الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الـعراق-14تموز 1958.. متغيّر واحد أم متغيّرات؟

بواسطة azzaman

الـعراق-14تموز 1958.. متغيّر واحد أم متغيّرات؟

مجيد ملوك السامرائي

 

تؤكد فلسفة الكتابة التاريخية الحديثة على توثيق أو إعادة توثيـق تطور الأحداث برؤية علمية تعتمد منهجية تقوم على الأساس التحليلي في محاولة التأليف الابداعي التاريخي والجغرافي وفقاً لمبدأ التقاط الحدث أو الظاهرة وتحليلها بكافة أبعادها ومتغيراتها لتوضيح أُسسها ونتائجها، وعليه فأن ما شهده العراق فجر 14 تموز 1958 يخضع لعدة متغيرات عالمية وإقليمية ومحلية، فقد كان حدثا كبيرا وتداعياته كانت الأبرز في القرن العشرين، وتتجاوز تداعياته احداث 1917 ودخول الجيش البريطاني للعراق.لأكثر من نصف قرن مضى كتب وقيل الكثير عن ذلك؛ ممن نظر او كان شاهدا، ولا زالت الاقوال والكتابات مستمرة ممثله بإصدار المؤلفات الجامعية والعامة داخل العراق وفي صدارتها رسالة/ وكتاب زميلنا الأستاذ الدكتور ليث الزبيدي والمتوجة بعدة مقابلات مباشرة لعدد من الذين كانوا في قلب الحدث، كما صدرت الكتب خارج العراق او في المقابلات التلفزيونية لمن عايش او سمع عن الحدث وكما يجري مع استاذنا سلام مسافر في قناة روسيا اليوم، ومقابلات الدكتور حميد عبدالله في قناة يوتيفي، وجميعها كانت بالأجمال ذات محتوى جيد، عـدا تلك التي طغى عليها وجهات النظر المحدودة أحيانا او تلك التي ترتبط بعواطف فكرية معينة، وما تقدم يبقى محترما ومشرع الأبواب لبيان الحقائق وربما تعديل البعض من وجهات النظر، ولذلك فهي صحيحة الا في حالة ما ينفيها حقا.

رغبة فردية

القاعدة العلمية تؤكد على ان محاكمة التأريخ خطاء جسيم، لذلك تاريخيا ليس كل قول أو تصرف وإن كان صحيحا هو من يفعل الحدث الكبير على الإطلاق، فالأحداث الكبرى تخضع لمتغيرات كبرى تتجاوز الرأي والقول والرغبة الفردية او المتغير الواحد وهذا مهم جدا، لذلك فأن ما حدث في 14 تموز 1958 في العراق يخضع لعدة متغيرات عالمية وإقليمية ومحلية عملت طوال سنيين سابقة للحدث وكما يلي:

1) أن غالبية الضباط العراقيون الأقدم هم من ضباط الجيش العثماني والذين قدموا مع الملك فيصل الاول 1921 ولديهم رغبة الزعامة والرئاسة، كما ان للعديد من طلابهم الضباط فيما بعد ذات الرغبة ... نعم جميعهم وطنيون شجعان ولديهم رغبة الزعامة والرئاسة لذلك فأن ولاءهم للملكية لا يلغي سعيهم للتزعم وبدوافع حب الوطن المشروعة.هـكذا نجد التنافس بينهم قد وصل لمستوى القتل بغض النظر عن مستوى العلاقة فيما بينهم، وهذا ما حدث في 1936/ بكر صدقي، و1941/ رشيد عالي، وتنظيم الضباط/ اجتماع الكاظمية 1956،  واخيرا 1957 وصولا إلى 1958 ولم يتوقف.2) الحماسة وما رافقها من المظاهرات الصاخبة والاحكام العرفية والاعتقالات 1952-1956 والتي قادتها الحركات والأحزاب الناشئة؛ الشيوعية/ سلام عادل، القومية، الإسلامية، البعث/  فؤاد الركابي ... وكذلك تغير توجهات الأحزاب التقليدية/ 1954؛ الوطني الديموقراطي/ كامل الجادرجي واحمد حديد  والاستقلال/ فائق السامرائي، والتي كانت تعارض سياسات النظام ممثلا بحكوماته وبالمقدمة حكومات نوري سعيد/ الباشا وليس معارضة أو أسقاط النظام الملكي.لقد أفضت الحماسة وتغير التوجهات المشار اليها؛ الى تشكيل التحالف السياسي/ جبهة الاتحاد الوطني في أذار1956 وضمت الأحزاب؛ الشيوعي، البعث، الوطني الديموقراطي، الاستقلال، ولاحقا الديمقراطي الكردستاني. وقد ارتبطت تلك الحماسة بالسياقات الوطنية، وبتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي بداء بعضها يتحسن تدريجيا بعد تأسيس مجلس الاعمار 1950 على خلفية تزايد إيرادات النفط.3) تأثر تلك الحماسة ايضا بالسياقات القومية ممثلة بعدة مواقف منها؛ اعلام الصحافة والاذاعات للحكومات في سورية ولبنان ومصر، والدعم السياسي السوري المستمر لأحزاب المعارضة ثم لقيام الجمهورية العراقية، فقد تم 1956 لقاء وفد سياسي برئاسة؛ صلاح الدين البيطار و اكرم الحوراني واحسان الجابري،  مع قادة أو أنصار الأحزاب؛ كامل الجادرجي و فؤاد الركابي (فندق سميراميس/ شارع الرشيد/ مقتربات جسر السنك حاليا) ... وفي يوم الخميس 17تموز/ 1958 التقى ’مؤيدا’ قادة الأحزاب السورية الفاعلة؛ ميشيل عفلق/ البعث، وخالد بكداش/ الشيوعي .. بكل أعضاء مجلس السيادة العراقي والقادة السياسيين (فندق بغداد/ شارع السعدون).4) التأثير العملي والإعلامي لأحداث مصر/ 1952، والعدوان الثلاثي/ 1956 وانقلاب مصدق/ ايران 1953، وكذلك المعارضة أو التأييد/ 1958 لقيام الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن/ 14 شباط، ولقيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسورية/ 22 شباط.5) الأمر الاخر الأهم .. تخلي بريطانيا سياسيا وليس اقتصاديا عن؛ العراق وكل مناطق ودول شرق السويس بعد 1956، وبروز الولايات المتحدة كقوة عالمية في أعقاب الحرب العالمية الثانية والتي أيدت مثلا 1949 ثلاثة انقلابات عسكرية/ سوريه.

6) الدوافع الجيوسياسية محرك استراتيجيات الدول الرأسمالية وهي؛ استمرار سيطرتها وفقا لما ترسمه شركاتها الكبرى فالاقتصاد له القرار والسياسة تنفذ، وفي العراق مؤكد شركات النفط، فعندما تقتنع هذه الشركات أن نظام الحكم القائم في دولة معينة لا يتوافق مع توجهاتها (منتهي الصلاحية بالنسبة لها) ... تدفع صناع القرار بدولها لإجراء اللازم على طريقة/ بالعراقي (أخبطها واشرب صافيها) ... وهذا ما حدث مرارا في الهند وباكستان والكونغو ونيجيريا ومصر وبنما وغيرها.

تصرف خاص

7) ان الاختلاف بين الدول سياسيا وربما عسكريا؛ لا يعني أبدا المعارضة المطلقة من دولة لقيام دولة اخرى بتصرف خاص في دولة ثالثة، أذ أن الاولى ربما هي المستفيدة بدون اي جهد (انا ضدك .. ولكن تصرفك في احداث دولة ثالثة لا اعترض علية لأنه لصالحي) ... وهذا نهج دولي ثابت إلى الآن وسيستمر.هــــكذا يتضح بأن المحرك لحدث تموز 1958 ليس؛ متغيرا واحدا فقط ممثلا برغبة مجموعة، ولا رغبة عابرة تسعى للسلطة او الإصلاح، او الانتقام لأحداث مايس 1941 مثلا، نعم ربما كان حادث قتل الملك فيصل الثاني والوصي عبدالاله والعائلة المالكة تصرف فردي او تصرف مجموعة محدودة ... ولكن الحدث الأكبر كان على كل العراق ... وفقا للمتغيرات المذكورة أنفا وبدليل سلسلة الاحداث عبر نصف قرن لاحق.

[*] مجيد ملوك السامرائي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي. # ويكيبيديا.

 


مشاهدات 527
الكاتب مجيد ملوك السامرائي
أضيف 2024/08/10 - 1:07 AM
آخر تحديث 2024/11/24 - 8:47 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 395 الشهر 10313 الكلي 10053457
الوقت الآن
الأحد 2024/11/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير