الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شُعاعٌ حَذوَ مِحرَابِ الإيمان

بواسطة azzaman

شُعاعٌ حَذوَ مِحرَابِ الإيمان

علي الجنابي

 

(لمناسبةِ تلبيةِ ضيوفِ الرَّحمنِ؛ «لبيَكَ اللّهُمَ لبيَك» مِن كلِّ فجٍّ ولونٍ ولِسان)...

إنَّ للهِ أهلينَ أعرفُهمُ أنا ولستُ منهمُ بالوجدان، بيدَ أنّي كجليسٍ لهمُ أرنُو وأطمعُ بامتنان. ولقدِ انهَارَ عندي سَدُّ الذِّكرياتِ الآنَ، فتَفَجَّرَ تَيَّارَ الذَّرف ليفصحَ عن حرفٍ حبيسٍ وأسيرٍ للسَّدِ كانَ. وإذ قعدَ حَذوي «بنغَلاديشيٌّ» يتلو مِن آي القرآنِ، ما تَيسرَ لهُ مِن وردِهِ مَا كانَ. الزَّمانُ كانَ مِن بَعدِ صَلاةِ العَصرِ والشَّهرُ شَهرَ رمضانَ كان. وكانَ المكانُ محرابُ الحَرمِ النَّبويِّ العَامِرِ بالإيمانِ المَعمورِ بالأمَان وكانَ، الاطمئنانُ يَغشَانا، وغَارقاً كنتُ بِهَيبَةِ المَعانِ وكانَ، مَسمَعي بِتِلاوَةِ الآياتِ بلَكْنَةٍ بنغَاليةٍ هيمانَ باستِمكان وكانَ، البَنغَاليُّ يَتلو لنفسِهِ دونَ الجَهرِ مِنِ القَولِ بعُسرَةٍ في اللسَان وكان، الحَشدُ مِن حولِنا منصِتاً وناظِراً لحظاتِ إفطَارٍ ونغمةِ الأذانِ وكان، جَمالُ تِلكَ الدَّقائق قد تقَيَّدَت حُرُوفُها بينَ تلكَ الأركانِ وكان، أن أمسى وَصفُهُ عَسيراً على قلمي واللِّسَان، ثمَّ كان، أن وَصَلَ البنغَاليُّ لتَرتيلِ «كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ  مُّستَنفِرَة * فَرَّت مِن قَسوَرَةِ « وكان، أن تَنبَّأتُ أنا أنَّ تغريدَ تلاوتِهِ سيَصطدمُ بهذهِ الأغصان؛» مُّستَنفِرَة» فَكَانَ الوقفُ وكان، أن جَاهَدَ ثمَّ جاهَدَ لنطقِها وَلكن هَيهَات على لسانِهِ فَصاحَة التِّبيان وكانَ، أن خَشيتُ عَليهِ من جهادِهِ أن تَتَفَكَّك لَديهِ الفَكَّان فكانَ، أن تَبَسَّمتُ بَسمَةً مَسمُوعةً ما كتَمتُها رُغم هَيبَةِ المَكانِ وكان.

أنِ انفجرَ الحَشدُ من حَوالينا ضَاحِكينَ بخفاءٍ بلا بهتان وكان، تَبسُّمي كَأنَّهُ لهمُ كانَ إشارةُ الاطمئنَانِ بالضحك وكَان، أن عانَقتُهُ توَدُّداً فَعانَقني مُتَفاخِراً بِي أنيَّ العربيُّ ذو العِقالِ الناطِقُ بلسانِ القرآن وكان، أن أسررتُ في نفسي بحضرةِ نورِ هذا المكان ما كان، منَ ندامةٍ على ما كانَ مني من تفريطٍ خفيٍّ مخزٍ مُهانٍ وكانَ، أنِّي أعلنتُ لهُ؛ أنّي بعناقِكَ لفخُورٌ يا أرقَّ لسانٍ في إنسَان وكَان، أن قَرأتُها عَليهِ مَرَّتينِ مُعَلِّمَاً إيَّاهُ فنَطقَها سَلسةً بعِرفان وكان، العَجَبُ قد أذهَلني مِمَّا حَدَثَ من سلاسةِ نُطقٍ في فيهِ وكان.

أنا ما جِئتُ البَنغاليَّ بسِحرٍ من التِّبيانِ إلّا أن قَرأتَها فَقَرأهَا فَصيحةً باحتِضَان ثُمَّ كانَ، أنِ انطَلَقتُ مُتَأمِّلاً أسِرُّ القَولَ في خَافقي بكتمَان؛

«سُبحانَ رَبِّيَ العزيزِ الرَّحمن! أن جَعلنا نَحنُ العَربُ مَادةَ الإسلام في بدوٍ وحَضرٍ وفي كلٍّ بيتٍ وبنيان». أجل، نحنُ حَملةُ الرِّسالةِ القَسْوَرةِ، والكَافِرونَ همُ الحُمُرُ المُّستَنفِرَة، وهكذا قَضَى اللهُ وهكذا قدَّرَ فَكان، وَلَسَوفَ يَظلُّ الدِّينُ ظَاهِراً على الدِّينِ كُلِّهِ رُغم كلِّ مكرٍ مظنونٍ مُظان، مادامَ زَمزمُ نَضَّاخَاً بالأمانِ وهَذهِ القبَّةُ الخَضراءُ تَتَلألأُ بالإيمَان، وإنَّما «للَّهُ أَعلَمُ حَیثُ یَجعَلُ رِسَالَتَهُ «،»وَاللَّهُ یَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن یَشَاء وَللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظِیمِ «، «كَذَ لِكُم قَالَ اللَّهُ مِن قَبلُ «، فسُبحانَ خَالقِ الأكوَان مُنْزِلِ القرآن. ثُمَّ..

بعدَما أكملَ البَنغاليُّ التِّلاوةَ طَلبتُ منهُ بتَوَدُّدٍ وعرفَان، تلاوةَ الآيةِ هَوناً دُونَ عَونٍ وتحتَ رهانٍ فكان، أن عَجزَ لسانُهُ عن نطقِها بِاستِحسانٍ وتبيانٍ ثمَّ كَانَ، أن نادَى المُنادِي «اللهُ اكبرُ» فَنَبَضتِ العُرُوقُ بمَاءِ زَمزمَ ومَضَغَت عجوةُ المَدينةِ وكانت للعُرُوقِ هيَ الدِّهان وكان، أن ثَبَتَ الأجْرُ عندَ العزيزِ الرَّحمن وكان، أن تَلألأتِ الوجُوهُ بعدَ الإفطارِ بنورِ التَّوحيدِ والإيمان وكانَ، ذلكَ الحَدثُ في تلكَ الرِّحَابِ الطَّاهِرَةِ يَعدِلُ باريسَ وبرجَها ولَندنَ ومَرجَها وما فيهما مِن عُنوان، ثمَّ بَرلينَ وخَرجَها وروما وفَرجَها وما فيهما مِن مَبان وكان، عَبَقُ تلاوةِ ذاكَ البنغَاليِّ المُعدمِ كإنسان، كان اعْطَرُ مِمَّا مَلَكَتْهُ قُصُورُ باريسَ من عُطُورٍ على مرِّ حقبِ الزَّمان.

 


مشاهدات 384
الكاتب علي الجنابي
أضيف 2024/06/03 - 10:19 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 3:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 295 الشهر 11419 الكلي 9361956
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير