حفظ السلام والوئام هو الإنتصار الأسمى للشعوب
رشيد فتحي خنسي
الأمم العظيمة التي تسعى لمستقبل متحضر لا تتشبث بسلبيات الماضي ولا تتفاخر بإنجازاتها فقط، بل تتطلع نحو مستقبل مشرق. فقد أثقل كاهلنا ما خططه الأشرار ودبروه لنا، لذا يكفي من زرع الأحقاد ودس السموم وتهيئة أرضية خصبة للصراعات وتدخل الأعداء.لذا علينا ألا ننصاع لرغباتنا ونزواتنا، وأن نقدر الأمور بميزان العدالة. يجب علينا أن نصنع السلام والوئام، ونطبق العدالة والمساواة، ونسعى لخلق هوية حقيقية للإنسان ترتكز على العقل والأدب. علينا أن نصون حقوق الآخرين، وندرك العواقب الوخيمة للأفعال المشينة وبذاءة اللسان. يجب ألا يدفعنا الغرور الزائف لخيانة الوطن الذي احتضننا وربانا، وألا نعتمد على الآخرين في قوتنا، بل نقتدي بالضابط الألماني الأسير لدى الإنجليز الذي عندما طلبوا منه معلومات عن ألمانيا قال: «أنا هربت من هتلر، ولن أخون ألمانيا لأنها وطني للأبد.»
يجب أن نكون أوفياء للوطن مهما تغيرت الظروف وتبدلت الحكومات. علينا أن نرتقي بمستوانا الأخلاقي والفكري، وألا نتجاوز على مقدسات ورموز الآخرين من الأديان والأقوام. النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول من الله يؤمن برسالته أكثر من 1.8 مليار شخص، وفي انتشار مستمر. وقد اختير في مؤتمر لندن كأعظم الشخصيات على مدى التاريخ، وهناك إشادة بنهجه وكتابه من قبل عباقرة وعلماء الغرب. فكيف يمكن لهذا النهج أن يتوافق مع الأعمال الإرهابية الظلامية؟ إنه بريء من تلك الأفعال، لأن داعش صنعتها أجهزة مخابرات الدول الاستعمارية، باعتراف منها، لتشويه صورة الإسلام وخلق ردود فعل سلبية لدى الذين يعتنقونه. ولو كانت داعش و افرداها مسلمين حقاً، لماذا لا يدافعون عن غزة والعراق وأفغانستان؟
وأدناه نورد بعض الفقرات من نهج الإسلام وفق الآيات القرآنية
1- قال الله تعالى (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَاد فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (سورة المائدة، الآية 32)
وهذه الآية الصريحة بتحريم قتل اي نفس.
الرد بالاساءة
2- وقال (وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ للَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) (سورة الأنعام، الآية 108)
وهذه الآية تنهانا أن نشتم حتى الذين لا يعترفون بالله ولا معتقداتهم لانهم سيردون عليكم بالإساءة إلى الله ومقدساتكم
3- وقال (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين) (سورة الممتحنة، الآية 8)
ففي هذه الآية يأمرنا الله أن نكون عادلين وبارين لأهل الذمة من غير المسلمين ممن لا يعتدون او لا يساندون اعداء المسلمين.
4- وقال (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (سورة البقرة، الآية 256)
أي لا تكره أحدا على الإيمان أما من يدعون بقيام الإسلام بالسيف او أخذ رأي أحد الملالي ذات العلم المحدود لكي يتخذ ذريعة للطعن بالاسلام او قول مؤرخ غير منصف فهذه اخطاء وتجاوزات وكل فعل ظروفها الخاصة ولا مجال للتعريف.
5- وقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات، الآية 13)
فيما تقدم بعض الآيات الواضحة التي تدحض وتكذب الملفقين والملحدين والمنافقين.
لذلك واجب علينا احترام المعتقدات والابتعاد عن الغلو والتطرف. فالكرد يعتنقون الإسلام والمسيحية واليهودية واليزيدية، والبعض منهم ما زالوا يحتفظون بلغتهم الكردية مع استخدامهم للغات كتبهم السماوية.
لذلك، يجب على مكونات كردستان أن تتعايش بسلام، بعيدًا عن الانجرار وراء المنحرفين والجهلة والخونة المأجورين من جهات معادية تعمل تحت أسماء مستعارة. كما يجب ألا يتخلى أي شخص عن ضميره وكرامته وشرفه مقابل أموال زهيدة لإشباع غرائزه الحيوانية أو لتحقيق أهداف شخصية على حساب مصلحة الشعب.
وأما ادعاء بعض اليزيديين، وعلى مستويات عديدة، أنهم في غنى عن الكرد، فهذا يعكس غرورًا. فقد كان هناك أكراد مسلمون قبلهم قد تخلوا عن قوميتهم، لكن الظروف أجبرتهم على النزوح والإقرار بهويتهم الكردية. الكرد أيضًا يمكنهم الاستغناء عنهم دون أن يتخلوا عنهم، لأن كردستان هي حاضنة للجميع. ولكن من الخطأ أن يتنكر المرء لأصله أو يسيء إلى من رعاه وأرضعه، أو أن يرمي الحجر في البئر التي شرب منها.
أما ما يُقال عن أن بعض الأكراد المسلمين يذكرون فضائلهم على الأكراد اليزيديين في محنتهم، فهذا ان كان واجبا ولكن تذكيرًا وردًا على من ينكرون الجميل والتضحيات في تحرير سنجار. وعلى كل طرف من الطرفين أن يراعي شعور الآخرين، فقد تكون هذه الأفعال مقصودة أو ناتجة عن أخلاقيات معينة. فنحن جميعًا من عرق واحد، واختلافنا لا ينبغي أن يكون سببًا للتفرقة بل للتعاون.
اختلاف العقائد هي سُنة من سنن الله للتنافس في تقديم الخير والأعمال الصالحة. فالدواعش لا علاقة لهم بالإسلام الحقيقي. فقد أخبرنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة أن هناك فئة ضالة ستظهر تحمل رايات سوداء، وأمرنا بقتلهم أينما وجدناهم، ولم يقل ساندوهم أو تعاونوا معهم. بل أمرنا القرآن الكريم بالتعاون على البر والتقوى، والعمل على فعل الخير، وعدم تجاوز حدود الله.
يوم القيامة
في خطبة الوداع، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، حرام عليكم دماؤكم وأموالكم وأعراضكم إلى يوم القيامة»، ولم يكن يقصد المسلمين فقط. كما أكد على صيانة حقوق ودماء من كان معاهَدًا عند المسلمين أو من هم في ذمة المسلمين وقال (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
أما فيما يتعلق بعدم تصدي البيشمركة لداعش، فيجب أن نلاحظ أن نصف أراضي سوريا والعراق كانت قد احتُلت، ولم تستطع الدولتان صدهم، فكيف يمكن لقوة محدودة مثل البيشمركة أن تصدهم؟ ولكن عندما تم الإعداد والتسليح بشكل مناسب، استطاعوا تحرير سنجار وقدموا 500 شهيد، بالإضافة إلى تحرير السبايا بمبالغ ضخمة.
أما بخصوص حملات الإبادة، فإن هذه الصراعات تمتد عبر التاريخ. فقد تعرض الكرد للإبادة سواءً من خلال الموت بسبب الظروف القاسية والجوع، أو عبر الإبادة الكيميائية. لقد تم قتلهم وحرقهم ودفنهم أحياءً، وواجهوا كل أشكال القسوة. بل إنهم تعرضوا للإبادة بشكل أكبر من اليزيديين، بالإضافة إلى السجون والملاحقة والتعذيب والتهجير، والاستيلاء على ممتلكاتهم وسبي نسائهم، وحتى إجراء التجارب الكيميائية عليهم في المختبرات.
وكذلك، فإن الصراعات والإبادات البشرية التي حدثت على مر العصور كانت متعددة، منها قتل البيض للأفارقة واستعبادهم، حيث قتل حوالي 100 مليون، وقتل الأمريكيين لحوالي 50 مليون من هنود الحمر، وقتل 20 مليون مسلم من قبل الاتحاد السوفيتي، وحرق المسلمين من قبل البوذيين والهنود. وحالياً نشهد حرب إسرائيل على غزة، وحروب أمريكا على أفغانستان والعراق. فأين كان دفاع داعش في هذه الأحداث؟ لذا، علينا أن نتجنب الإساءة ونبذ الأفعال السيئة، وأن نرتقي بأنفسنا من الغرور. فالجمال الحقيقي يكمن في عدم جرح مشاعر الآخرين، وفي الشعور بألامهم. والجمال الذي لا يزول هو جمال الأخلاق. فالكرد لا يتحملون المزيد من القهر والظلم. وإن لم تقطع الأيادي الخفية التي تحرك هذه الأمور، فسوف نفقد كل شيء.