الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إستعارات بورخس وأهداف مارادونا

بواسطة azzaman

إستعارات بورخس وأهداف مارادونا

نوزاد حسن

 

ليس لانهما ارجنتينيان فتشابهابل لانهما نموذجين رائعين لثورة ضد المالوف.كانا ثائرين,وحطما معا القانون السائد,بورخس في مجال الكتابة,ومارادونا في ساحة اللعب.لقد صنع كل منهما اسطورته,وفي النهاية التقيا معا في منطقة واحدة اسميها:الحرية التي تفرز الجمال.

دعوني اتساءل:هل ساكتب نقدا؟اجيب نعم.ساحاول ان افهم لاعبا عظيما مثل مارادونا وكاتبا اعظم مثل بورخس.لن تكون كرة القدم بعيدة عن روح القصة او المقالة.وفي النهاية سيشعر قاريء بورخس برشاقة مارادونا التي تنعكس في نصوص بورخس.

القاء محاضرات

من هو بورخس؟هو مثقف ارجنتيني ضرير كتب القصة والمقالة والشعر والقى محاضرات ورعى مثل اب حنون لغة امريكا اللاتينة حين فرض رؤيته الفنية في عالم الادب.وعلّم جيلا كاملا على التخيل هذا السلاح الذي يغير الواقع,ويجعله يبدو افضل.

قد يسألني سائل:ما علاقة مارادونا ببورخس,وهذا سؤال حيوي ومهم لان في بعض الاسئلة توجد رغبة في الفهم.؟

اظن ان مارادونا وبورخس يشتركان في صفة فنية تنم عن مزاج حاد يرفض القبول بالقواعد التي تفرض على الفنون سواء اكنا نتحدث عن الفن ام عن اية رياضة من الرياضات.

يلتقي مارادونا ببورخس في هذه النقطة اعني تدمير الشكل,والتمرد على القانون الموضوع.ومن خلال هذا التمرد نكتشف معنى الحرية,ومن ثم نرى الجمال.ففي رايي ان الحرية ستقود مباشرة الى الجمال.

ترى ما الذي فعله بورخس اولا,وما الذي فعله مارادون حتى يصبحا متشابهين الى هذه الدرجة.وقد سحرنا بورخس بنصوصه,وكذلك حبس مارادونا انفاسنا حين كان يلعب بطريقة لم نعتد عليها.

قلت بورخس متمرد,وتمرده يبدأ من تحطيمه لقانون الكتابة النمطية.ان قصته التي يكتبها لا تقرأ كقصة بل قد تقرأ كمقال او سيرة ذاتية او نص من نصوص الاعتراف,او نقد فني.وهكذا اصبح بورخس ضد التوصيف اي اننا لا نستطيع ان نطلق على نصوصه وصفا جاهزا.ولذا قيل ان كتابات بورخس هي ضد التجنيس,وانا في الحقيقة اكره هذا الوضف,وافضل ان اقول ان كتابات هذا الكاتب العظيم هي نصوص متمردة تلغي الشكل الادبي كي لا ننخدع بلعبة التقنية.ومع ان التقنية هي اطار يلجأ اليه الكاتب لكن بورخس حاول ان يصنع من عدم الشكل شكلا لو جاز القول.واذا اردنا ان نفهم تجربته جيدا فستكون قضية عدم كتابة بورخس للرواية احد عيوب سيرته لكنه كان مقتنعا بعدم اهمية رواية تشغل مئات الصفحات.

 تحطيمه للشكل الادبي هو مغامرة تعلمنا معنى الحرية.وهذا ما فعله مارادونا باقدامه.ففي داخل الملعب,وتحت ضغط قانون كرة القدم وعيون الحكام,واهواء لاعبي الفريق الخصم قام مارادونا بدوره كاملا.لقد لعب كغزال,وتخلص من ضغط خصومه من خلال مراوغاته الرائعة,كما سجل هدفا بيده,واهدافا اخرى تشهد بانه كان يتفوق حتى على القانون المفروض على اللاعبين جميعا.وهنا يلتقي ببورخس.فكما دمر بورخس القانون الشكلي لكتابة القصة صنع مارادونا الشيء ذاته.اذ تمرد على كل شيء داخل الملعب,وجمع في حركته كلاعب بين راقص الباليه,ولاعب كرة السلة,وصانع اهداف لا يمكن نسيانها ابدا.ان ما فعله بورخس في نصوصه صنعه مارادونا في اهدافه.ومن هنا يصح القول ان اهداف مارادونا هي استعارات بورخس.لكن ما معنى هذا الكلام؟

اصدار روايات

احببنا بورخس لانه لم ينشغل كثيرا بالتقنية,هذه البدعة الستينية التي اسكرت كثير من روائيينا,فانشغلوا بكتابة الرواية وكأنهم يبحثون عن مجد من خلال هذا الاسراف في اصدار روايات تكتب بسرعة,وتحمل صفة عدم النضج.لكن ليس هذا ما اود الحديث عنه.لدى بورخس نجد ان الاستعارة مثلا لا تعني علاقة بين شيئين.استعارة بورخس كونية انسانية,انها النص نفسه,النص الذي يقابل هذا العالم الفاني..النص كله بوحدته العضوية هو الاستعارة الخالقة.وهذا ما جعل بورخس يتحدث دائما عن الاستعارات الاساسية.وما هذه الاستعارات سوى دوافع تجعل الانسان يقظا مندفعا متمردا على كل القوانين التي تحيط به.

لفن مارادونا ايضا طعم هذه التجربة.فالحرية التي حصل عليها وجعلنا نحس بها كمتمرد قادته الى تسجيل اهداف لن تتكرر.ففي كل لعبة يظهر مارادونا بادائه الرشيق,وحريته اللامحدودة وكرهه لحدود تفرض عليه مثل نموذج لا يشبهه احد.

ان اهداف مارادونا تكشف عن حرية خاصة تقدمها لنا اقدام مارادونا.تماما كنصوص بورخس.والنقد الذي يبحث عن مثل هذه المقاربات عليه ان يعي هذا الجانب المتفرد في كل ما قدمه هذا العبقريان.

اذن بورخس اعطانا الحرية حين جعل من النص كله استعارة تعكس تصميم العالم,وكذلك فعل مارادونا حين تجاوز قانون اللعبة ليرينا فرديته التي لا تقبل الخضوع للقانون.وفي كل مرة شاهدنا فيها مارادونا ندرك اننا نراقب الحرية كفعل انساني بلا حدود.كنا ننتشي لهذا الراقص الذي امتعنا وكأننا نقرأ نصا لبورخس,نصا يهزا بقواعد الكتابة ليمنحنا احساسا رائعا بالتحرر من الشكل الذي صار عند اكثر روائيينا مجرد وثن يخدمه الكاتب بلا توقف.

الفردية بهذا المعنى هي احساس يواجهة ضغط القانون,ومحاولة تدميره.والتخلص منه.وفي داخل اللغة وداخل الملعب يمكن للكاتب وللاعب كرة القدم ان يقدما عرضا جماليا واحدا هو:رفض القواعد والتمرد عليها.وبعد ذلك يصلنا الاحساس العميق بالحرية التي تفتح لنا باب الجمال.

 

 


مشاهدات 166
الكاتب نوزاد حسن
أضيف 2024/06/22 - 1:52 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 8:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 269 الشهر 11393 الكلي 9361930
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير