الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الأسئلة الصعبة

بواسطة azzaman

الأسئلة الصعبة

ضرغام الدباغ

 

هناك صنف من الأسئلة، صعبة .. من الأفضل أن لا تحاول الإجابة عليها، إما لأنها أسئلة مركبة في الواقع من عدة أسئلة، أو أنها حول أشياء لم تنتهي دورتها التاريخية، أو أنها أسئلة تستمد الإجابة عليها من بحوز علوم عديدة. فتجنب محاولة أن تجيب على كل سؤال، أو ادعائك بالقدرة على الإجابة على كل سؤال ...!

شخصيات ألتقيت بهما في أجواء صداقية، بالطبع متفاوتة.

الرفيق خالد بكداش، السكرتير العام الحزب الشيوعي السوري التاريخي، وكانت علاقتي به صداقية ودية، وبيننا احترام ومودة. وقد التقيت بالرفيق خالد بكداش في دمشق مرات عديدة، وكانت بيننا هموم وشجون، وعلاقة أساسها الثقة التامة والشعور المتبادل أننا في سوريا والوطن العربي نخوض معركة مصير مشتركة، وهو إحساس عال المسؤولية. ثم ألتقينا مرة في أجواء السفر في صوفيا العاصمة البلغارية، وكان لقاءاً صداقياً جميلاً.

كنا الرفيق بكداش وأنا نتسامر ، وأذكر أني توجهت له بتساؤل، عن التسلل التاريخي لمسيرة معينة، وكنت آمل بالحصول على إجابة على أساس قواعد المادية التاريخية، وأنا أحسب أنه كان ضليعاً بها، أو أنه يستوعبها بدرجة أكبر مني، والرفيق بكداش كان أكبر مني سناً بأكثر من 30 عاماً، وهو القائد التاريخي للحزب الشيوعي السوري، وشخصيه له تجاربه الكبيرة والكثيرة. فتطلع لي ملياً وقال مبتسماً : وأنت تتصور أنني أمتلك الإجابات على كل أسئلتك، ولكن للأصارحك بأن الحياة والتجارب الإنسانية تكون أحيانا معقدة، علينا أن نتعامل معها بعقل منفتح وندع الاحتمالات الغير متوقعة في الحسبان... وأجيبك ... هذه أسئلة إجابتها في بطن الزمن المقبل ..

مرة أخرى صادفت فيها موقف كهذا، في لقاء جمعني بالإعلامي الألماني المشهور: كارل إدوارد فون شنتسلر، (Karl-Eduard von Schnitzler )  في دعوة عشاء في بيت سفير عربي، والسيد فون شنتسلر، وهو سليل عائلة عريقة ويمت بقرابة للقياصرة الذين حكموا البلاد، إلا أنه كان ماركسياً / شيوعياً، غزير الثقافة، والتجارب، ومتحدث بارع، يجذب الأنظار والأفكار، وبالفعل في هذا المجلس وكانت ترافقه زوجته الحسناء الهنغارية الأصل ومغنية الأوبرا المشهورة، كان محط الأنظار في الدعوة، وتحدث بشكل مؤثر عن عمق العلاقات التاريخية بين العرب والألمان، فقال : أن العرب والألمان يشتركون في مسألة لوحدهم عن سائر لغات العالم، وحين انتبهنا له بدقة قال: اللغة العربية من بين لغات العالم كله، يلفظون الرقم الصغير قبل الكبير فيقولون مثلاً سبعة .. عشرة، واحد وعشرون .. وفي هذا منطق، أن تلفظ الرقم الصغير وتلحقه بالرقم الكبير، ونحن الألمان أخذنا هذا المنطق من العرب، وربما أثر على أصعدة ألمانية أخرى، فالعرب أقدم منا في عالم الرياضيات ولهم باع طويل في المنطق، فالأوربيون تعلموا من العالم والفيلسوف الأندلس أبن رشد، بل وتأسست جامعة إيطاليا في مدينة بادوفا ( Padova) اعتمدت أفكار وفلسفة أبن رشد، مقابل جامعة فلورنسا التي كانت تعتمد فلسفة افلاطون. كانت هذه الجامعة تشع بأنوارها الفكرية على عموم أوربا. وعلى الأرجح أن الألمان أخذوا منها الكثير.

حين سألت السيد فون شنتسلر، كيف تأسست هذه العلاقة، أجاب : أنظر أن الأفكار تتنقل بسهولة أكثر من البشر، فالرياح تقد تقوم بالمهمة حين تحمل بذور التلاقح، والعلاقات الإنسانية أصعب من تحصيها وتعددها، لذلك أقول لك ببساطة : لا أعرف كيف، ولكنها انتقلت هي كما انتقلت أشياء كثيرة جداً .. فنحن الألمان نلفظ كلمة الدواء كما يقولوها العرب الأصلاء « بلسم /  Balsam « وأنا شخصاً (السيد شنتسلر) لم أستطع أن أتعرف كيف انتقلت مئات الكلمات العربية إلى اللغة الألمانية .. وقد قرأت أن أثار لتجار عرب جاؤا إلى البلدان الاسكندنافية في عصور قبل ميلادية، أي قبل 2500 سنة .. قبل أن تكون هناك طائرات بوينغ ...! الحياة عميقة والتاريخ شهد السلام والتعاون، والعمل المشترك ... ولكنه شهد الحروب أيضاً ... هناك من يهوى الحروب، من تجار الحروب ومن يريد التوسع على حساب غيره، والاشتراكيون يحبون السلام لأنها لغة الشعوب ...!

 

 

 

 

 


مشاهدات 82
الكاتب ضرغام الدباغ
أضيف 2024/06/24 - 5:35 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 1:36 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 279 الشهر 11403 الكلي 9361940
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير