طاولة الفراغ
عبد الرحمن طهمازي
لا تنسَ كيف التهمتْ الظلال اولئك الأشخاص وكيف لم يشبع هؤلاء من ظلالهم الذائبة في الايديولوجيا التي هي العصارة الزائفة للزمان الذي يخاطر بالواقع وهو الذي أرغم الجذور على العبث في الأعماق بعيون قانونيّة مقلوبة ويقوم باستبدال الصور بالوقائع حيث ينموان معاً ويتهالكان في ايديولوجيا حيزبون تحرس الوهم وتزرع الأوبئة وتحصدها في ما كان يسمّى سابقاً الحياة اليوميّة وهكذا ظلّتْ الجماجم ساخنة والمسافات تتوقّف على جانب الطريق وكلّ شيء يحشَر حشراً في كلام الساحرات الكثيف وكأنّ البداية تنتزع النهاية من القوس وليس هناك مرحلة تنشأ أو تزول والقبائل تنتظر الأعياد الوثنيّة على رقعة الشطرنج الموسوس وكما قيل فالكلمات هي حقائب قد ينساها فقهاء حديثو عهد بالعيوب الصوتيّة وستأتي لهم الطبيعة بعنصرها الخامس فإليكِ عنّي ايّتها الورقة المطويّة اِلى أن ينتهي الخيميائي الحرامي من رؤية نيرانه الماكرة وتستمرّ الطيور في زفافها المختلط وستزيد في حقولنا الأخطاء الاِملائيّة وهي نفس الخمرة المهترئة التي مازالت ألوف الألوف من الذباب الكلاسيكيّ تثمل في الموائد العامرة وتسوقهم نحو الأبديّة و أنتِ ايّتها الأبديّة هل ستعتنين بالفشل الدمويّ القارص كأغلفة الجليد الذي تقشعرّ له الجلود على مرأى من المصير الأملس أما الحواس فلن نعرف محتوياتها اِلاّ بعد دخول النصر والهزيمة المسرحَ على حصان مالح يغوص في الحياة حتّى منخريه وكان قبل قليل يجمع قواه ليطلق تنهيدة الموت ويسمح لجفنيه المتباعدين أن يرتخيا كالحرير الأسود المغموس في سوائل الايديولوجيا وتذويب الحقائق في الذكريات المهدَّدة بالضياع الالكتروني قبل أن تسعى إلى تعداد الأمور التي ستأسف عليها وأنت الآن جالس وحولك طاولة الفراغ ولديك طاقة خرافيّة على التعجّب
رقصة الغاضب المغلوب
قيلَ لنا إنّ شعباً أقدمَ على دفْنِ نصف حاضره وكان الفيلسوف النصفيّ قد ذكرَ إنّ ذلك هو مصدر التسلية ومع اِنّ كتب التاريخ مستوردَة بالعملة المحلّيّة واِنّ الناس لم يزروا بالأمل وهم يتناولون الأغذية وحليب السباع والرموز التي استهلكها سوء الاستعمال وصارت دلالتها قصيرة كالخواطر المتكرّرة التي ما زالت تختفي وراء اللغة وحين كانت الشعوب الأخرى تطارد الحاضر صار الشعب ُ الشقيّ مطروداً من حاضره النصفيّ ذاهلاً وعاجزاً فهل هذا كلُّ شيء لكي تحتفظ بنا الحياة ونختلف كالبشر الأقحاح الذين لا يستطيعون أن يفركوا أنفسهم بالجدران ويفصلوا الوسائل عن الغايات وبذلك يصلون إلى الإفلاس الخطير الذي لا يثير السأم والأسى وكأنّ الزمان جمع العمر كلّه وألقى به تحت الأرجل لئلا تقوم مباراة بوليسيّة أخرى بين الفلاسفة والحياة ولكنّ هذا لنْ يحدث بوجود الفنّ الذي يصارعه الزمان منذ البداية وانتزعت الموسيقا روح الصراع الذكيّ الحميم في التفريد والتجريد والشعر يسبق الشعراء والمجهول يتفرج علينا بعينٍ واحدة
رموز انتقاليّة
كلّنا على استعداد لاستقبال الطغاة وهؤلاء كخرفان السلطة المسعورة التي تحاول استخراج جواهر الزمان الخالدة وترى انّها أنداد للساعات المراوغة وعذاب النجاح المنغلق غير القابل للتنفّس فما إنْ يحصل الطاغية على المزيد من المهزومين حتى يبدأ بالدوَران في فلَك الهزيمة الثابت وهو يعرض لعنته الفاضحة أمام الطبيعة التي كانت على تجربة في تحوّل الخوف توأماً مريضاً للسلطة وللزمان الدنيويّ والشعب يتلاطم بأجزاء الحقيقة وفوقنا القبّة الزرقاء وقد رسمها الطغاة مثل القبر الشفّاف العبقري الذي يزري بالأهالي الذين يتقاسمون الليل والنهار ويفترشون الأمل بعناية ومن بعيد نلمح الطيور الرماديّة التي سنعرف منها كيف ومتى تمسح الدموع وترفع الأقنعة العميقة عن الحبّ ومن دون ذلك سيعتري الطبيعة ملَلٌ من الزمان الطفيليّ الذي سيكون سهل المنال على الطغاة من كلّ الأنواع الذين لن يقتفوا إلى أن يقدّم الضحايا براهينهم السلبيّة التي ستجذب إليها الطغيان ويكون الداء البليد الذي يصيب الطبيعة كامناً في الإنسان العاجز عن انفعالات الحريّة وفقدان الوعي عن فكرة الطرق المستقلّة عن واو المعيّة أو كما يقال انّه سيموت إذا رأى صورته تتهشّم مع زجاج المرآة ونيرون لا يعتقد حتّى اليوم إنّه خادم لأهوائه الشائكة كالجوع المتحفّز كالعطش المرعِب المرعوب من الشراب في وجبة المستقبل
بابل . . بابل
لن تكتفي اللغة بمتابعة نفسها أبداً ولن تقنع بالرجوع أو المراوحة سواءً بالكتابة أو بالأصوات أو تجميع ألغام الصمت أو توزيعها على ديون المعنى والألفاظ أو الكمائن التي يحتفظ بها الواقع أو تلهو بها بلوى الاستعارة أو احتباسها في ديار بعيدة كالمنافي التي تلجأ إليها أشباحُ المثقّفين إلى أن تستعيدها مراوح الأزمنة وانطلاق أرواح الألفاظ في الأشياء وتعود الأسئلة الى مناطق النفوذ وتبرز الوساطات لتحريرها من عدوى الأجوبة الجاهزة وطواحين الاستجابة مثل نظام نحويّ مدسوس في برج بابل ويتساقط الكلام من النوافذ الحجريّة ويشعر نمرود بالإفلاس لكنّ ذلك كان خطأ في خطأ مأمون الجانب ومسموع الخطى المتأرجحة بين حروف شتّى يستطيع المواطنون التفرّج على السلّم الحسّاس وكأنهم مهندسو يوم القيامة المؤجَّل لأسباب غير معلومة إلّا لمن تحدّثوا مع حُطام البرج برثاء شخصيّ خالد في رواسب الصدى وبعد الآن لن يصبروا على الآهات المتفاعلة والمتكيّفة في اللغات والترجمة المهووسة لببغاء مسروق التي لا ينضبط لها أيّ طموح متقلّب المزاج والأبجديّة البرمائيّة وقد نلنا الاستقلال في منتجع الكوابيس الموسميّة ومازال هناك المزيد من الفُرص والشياطين وسلحفاة أطلس والجلود الاحتياطيّة للأفاعي الضارية والحبّ المتكدّس في عَدَن
كالمفاجأة
كنتَ تترنّحُ وأنت تصيب الهدفَ والنظّارة يصفّقون لكَ وللترنّح وللهدف المصاب في الصميم ولا ضيرَ في ذلك فالتصفيق يتواصل في التصفيق وكذلك تفعل الأنغام وهي تثني على العازف الأصمّ الذي يتعرّف على لُبّ الصمت في الأوتار وعلى الكلام الذي وقف متردّداً بين النجوم وكأنه ليس في حقله الصحيح وسيمرّ عليّ الغناء وأنا ساكتٌ في القرية الجنوبيّة فتبدأ الطفولة تنبض بنضوج غامض وغامِر يقوم بتحريكي نحو الخلاص وستعرفون القصّة حين تزورون بيتي في اليوم التالي وتكون الأسئلة مختلطة بالأجوبة والحبّ جريئاً بين المحبوبين ولا تقاطعه المرايا الصوتية الحبيسة في نظرات نرسيس التي أمسكتْ بالصورة وأنقذتها من الانكسار وراء الماء السميك بالشكوك وظلّ خائفاً عليها من السرقة ولكنّنا كنّا نتلقّى البريد مع مياه الربيع وألطاف الحبّ المتبادلة الحواسّ والدرجات التي تخامرها المفاجأة والامتنان الجميل والأنفاس التي تغلغلتْ في لحظات يانعة الثراء والبقيّة تفوت وتأخذك معها لئلّا تفلت أنت من سذاجة المرايا التي عرفتْ الوفاء ومنذ الآن ستضيف اليه رأفة الذاكرة والتسريب المتمهّل لإرشيف الوجوه وتأتي بعد ذلك محاورات الأسرار ويكون الحبّ هو الحدس العميق المتداخل المتفاجئ الظامئ الى فن الوجود حيث تعرض علينا الحياة حقوقاً لنا ولم نكن متكافئين معها قبل وصول الألحان الى الأوتار وتكون العذوبة تململت راضية بدماثة عن عيوب الامراض ولصوصها أغبياء الشياطين أو الذين يصادفهم الخطر كالبراءة وكأواخر البداهة الصارمة لتخاذل المعاني العادلة وعن الحريات حيث يترعرع الجمال في ينابيع اللذة ومن أعماق هذا الباب الوسيع تستطيع الحياة أن تدخل بأي ثمن كان و بسائر أنواع الديون المغناطيسية التي يلتقطها المحبون
الأخت الكبرى
أراد إبليس أن يرى وجهه في المرآة فقالت له لا تقطعْ رزقي هذا الصباح وإذا به يجيب حسَناً يا أختاه أين سأذهب وأصلح حالي فاقترحت عليه الاستدارة نحو الأفق حيث تغلبك الحيْرة ولن تشبع منك كما هو شأني مع الخاطبين وألمْ تعلم بعد بأنّ النور يكشف وينكشف كما تُلاحق الموسيقا الموسيقار كما سأكون الملجأ الوحيد لعوادي الدهر وسأضع اسماً لهذه المشكلة غير المأمونة من الحراسة وأنت تملأ جوفك بالكثير والكثير من النيران الطفيلية والشكوك الجائرة على السلالم والجذر الذي تهفو اليه التفاحة وصار من اللازم علاج الخَرَف الذي طرأ على المستقبل النرجسيّ الثرثار وبعد إنسحابه من بطن الحيّة بدأ إبليس يتكلّم باللغات ذات الأوجه مرتبكاً بين هياج النصر والهزيمة والحسَد ولستَ بارعاً في تنسيق الأجنحة وهرع إلى المرآة يريد إيداع بعض الريش الاحتياطي عندها وقالتْ لستُ مخزناً لذكائك المتأخّر وما أنا إلّا زنزانة غير مستقلّة مرّ بي ويمرّ النسيان والأمل فاطوِ جناحيك في إبطيك وكنْ طعماً للأقداروالذاكرة الطليقة وادفنْ الريش في وسادة أحلامك التي لم تخدمها في يوم من الأيّام وها أنتَ ذا تستفزّ الثارات من أيّ جانب جاءت وذهبتْ وذلك الزمان القديم يحملك على هيكله العظميّ المطقطق حول منتصف الرأي العام
من مجموعة القطوف والسلالم.