شموخ المبدأ ورسوخ العقيدة
حسين الزيادي
هي أبنة الإمام علي (عليه السلام)، وأبنة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت الرسول (صلى الله عليه وآله)، وشقيقة السبطين الحسن والحسين عليهم السلام، سيديّ شباب أهل الجنة،
وهي المشعل الذي أكمل مسيرة النهضة الحسينية، والضياء الذي أنار درب الثائرين من أجل العقيدة، هي جبل الصبر التي فاقت الفرسان في عزيمتهم، والصناديد في شكيمتهم، فلم تثنها عواصف المواجع والفجائع، التي ألمت بها عليها السلام حتى لقبت من قبل المتأخرين بأم المصائب وكعبة الاحزان، و يذهب بعض المتأخرين الى القول : ان مصائب السيدة زينب قد فاقت مصائب أخيها الحسين أضعافاً مضاعفة، فهي إن شاركت اخيها في جميع مصائبه، ، فقد انفردت عنه بالمصائب التي عاشتها بعد استشهاده من سبي ونَهْب وضرب وحرق الخيام.
تلك السيدة الجليلة المبجلة صاحبة القدر المعلى والمكانة السامية، ازدحمت حياتها بالفضائل والكرامات، وماجت بأركان العظمة والقداسة، ومقومات الرقي والالهام، وقد اجتمع في شخصها فيض النبوة وعطاء الامامة.
ان الإلمام بحياة بطلة كربلاء ولبوة البيت العلوي أمر صعب مستصعب فلها سلام الله عليها من جلالة الشأن، وعلوّ المكانة، وقوة المنطق، ورجاحة العقل، وثبات الجنان، وفصاحة اللسان ، وبلاغة المقال، ما لا تحتويه الكلمات ولا ترتقي اليه العبارات، فقد كانت عليها السلام عظيمة القدر، خطيبة مفوهة، فصيحة اللسان، عرفت عنها الشجاعة النادرة والجرأة العظيمة وكيف لا تكون كذلك وقد تربّت على مائدة الطهر والشرف والإباء، محوطة بكتاب الله الكريم وسنة جدّها النبي المرسل، لم ينال منها السبي بل كانت كالجيل الشامخ بوجه الطغاة، أقضت مضاجعهم وأخرست حجتهم، ثبتت في الموقف والاحداث كالطود الشامخ تاركة على تراب كربلاء اجساد ابنائها واخوتها واهل بيتها مضخمة بدماء الشهادة مقطعة الأشلاء، كان عويل النساء وصراخ اليتامى واهات الامهات كفيلاً أن يهد أقوى الرجال، ويخرس أفصح الالسنة، ويقعد بأشجع الشجعان، ولكن ابنة علي كانت تجسد مواقف ابيها في كل ظرف وموقف، فكانت أثبت من الجبال الرواسي في الشدائد ، وبقيت ليلة العاشر من المحرم ساهرة العين تجول بين خيام اخوتها وابنائها ، وفي صبيحة العاشر من محرم كانت طود من الصبر لم تهزه المصائب، ولم تنل منه الأهوال، فلم يشهد التاريخ امرأة اعظم صبرا من زينب عليها السلام، فكان ثباتها مرآة لقوة ايمانها وهي ترى مصارع أولادها عون ، ومحمد ، وعبد الله امام عينيها وبعد ساعات ذبح اخيها الحسين عليه السلام وهي تراه، وقبل ذلك فقدت اخوتها وأبناء اخوتها، ثم واجهت اشد أنواع الاسر، كبلت وصفدت بالحديد ، لكنها كانت رابطة الجأش لم يظهر منها أي حالة من حالات الانهيار ، ولم تقصر في الواجبات التي انيطت بها.
فذكر ممن سمع خطبتها في الكوفة بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام (لم ار والله خفرة انطق منها كأنما تفرغ عن لسان ابيها امير المؤمنين)، وفي الشام بمحضر يزيد كانت ألمع خطيبة عرفها الإسلام، فقد هزّت العواطف، وملكت القلوب، والهبت المشاعر، وهو أمر ينم عن ثرائها المعرفي وغناها الأدبي وغزارة علمها وخصب معرفتها، فقد كانت كلماتها تجلجل في النفوس ممّا أدى إلى بكاء الحاضرين، وشعورهم بالإثم والذنب الذي ارتُكب بحقِّ الإسلام ونبيه ووريثه، وها هي سيدة البيت الهاشمي تنقض على هرم السلطة الاموية يزيد بن معاوية الذي عرف ببطشه في عقر داره فتخطب خطبتها التي أبكت الحاضرين وكادت تذهب بملك يزيد ، فذكرت في خطبتها ما كان يخشى قوله الآخرون ، فقالت (أمنَ العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرَك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هُتكت ستورهن، وأبديت وجوههنَّ، .....، وكيف تُرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت مَن نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان، ثم تقول غير متأثّم ولا مستعظم داعياً بأشياخك ـ ليت أشياخي ببدر شهدوا ـ منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك ..