ بدنُها وكثُرَ لبنُها؛ فالثّديُ الذي كانَ لا يكاد يُغذّي طفلاً واحداً أصبحَ يُشبعُ طفلين، ولم يتوقَّف التّأثيرُ عليها وحدَها وإنّما شملَ كلّ ما هوَ مرتبطٌ بها فكثُرَ عندَها الخيرُ ببركةِ النّبيّ الأكرمِ (ص)، وقد إلتفتَت هيَ بنفسِها إلى أنّهُ لم يكُن طفلاً عاديّاً مثلَ بقيّةِ الأطفالِ (موقع العتبة الحسينية)..

و ينقل ابن كثير في كتابه(البداية والنهاية) عن حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية:

[فجئت به رحلي فأقبل علي ثدياي بما شاءا من لبن، فشرب محمد حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب وشربتُ حتى روينا، فبتنا بخير ....فقال صاحبى حين أصبحنا: يا حليمة والله إنى لأراك قد أخذت نسمة مباركة، ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه؟ ...فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتين.]

   لكن هناك من ينفي ارسال النبي ص الى حليمة السعدية وإرضاعها له لأنها لم تكن مسلمة بعدُ ولا يجوز أن ترضع طفلاً سيكون خاتم الانبياء .

   وهؤلاء المعترضون يقولون:

١- هل حقاً كانت قريش ترسل أبنائها للقبائل المحيطة بمكة لصفاء اللسان أو لأي سبب آخر؟؟

٢- هل رسول الله و خير من نطق بالضاد بحاجة لمن يقوّم لسانه؟؟ أم أن جدّه سيد مكة و زعيمها عبد المطلب يجهل من هو هذا المولود ليتركه هكذا؟

٣- مَن مِن رجالات قريش و قادتها كانوا يرسلون أولادهم ليتربوا ويرضعوا من خارج قريش؟؟

ويضيف منكروا حليمة:فالتاريخ لم يرو اسم شخص آخر إلا اسم النبي محمد ص كراضع بهذا الشكل.ولا نعرف مَن هم إخوته من الرضاعة. ولا يوجد من مرضعة للنبي ص الا أمه ،و لا أحد ينور افكارنا في هذه القضية الا القرآن،قال الله تعالى:

(وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ)

فهذه الآية وأن كانت في موسى ع لكن من خلال سياقها يمكننا أن نستدل منها على بقية الأنبياء فلا يكفل النبي في الرضاعة الا أهل بيته فهم له ناصحون.فقضية ارضاع حليمة للنبي (ص)خرافة شأنها شأن أكذوبة ورقة بن نوفل الكاهن.

 وردّاً على هذانقول:

1-لاتوجد رواية تدل على عدم ارضاع حليمة للنبي ص وان أمه آمنة هي التي أرضعته فقط.

2-ان الله أمر بوضع موسی ع فی الیم لينجو من القتل فالله تكفّل بحمایته،و حرّم على موسى المراضع لیرجعه لأمه.

3- لايصح الجزم بعدم إرضاع حليمة للنبي ص و تعميم حالة موسى على الرسول ص.فلكل نبي وضعه:

#نبينا محمد ص كان له معجزة الإسراء والمعراج ولم تكن لغيره

#ونبينا محمد انشق له القمر ولم ينشق لغيره

#ونبينا محمد توفي ابوه وهو في بطن أمه ولم يكن هكذا غيره.

#ونبينا محمد تزوج 9 زوجات أو أكثر ولم يكن ذلك لغيره.

#و عيسى ع يختلف عن بقية الأنبياء في أموره و معاجزه ونجاته من القتل والصلب.

#ونوح ع يختلف في طول عمره وشؤونه الاخرى عن غيره.

#وابراهيم ع كذلك له خصائصه وكونه خليل الله وفي نجاته من النار الكبرى.

 #والنبي يوسف ع ماتت أمه في النفاس ولم ترضعه، وربته خالته، و سجن ثم صار وزيرا للملك في حينه.

4-إن إخوة النبي ص - يعنى من الرضاعة -هم عبد الله بن الحارث، و أنيسة بنت الحارث، و حذافة بنت الحارث وهي الشيماء، وذكروا أنها كانت تحضن رسول الله وآله.

إذن لا يمكن تعميم حالة موسى ع على كل الأنبياء عليهم السلام لا في الرضاعة ولا في بقية الامور.

كذلك هناك احداث  وقعت بعد ان نال نبينا النبوة و الرسالة حيث كانت له لقاءات مع حلیمة رواها الصحابة و المورخون واصحاب الصحاح .

وللتوسع أكثر في هذا الموضوع انظر ماكتبه:

_ ابن كثير في «البداية والنهاية»

_و السيد عبد الرزاق المقرم في «حياة الإمام الحسن ع»

_و السيد جعفر مرتضى العاملي في «الصحيح من سيرةالنبي محمد ص «

_وما كتبه «مركز الأبحاث العقائدية» وهو تحت رعاية مكتب المرجع الأعلى السيد علي السيستاني:  https://aqaed.net/faq/8426/

وختاما نقول كماقال عز وجل:{وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (الإسراء 85).

الأمين العام  للمجمع القرآني الدولي

 


مشاهدات 274
الكاتب رعد هادي جبارة
أضيف 2024/10/12 - 12:13 AM
آخر تحديث 2024/11/21 - 4:11 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 285 الشهر 8989 الكلي 10052133
الوقت الآن
الخميس 2024/11/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير