إما إصلاحات مؤلمة أو الإنهيار الحتمي
سرطان الفساد يفتك بالعملية السياسية
حسين الفلوجي
العراق اليوم يقف أمام مفترق طرق مصيري، حيث تواجه العملية السياسية خطرًا وجوديًا نتيجة انتشار الفساد بصورة غير مسبوقة. الفساد في العراق لم يعد مجرد مشكلة عابرة، بل تحول إلى مرض خبيث يستشري في مؤسسات الدولة ويعطل كل جهد حقيقي للإصلاح والبناء.
مظاهر الفساد تمتد إلى جميع القطاعات، بدءًا من عقد جلسات البرلمان التي أصبحت رهينة المصالح المادية، مرورًا بالتوظيف العشوائي القائم على المحسوبية بدلاً من الكفاءة، وصولاً إلى المشاريع التنموية التي تتعثر وتفشل بسبب استنزاف الأموال العامة.
أحد أشد مظاهر الفساد وضوحًا هو تدهور مشاريع البنية التحتية واستيراد المواد الأساسية، التي أصبحت تتأثر بشكل مباشر بالرشاوى والمحسوبيات.
الأغذية والأدوية التي تدخل البلاد غالبًا ما تكون ذات جودة متدنية أو حتى منتهية الصلاحية، ما يزيد من معاناة الشعب العراقي. أمام هذا الوضع المتأزم، لم تعد ثقة العراقيين في العملية السياسية قائمة، بل أصبح الفساد جزءًا من حياتهم اليومية، يغلق كل أبواب الأمل في الإصلاح ويعطل أي جهود جادة لتحقيق التغيير.
اجراءات جذرية
العراق الآن يواجه خيارين لا ثالث لهما: إما أن يستمر في طريق الانهيار البطيء تحت وطأة الفساد، أو أن يتخذ إجراءات جذرية للإصلاح، على الرغم من الألم الذي قد يصاحب تلك الإصلاحات. الخيار الأول يعني قبول مصير محتوم من الفشل والانهيار السياسي، بينما الخيار الثاني يتطلب اتخاذ خطوات قاسية وحاسمة، كتطهير الحكومة من الفاسدين وإعادة هيكلة الأحزاب والمؤسسات المتورطة في الفساد.
إصلاحات تدريجية تشبه العلاج الكيميائي قد تكون هي الحل الأمثل للعراق، ولكنها أيضًا مؤلمة ومكلفة. مكافحة الفساد تتطلب تحسين القوانين، وتعزيز الرقابة، ودعم مبادرات الشفافية والمساءلة في كافة مؤسسات الدولة. هذه الإصلاحات قد تبدو بطيئة، لكنها تمثل الأمل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من العملية السياسية.
القرارات الصعبة تتطلب تضحيات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية. مواجهة الأطراف المستفيدة من الفساد ستكون حتمية، وقد تواجه مقاومة شديدة، لكن تجاهل هذه القرارات الآن سيؤدي بلا شك إلى انهيار العملية السياسية وفقدان الأمل في بناء مستقبل مستقر للعراق.
العراق اليوم بحاجة ماسة لعقد مؤتمر وطني يجمع «الآباء المؤسسين» لمناقشة حلول جذرية، قبل أن يفوت الأوان. هذه الحلول يجب أن تكون نابعة من الإرادة الوطنية وتهدف إلى مكافحة الفساد وإعادة العراق إلى مسار التنمية والاستقرار.
إنقاذ العراق من الانهيار يتطلب خطوات جريئة وفورية. على صناع القرار التحرك قبل فوات الأوان، فكل لحظة تأخير تقرب العراق من حافة الانهيار الكامل. المسؤولية اليوم تقع على عاتق الجميع؛ إما أن يتحدوا لإنقاذ البلاد، أو أن يستسلموا للفساد ويشهدوا الانهيار الحتمي.
سياسي مستقل