الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إحسان شيرزاد .. ذاكرة وطن

بواسطة azzaman

إحسان شيرزاد .. ذاكرة وطن

مهندس ينسّق إتفاقات الأكراد مع حكومتي بغداد

احمد عبد المجيد

امدتني المعمارية البارزة شيرين شيرزاد بنسخة من كتابها عن والدها المهندس والسياسي والوزير الملهم احسان شيرزاد، الذي ضرب امثلة وطنية في الاعتدال والوفاء للقضية الكردية، وأسهم بكل الجهود في حل مشكلتها، وبالتالي الوصول الى اتفاقية 11 آذار 1970. ويغطي الكتاب (الموسوعة) الذي انجز بناه التحضيرية الطباعية الفنان هيثم فتح الله في مطبعة دار الاديب بعمان، تسعة عقود من عطاء الراحل وانجازاته واضافاته في الهندسة والخدمات البلدية والاجتماعية والحراك السياسي المستقل، قدم خلالها لبلاده شواهد ومثابات وعناصر عمل يقتدى بها، منطلقاً من الاية الكريمة (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وهو مدخل يتعزز بانجازات (أب هائل الأبعاد). ويسجل لعائلة المهندس الفنان والكاتب الحاذق احسان شيرزاد، وفاؤها لرجل نقش في الذاكرة الجمعية صورة عراقي أحب وطنه وبذل الجهود السخية لتعزيز وحدته، برغم المتاعب التي واجهته واحابيل السياسة التي حاولت ثنيه عن وساطاته في انهاء الاقتتال الداخلي العربي الكردي والكردي الكردي، منذ حكومة عبد الرحمن البزاز، في منتصف الستينات من القرن الماضي، وصولاً الى دوره في اشاعة ثقافة الاعتزاز بالهوية الفرعية. وقد تكلل هذا المسعى بقيام عائلته باهداء مكتبته ومقتنياتها الى المجمع العلمي الكردي في أربيل عام 2016.

ومنذ مفتتح الموسوعة، التي قالت العائلة انها ليست أوراق سيرة وحسب، بل بعض مدونات كتبها بخط يده ومجموع من آراء المقربين منه، اصدقائه وطلابه، وهي تؤشر حجم حضوره الواسع سعت العائلة أيضاً الى تقديم رؤية شاملة عن حياة رجل اعطى فأفاض، عن طريق وثائق وحوارات وشهادات تمثل اسرار هذا المعلم الكبير، الذي اودع في العائلة ، إحسان وبيان وشيرين وسلوى ومحمد ونازك، بعض ملامحه. ولعل الابتسامة المشرقة التي وجدتها في اغلب الصور المنشورة له، في هذا السفر بدت ماثلة، بتفاصيل العمق الانساني الذي تنطلق منه، في وجوه افراد هذه العائلة (ص 7).

من النادر ان نتعرف على شخصية ممتلئة كشخصية احسان شيرزاد، فهو لم يبدأ حياته مواطناً تقليدياً، بل دأب على التميز منذ بداياته في المدرسة، مروراً بانخــــــــــــــراطه بالدراســــــــــــــة الجامعية وشغلــه مقاعد عليا في التدريس بكلية الهندسة. كان متفوقاً ومبادراً ومنسجماً مع البيئة العامة، ولاسيما في الاوساط الثقافية والعلمية، مهندساً مع الفريق، الذي تولى تشييد صروح  ثورة 14 تموز 1958، كنصب الحرية ونصب الجندي المجهول وجسور قناة الجيش وملعب الشعب وقاعة كولبنكيان، وهي علامات معمارية فارقة في البناء العراقي. ولذلك لم نفاجأ اذ نحظى بصوره في الموسوعة يتقدم زملاءه في تسلم الجوائز من يد الزعيم عبد الكريم قاسم، أو يكتب المنشور المهني الثلاثي عام 1952، بالاشتراك مع المعماري البارز رفعت الجادرجي وزميله عبد الله احسان كامل. وبدا كما لو ان شيرزاد يشكل مع الجادرجي ثنائياً هندسياً منسجماً، ذا طبيعة تشكيلية وروحانية فريدة. غير ان الملاحظ ان هذه الثنائية لم تترجم كوثيقة تاريخية في المؤتمر التأسيسي لجمعية المهندسين العراقية التي باشرت عملها عام 1940، وانظم اليها شيرزاد عام 1954 وأصبح عضواً في الهيئة الادارية عام 1955.

حقيبة البلديات

ومن النادر أيضاً ان نحظى بقامة عراقية نأت بنفسها عن التجاذبات التي حفلت بها سنوات عقد الستينات. وبرغم العرض الذي قدم اليه لشغل حقيبة البلديات في وزارة البزاز عام 1965 إلا انه اعتذر عن قبولها، وقد ألح البزاز، اكثر من مرة، على شيرزاد لشغل المنصب إلا انه ادرك صعوبة تسلم اي منصب، بينما كان حل القضية الكردية يقف عند أبواب التمني وليس التطبيق العاجل لوقف نزيف الدم العراقي، لكنه عدل عن رأيه عندما اكتشف وجود آراء حكيمة يحملها البزاز بشأن القضية الكردية، فقبل المنصب واشترك في الوزارة التي رأسها عبد الرحمن عارف واحمد حسن البكر وعين وزيراً للبلديات والاشغال في 14 أيار 1967. وهي أول وزارة يرأسها رئيس الجمهورية.

ومن الجميل ان الموسوعة تضمنت صورة مستنسخة لمقابلة صحفية أجرتها مع شيرزاد جريدة (صوت العرب) تحدث فيها عن رؤى واستراتيجيات، ما أحوجنا لو استمر تنفيذها منذ ذلك الحين، مثل شمول القرى بالكهرباء واتساع خدمة النقل الجماعي العام وانشاء مصرف للاسكان واعتماد مشاريع انتاجية لامانة بغداد وحفر آبار زراعية بالتعاون مع وزارة الاصلاح الزراعي.

لقد رافق شيرزاد الوفود الكردية التفاوضية مع بغداد، ولاسيما في الحقبة الاولى من وصول البعث الى الحكم عام 1968، وبدا واضحاً جداً حجم الثقة التي اوكلت له من القيادة الكردية، بحيث قدمت الموسوعة شرحاً وافياً وصوراً معززة عديدة، لمرافقته الراحل ادريس البارزاني وزياراته وحضوره مناسبات دبلوماسية كثيرة.

ويكشف الفصل الخاص في الموسوعة بتحركه للتفاوض مع الحكومة في بغداد، أمرين مهمين استوحيت مغزاهما من مذكرات كتبها وقصاصات تركها شيرزاد، الذي احيي عائلته على حسن تنظيمها والحرص على الاحتفاظ بها، برغم عاديات الزمن وتقلبات الاوضاع السياسية في العراق.

ثلاثة أمور

الامر الاول، هو عدم وضوح خطة أو هدف بعيد لدى البعث لحل القضية الكردية. كان السعي فقط يتجه لحل احتفالي مؤقت، أراه بمثابة التقاط أنفاس بالنسبة لنظام حكم جديد ينوي ترسيخ وجوده في السلطة وتأجيل حسم حساباته مع الاطراف المناهضة أو المنافسة له.

الامرالثاني، ان (صدام حسين هو الذي يدير مفاوضات السلام مع قيادة الملا مصطفى البارزاني، برغم وجود احمد حسن البكر، علــــى رأس الهـــــــــــرم الحــــــزبي والحكومي. وبالتالي فان تعثر هذه المفاوضات في بعض مراحلهـــــــا يعود الـــــــى صراع سري بين الرجلين. وهـــــذه الحقيقة ملحوظة في مسائل أخرى لكن موسوعة (احسان شيرزاد – الذاكرة والأثر 1925 – 2015) اماطت اللثام عن جانب واحد منها. وبرغم حياته الحافلة فان احسان شيرزاد، لم يكتف بممارسة مهنة تتطلب رؤى وحضوراً وقدرة على صياغة الحلول، أو مزاولة مناصب ادارية وعضويات ولجان علمية تتطلب اكتشافات معرفية وتخطيطاً احترافياً حسب، بل انجز عدداً كبيراً من الدراسات والبحوث والمشاريع الهندسية، بلغ عدد هذه الأخيرة فقط 199 مشروعاً، ختمها بمشروع القرية السياحية لشركة اسيا في السليمانية عام 2003.

لقد اسدلت الحياة، الستار على هذا المهندس الانشائي والاستاذ الجامعي والشخصية العامة، لكنها تعجز عن اخفاء أدواره المختلفة في ذاكرة الوطن. ولعل فضيلة صدور هذه الموسوعة بشكلها ومحتواهـــــــا، تكمن في القدرة على استعادة تلك الادوار، بكل تفاصيلها وشحذ الذاكرة التي قد يدهمها الصدأ تحت وابل من الاوجاع والاحزان وتراجـــــع المستويات أو الانكفــــاء المجتمعي.

 


مشاهدات 448
الكاتب احمد عبد المجيد
أضيف 2024/05/25 - 12:51 AM
آخر تحديث 2024/07/17 - 12:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 303 الشهر 7871 الكلي 9369943
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير