الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دراسة جديدة تدحض نظرية تزايد عدم المساواة

بواسطة azzaman

دراسة جديدة تدحض نظرية تزايد عدم المساواة

رينير زيتلمان

ترجمة:  مهند طالب الحمدي

كنساس

لو أنك كتبت عبارة «تزايد عدم المساواة» في محرك البحث غوغل، ستظهر لك أكثر من 75 مليون نتيجة. هل يمكن أن تكون هذه الأطروحة المنتشرة على نطاقٍ واسع خاطئة؟

إذا تكررت أطروحة ما مئات المرات، فإن الكثير من الناس يصدقونها؛ وإن تكررت ملايين المرات، تصبح كأنها حقيقة واقعة ولا يكاد أن يشك فيها أحد. يتم الاستشهاد مراراً وتكراراً بالولايات المتحدة على وجه الخصوص باعتبارها مثالاً على الكيفية التي تتسع بها «الفجوة بين الأغنياء والفقراء» باستمرار. لكن دراسة كبيرة من 50 صفحة تقريباً بعنوان: عدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة: استخدام بيانات الضرائب لقياس الأنماط طويلة المدى، من تأليف السيد جيرالد أوتن الخبير في مكتب التحليل الضريبي في وزارة الخزانة الأمريكية، والسيد ديفيد سبلنتر عضو لجنة الضرائب المشتركة في الكونغرس الأمريكي، والتي نشرت في العدد الأول من المجلد 132 لشهر كانون الثاني (يناير) 2014 من مجلة الاقتصاد السياسي التي تنشرها جامعة شيكاغو، أثبتت أن هذه الأطروحة ببساطة غير صحيحة.

قدّر الاقتصادي الفرنسي اليساري الأستاذ توماس بيكيتي، والذي يعتبر المؤيد الرئيسي لهذه النظرية، إن حصة دخل شريحة 1بالمئة من أغنى الأميركيين قد تضاعفت منذ عام 1962. ومن بين أمور أخرى، يستخدم الأستاذ توماس بيكتي هذا الأمر لتبرير دعوته إلى زيادة الضرائب على الأغنياء بنسبة تصل إلى 90بالمئة، ومنح جميع الشباب مبلغاً إجمالياً قدره 120 ألف يورو من الدولة كأموال لبدء إنشاء شركات ناشئة.

توصل مؤلفا الدراسة المذكورة أعلاه إلى أرقام تبدو أقل دراماتيكية بكثير مما يصوره الأستاذ توماس بيكتي. ارتفعت حصة 1بالمئة الأعلى من الدخل قبل خصم الضرائب في الولايات المتحدة من 11.1بالمئة (عام 1962) إلى 13.8بالمئة (عام 2019)، أي بمقدار 2.7بالمئة. ومع ذلك، وبعد أخذ الضرائب والمدفوعات التحويلية في الاعتبار، لم تتجاوز الزيادة 0.2بالمئة (من 8.6بالمئة إلى 8.8بالمئة).

دخل أعلى

وحتى مع هذه الأرقام، فإن من المهم أن نأخذ في الاعتبار أنه ليس بأي حالٍ من الأحوال أن الأشخاص نفسهم هم الذين تزداد ثرواتهم أو نصيبهم من الثروة على مر السنين أو العقود. احتفظ حوالي 40بالمئة فقط من أولئك الذين كانوا من بين أصحاب الدخول الأعلى بمواقعهم على قائمة الأثرياء في السنوات الثلاث الماضية. يبدو أن هناك خطأ شائع في الحوار الدائر حول عدم المساواة، حيث يتم في كثير من الأحيان الخلط بين الفئات الإحصائية والأفراد.

هناك عدة أسباب وراء تباعد الأرقام المقدمة من قبل السيد توماس بيكيتي والسيدان جيرالد أوتن وديفيد سبلنتر. أولاً، لم يأخذ السيد بيكيتي في الاعتبار تأثير التغييرات في النظام الضريبي. قبل أن يُخفض الرئيس رونالد ريغان الضرائب بشكلٍ كبير، كان العديد من الأميركيين الأثرياء يفضلون إبقاء ما يحققونه من أرباح في الاستثمار في شركات من الفئة C بدلاً من جني الأرباح. ونتيجة لذلك، لم يظهر ذلك الدخل في إقراراتهم الضريبية، وبذلك بدا الأميركيون الأثرياء أكثر فقراً مما كانوا عليه حقاً. وبعد الإصلاحات الضريبية، تحول العديد منها إلى الاستثمار في شركات من فئة S (الكيانات العابرة للشركات)، حيث يمكن أن يُعزى الدخل بشكلٍ مباشر إلى المساهمين الأفراد ويتم الإبلاغ عنه مباشرة على الإقرارات الضريبية لدافعي الضرائب من ذوي الدخل المرتفع.

السبب الآخر هو أن السيد بيكيتي كان يقارن الإقرارات الضريبية وليس الأفراد. في عام 1960، كان ثلثا الأميركيين لا يزالون يقدمون اقراراتهم الضريبية كأزواج، ولكن هذه النسبة انخفضت الآن إلى النصف تقريباً. ومع ذلك، من بين أعلى 1بالمئة، فإن نسبة أولئك الذين يقدمون إقراراتهم الضريبية كأزواج لم تنخفض إلا بالكاد. وهذا التأثير وحده يجعل الزيادة في حصة دخل أعلى 1بالمئة تبدو أعلى بكثير مما هي عليه في الواقع، لو أننا قارنا النماذج (إقرارات ضريبة الدخل) بدلاً من الأشخاص.

العديد من الإحصاءات لا تأخذ الضرائب والدخل من المدفوعات التحويلية في الاعتبار. وعلى الرغم من انخفاض الضرائب في الولايات المتحدة بشكلٍ كبير، وخاصة خلال عهد الرئيس ريغان، فقد تم إلغاء العديد من الإعفاءات ونماذج التوفير الضريبي في الوقت نفسه. كانت النتيجة، كما أظهر السادة فيل غرام وروبرت إكيلوند وجون إيرلي مؤخراً في كتابهم المتميز «أسطورة عدم المساواة الأمريكية: كيف تتحيز الحكومة في المناقشات حول السياسات»: النسبة المئوية الفعلية للدخل التي يدفعها أعلى 1بالمئة من أصحاب الدخل في الولايات المتحدة، كانت 16.1بالمئة فقط في عام 1962، عندما كان المعدل الحدي الأعلى 91بالمئة. ومع ذلك، في عام 1988، عندما كان المعدل الأعلى 28بالمئة فقط، ارتفعت النسبة التي يدفعها أعلى 1بالمئة من أصحاب الدخل إلى 21.5بالمئة! ومع انخفاض معدل الضريبة الأعلى بمقدار الثلثين، ارتفعت نسبة الدخول التي دفعها أعلى 1بالمئة من مقدمي الضرائب في ضرائب الدخل الفيدرالي وضرائب الرواتب بمقدار الثلث.

منذ ستينيات القرن العشرين، توسعت دولة الرفاهية الاجتماعية في الولايات المتحدة بشكلٍ مستمر، حتى أن نسبة السكان الذين يتلقون المدفوعات التحويلية، ومبلغ تلك المدفوعات، في تزايدٍ مستمر. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الضرائب من جهة والمدفوعات التحويلية من جهةٍ أخرى، يتبين أن الدخل الفعلي، أي ما بقي للمواطن بعد الضرائب والتحويلات، أقل بكثير بالنسبة للأغنياء وأعلى بكثير بالنسبة لأصحاب الدخل المنخفض.

تجارب عدة

وأود أن أضيف: في رأيي، فإن النقاش حول عدم المساواة أقل أهمية بكثير من النقاش حول كيفية القضاء على الفقر. ونحن نعلم من تجارب العديد من البلدان التي نجحت فيها الحرب ضد الفقر أن عدم المساواة ارتفع بشكلٍ حاد في البداية، كما هو الحال في الصين وفيتنام على سبيل المثال. ومع ذلك، خلال رحلاتي إلى هذه البلدان التي كانت فقيرة جداً سابقاً، لم أقابل أبداً أي شخص يريد العودة إلى وقتٍ كان فيه الناس أكثر مساواة، ولكنهم أكثر فقراً.

  الدكتور راينير زيتلمان مؤرخٌ ورجل أعمال وعالم اجتماع ألماني ومؤلف كتاب الدفاع عن الرأسمالية وكتاب كيف تخرج الأمم من الفقر.

  الدكتور مهند طالب الحمدي أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة ولاية كنساس، الولايات المتحدة الأمريكية.

 


مشاهدات 413
الكاتب رينير زيتلمان
أضيف 2024/06/07 - 7:26 PM
آخر تحديث 2024/07/27 - 3:03 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 353 الشهر 11716 الكلي 9373788
الوقت الآن
السبت 2024/7/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير