التضليل في تقرير منظمة أوكسفام.. إزدياد ثروة الأثرياء لا يعني تفاقم فقر الفقراء

راينير زيتلمان*

ترجمة: مهند طالب الحمدي*

تسبب قيام وسائل الإعلام الرئيسية بنشر تقرير منظمة أوكسفام الأخير نوعاً من التضليل للرأي العام حول علاقة توزيع الثروة والفقر إذ تقول أوكسفام في تقريرها إن أغنى خمسة رجال في العالم ضاعفوا ثرواتهم منذ عام 2020.

وفقاً لتقرير منظمة أوكسفام، إن ثروات أغنى خمسة رجال في العالم التي بلغت مجتمعة 405 مليار دولار أمريكي في عام 2020 ارتفعت الآن إلى 869 مليار دولار أمريكي. وفي الوقت ذاته، أصبح مليارديرات العالم أغنى بحوالي 3.3 تريليون دولار أمريكي خلال الفترة نفسها. لقد خسر ما يقرب من خمس مليارات شخص «الأفقر» في العالم 20 مليار دولار أمريكي من الثروة خلال هذه الفترة. وتعتبر منظمة أوكسفام ذلك الأمر بأنه شيء غير مقبول.

وفيما يأخذ الفقر العالمي في الانخفاض، فإن عدد المليارديرات يأخذٌ في الارتفاع. بطبيعة الحال، تختار منظمة أوكسفام البيانات كي تتناسب مع أطروحة أوكسفام. تم اختيار عام 2020 عمداً ليكون عام المقارنة لأنه كان هناك انهيار هائل في أسواق الأسهم العالمية في ذلك الوقت بسبب جائحة فايروس كورونا. وهذا يجعل المكاسب اللاحقة التي يحققها الأثرياء تبدو أعلى بالمقارنة. وبما أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقرٍ مُدقع في جميع أنحاء العالم قد انخفض في العام الماضي (وهو ما لا يتناسب مع فرضية منظمة أوكسفام)، فإن المنظمة تستخدم فجأة رقماً مرجعياً مختلفاً تماماً، أو على وجه التحديد ما يقرب من خمس مليارات «أفقر» من البشر. لكن هذه ليست النقطة الحاسمة.

علاقة ترابط

تشير منظمة أوكسفام إلى وجود علاقة ترابط بين ارتفاع الثروة وتزايد الفقر. وهذا أمر منطقي بالنسبة لعدد كبير من الأشخاص الذين يشتركون بالإيمان بما يسمى حالة الاستدلال الصفري. لقد عبر الشاعر والكاتب المسرحي المعروف برتولت بريخت بإيجاز عن هذا الإرشاد الخاطئ الذي محصلته صفر في قصيدته «الأبجدية» حيث بين إيمانه بأن توزيع الثروة يخضع لعملية محصلة صفرية،

قال الفقير وفي أنفاسه ألمُ

  قد زاد مالك إذ قد صابني عدمُ

لكن مثل هذه المعتقدات التي تؤمن أن توزيع الثروة هي عملية محصلة صفرية معتقدات خاطئة. وفقاً لأرقام البنك الدولي، كان 28بالمئة من سكان العالم يعيشون في فقرٍ مدقع في عام 2000، مقارنة بـ 8.5بالمئة اليوم! وفي الفترة ذاتها، ارتفع عدد المليارديرات في العالم من 470 إلى 2,640، وترجع نسبة ضئيلة فقط من هذه الزيادة إلى التضخم.

وفي البلدان التي انخفض فيها الفقر بشكلٍ كبير، ارتفع عدد المليارديرات بشكلٍ أكبر. في عام 1981، كان 88بالمئة من سكان الصين يعيشون في فقرٍ مدقع؛ أما اليوم فإن النسبة هي أقل من 1بالمئة. وفي الوقت ذاته، ارتفع عدد المليارديرات في الصين أكثر من أي مكانٍ آخر في العالم، من صفر إلى 562. الولايات المتحدة وحدها هي موطن لعدد أكبر من المليارديرات من الصين (وقبل بضع سنوات، تفوقت الصين على الولايات المتحدة في ذلك المجال لفترةٍ وجيزة). السبب وراء زيادة عدد المليارديرات وانخفاض معدلات الفقر هو نفسه: النمو الاقتصادي نتيجة زيادة الحرية الاقتصادية.

فخ الاعلام

أي شخص يتوق أن يعيش في بلدانٍ لا يوجد بها مليارديرات، لا يحتاج إلى الانتظار حتى يتم مصادرة ثرواتهم كلها. هناك دول لا يوجد فيها مليارديرات في أجزاءٍ من أفريقيا، وهناك ايضا كوبا وكوريا الشمالية. تشمل البلدان التي لديها أعداد كبيرة من المليارديرات سويسرا وسنغافورة وهناك نسبة عالية من المليارديرات في كليهما. ولكن حتى في السويد التي يشار إليها بالبنان، فإن نسبة المليارديرات (بالنسبة إلى عدد السكان) هي 60بالمئة أعلى مما هي عليه في الولايات المتحدة. على الرغم من أن السويد تطبق نظام ضرائب دخل مرتفعة، إلا أنها ألغت ضرائب الميراث والهدايا والثروة.

وفقاً لمؤشر الحرية الاقتصادية الذي تعده وتنشره مؤسسة هيرتج، تُعد السويد الآن الدولة العاشرة الأكثر حرية اقتصادياً (أي أكثر رأسمالية) في العالم، بينما تحتل الولايات المتحدة المركز الخامس والعشرين فقط.

سنة بعد سنة، تقدم منظمة أوكسفام «دراسات» تؤدي دائماً إلى المطالبة بفرض ضرائب أعلى على الأغنياء. هذه الدراسات مشكوكٌ فيها منهجياً إلى حدٍ كبير.

ومع ذلك فإن وسائل الإعلام تقع في الفخ ذاته كل عام، كما بينت ذلك بالتفصيل في كتابي «الأغنياء في الرأي العام».

يتبقى لدينا انطباع بأن وسائل الإعلام لا ترغب حتى في الاطلاع على البيانات الحقيقية؛ وبالنسبة لهم، تتمتع هذه الدراسة بالمصداقية لأنها تتناغم مع استيائهم من الأغنياء، حيث يُصبح الأغنياء كبش فداء لكل علل العالم.

 رينير زيتلمان: عالم اجتماع ومؤرخ ورجل أعمال ألماني ومؤلف كتاب الدفاع عن الرأسمالية

 أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة ولاية كنساس، الولايات المتحدة الأمريكية