فاتح عبد السلام
في البريد الالكتروني، يوجد تبويب خاص عنوانه» جنك»junk أي الرسائل العشوائية والمغرضة والوهمية والمؤذية التي يرسلها مرسلون غالبا ما يكونون محتالين يحملون فايروسات للتنصت او سرقة البيانات او اختراق البريد الالكتروني او الترويج لبضاعة أو خدمة وهمية يتورط بها قليلو الخبرة والغافلون ويدفعون لقاءها مبالغ مالية قبل أن يكتشفوا انهم دفعوا للصوص يختفون بعد القبض مباشرة. هذا الضغط الهائل من الايميلات الجنك والتي تأتي في سياقات متقنة من الاخراج والاقناع، تدفع بعض الناس للوقوع ضحايا لها بسبب غفلة معينة او حب الفضول او الضعف ام اغراء دعائي معين، فيقوم احد الغافلين بفتح رابط يحتوي صورة مثيرة وكلاما مبهرا حول الفوز بجائزة او الدخول الى مشروع ما ، وهنا يكمن فخ سحب معلومات الضحية واختراق بياناته المتاحة على بريده او حاسوبه.
في البيوت يحدث شيء مشابه اقل احتيالاً، اذ انه منذ سنوات في دول اوربية وفي بريطانيا يلصق ساكنة المنازل عند صندوق بريدهم العادي في الباب الخارجي للمنزل عبارة جاهزة تقول “رجاءا لا نريد هذا البريد الجنك»، الذي يتمثل بمنشورات الدعاية للمطاعم والشركات ومكاتب العقارات والخدمات المنزلية والشخصية التي لا يطلبها الناس لكنها ترسل اليهم مجانا، ويرى بعضهم فيها ازعاجاً منزلياً لا فائدة منه يسرق من الوقت الثمين للإنسان في هذا الزمن، لاسيما حين يسافر اهل المنزل ويعودون بعد أسبوعين ليروا كمية كبيرة متراكمة من الدعايات الورقية التي تختلط مع رسائل مهمة ، ربما تكون ضحية عدم انتباههم لها بسبب فوضى كمية الأوراق الدعائية التي تغطيها.
في السياسة، والعمل الاستخباري هناك « جنك» ايضاً، وهو مدروس ومبوب وتقف خلفه جهات تعمل ليلاً ونهاراً، اذ يجري اغراق الساحة بكل ما هو تافه وسيء ورخيص ومؤذٍ حتى لا تكاد ترى أملاً في وجود قيمة لشيء او انسان، وهنا يضطر بعضهم تحت ضغط» الدعاية الجنك» والالحاح الجنك» الى التعامل تحت ظروف معينة مع أفضل الخيارات السيئة المفروضة او الطاغية في المشهد، كون انه لابديل هناك ينافسه من العملة الجيدة والراقية.
العراق، خضع للفوضى الخلاقة وهي نوع مرسوم ومسيطر عليه عبر الآلة الامريكية الهائلة السياسية والاستخبارية عند غزو البلد العام 2003، ليكون النتاج المحصود بعد خمس سنوات او خمس عشرة سنة او واحد وعشرين سنة ما هو متداول من تراجعات في مستويات النمو التنويري لصالح كل ماهو ظلامي وخرافي ومزور غير قابل على إعادة انتاج الهوية الوطنية القابلة لمقاومة النعرات والانقسامات والانهيارات والاطماع الخارجية.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية