الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
محمد الحديثي.. ثمانية أشهر فقط في الصحافة

بواسطة azzaman

محمد الحديثي.. ثمانية أشهر فقط في الصحافة

مليح صالح شكر

 

الجمهورية ليوم 30 تموز 1968

المساء ليوم 18 كانون الأول عام 1967

هذه قصة من القصص الغريبة  التي شهدتها الصحافة العراقية عندما تفرض السياسة العامة للدولة تولي شخص معين منصباً صحفياً بالرغم من عدم درايته بالعمل الصحفي .

ويقتضي الأمر أن أقول أن ما يرد في هذه المقالة هي معلومات حصرية لم يسبق لأحد نشرها .

مستشار قانوني

قضى محمد الحديثي كل حياته مستشاراً قانونياً بوزارة الداخلية العراقية منذ عهد آخر وزارة شكلها طاهر يحيى وكانت الرابعة في عدد الوزارات التي ترأسها ما بين 18 تشرين الثاني عام 1963 و17 تموز عام 1968، بل واصل محمد الحديثي وظيفته بوزارة الداخلية حتى إحتلال العراق في نيسان عام 2003.

لم تتضح عندي أسباب  استقدام محمد الحديثي من وزارة الداخلية ليصبح رئيساً لتحرير صحيفة  يومية وقد تعددت الآراء  بهذا الصدد.

يقول صديق صحفي أنه يعتقد أن إسماعيل خير الله وزير الخارجية بالوكالة آنذاك هو الذي دفع بإتجاه تعين صديقه محمد الحديثي رئيساً للتحرير في إحدى صحف المؤسسة العامة للصحافة التي أستحدثت تواً.

ووفقاً لرأي أحد الأصدقاء الصحفيين كان على مقربة من النشاطات السياسية آنذاك أن غربي الحاج أحمد  وهو ذو نفوذ واسع في الصحافة والسياسة تلك الأيام كان يحشد في الصحف الجديدة كل من إشتغل في حزب الاستقلال السابق.

وحينئذ كما ذكرت بعض المصادر أن الحديثي أشترك في مؤتمر تأسيس الإتحاد الاشتراكي ببغداد في صيف عام 1964، ولم يكن للحاج أحمد دور في ترشيحه لعضوية الموتمر.

ولكن وفقاً للتحليل فإن أكثر الاحتمالات قرباً من الحقيقة هي أن طاهر يحيى وكان وزيراً للداخلية إضافة لمنصبه رئيساً للوزراء ، وهو ثاني مسؤول من ذوي السلطة والنفوذ بعد رئيس الجمهورية عبد الرحمن محمد عارف ،

وحتى يثبت العكس هو الذي نقل محمد الحديثي من وزارة الداخلية الى إحدى الصحف التي تصدرها الدولة.

ولا يظن هذا الباحث  ان خير الله كان ذو نفوذ كاف ليفرض شخصاً ما على صحيفة سياسية يومية  وربما كانا  أصدقاء ،مع انه من المحتمل ان يكون  غربي الحاج أحمد  هو من رشح الحديثي للمنصب الصحفي لكنه لم يكن أقوى نفوذاً من طاهر يحيى في ادارة الدولة لكي يفرض مرشحاً على الصحافة.

وأصدرت وزارة طاهر يحيى وكان مالك دوهان الحسن وزيراً للإعلام فيها بتاريخ 3 كانون الأول عام 1967 قانوناً سمته قانون تنظيم الصحافة وكان في الواقع قانوناً لتأميم الصحافة وضعت الدولة فيه يدها على كل نشاطات الصحافة وإصدارها وإدارتها إضافة لوضع يدها على طباعة الصحف ونشرها تماماً كما كان يسعى غربي الحاج احمد إليه في تقليد للتجربة  المصرية .

وقررت الدولة وفقاً لهذا القانون إصدار أربعة صحف باللغة العربية وصحيفة خامسة باللغة الانكليزية هي الثورة والجمهورية والمواطن والمساء وبغداد اوبزرفر.

وتقرر لجريدة المساء  الصدور ظهراً من كل يوم، وأستقدمت لرئاسة التحرير فيها موظفاً من وزارة الداخلية عمل مستشاراً قانونياً فيها هو محمد الحديثي مع أنه يفتقر لأية خبرة سابقة في عالم الصحافة.

ولما كانت فكرة إصدار الصحف المسائية لم تشهد نجاحاً في العراق فقد قررت الدولة بعد حين تحويل المساء الى الصدور صباحاً وبأسم جديد هو الشعب.ولابد من إيضاح ان الدولة بقانونها لتنظيم الصحافة قد أغلقت كل الصحف الخاصة التي كانت تصدر قبل نفاذ القانون ومنها صحيفة الشعب لصاحبها  شاكر علي التكريتي  وبذلك أصبح مصطلح الشعب لجريدة يومية ملكاً للدولة.

نخبة معتبره

ومن الصحفيين المعروفين الذين عملوا في هذه الصحيفة الجديدة مع الحديثي ، هم نخبة معتبرة من صحفيي العراق ،  منهم في التحقيقات الصحفية لطفي الخياط ورشيد الرماحي وعبد الوهاب القيسي وخالد الحلي  ومحمود الجندي وكُتاب عمود منهم سامي مهدي في بطاقة خاصة على الصفحة الاولى بتوقيع  أبو نوار وعمود آخر في صفحة داخلية بعنوان مع تحياتي بتوقيع سامي ، وكذلك عمود ماجد  صالح السامرائي في نافذة المحرر  والصحفيين المحترفين نبيل ياسين ومظهر عارف ، إضافة الى شاكر إسماعيل في الصفحة الرياضية، وكذلك حميد رشيد وربما آمال  الزهاوي.

وكان محمد الحديثي يعرف أنه لا يفهم في الشؤون المهنية للصحافة لذلك كان يستمع بتواضع لإيضاحات الصحفيين المحترفين .

وربما بسبب ضعف هذه الصحيفة الجديدة وقصر الفترة التي صدرت فيها فقد يصعب  على الباحث الإلمام بالكثير من التفاصيل،  ولم أكن  مهتماً بنشاط الحديثي الصحفي لولا معونة مصادري التي تعيش في بغداد والديوانية  وعمان وإسطنبول ولندن التي أغنت هذا الموضوع ببعض المعلومات ، وأنا ممتن لكل واحد منهم ، ومع ذلك فما تزال المعلومات عنه شحيحة .

ومن الضروري ألأشارة الى أن الدكتور أكرم عبد الرزاق المشهداني مشكوراً كان أول من أثار أهتمامي بسيرة المرحوم محمد الحديثي ، ويقول أنه تعرف على محمد الحديثي يرحمه الله بعد عودته من الدراسة في  بريطانيا 1989  ووجده  يشغل وظيفة المستشار القانوني لوزارة الداخلية ويحمل شهادة بكالوريوس حقوق من جامعة بغداد واستمر بالمنصب لغاية 9 نيسان 2003 وخلال التسعينات ألتحق  بمعهد التاريخ العربي ونال الماجستير وبعد الاحتلال أكمل شهادة الدكتوراه من نفس المعهد وتم تعيينه استاذاً بالمعهد وتوفي عام 2010.

ولم يستذكر سجاد الغازي أشهر شهود تاريخ الصحافة، الكثير عن محمد الحديثي سوى مروره الخاطف بالصحافة دون أن يترك أثراً.

الاستنتاج

لم تشهد الصحافة العراقية في عقدي الستينيات والسبعينات ظهور أسم شخص ما رئيساً للتحرير على صفحات ثلاث صحف متوالية خلال فترة قصيرة إلا مع محمد الحديثي الذي ظهر أسمه على صفحات جرائد المساء والشعب والجمهورية على التوالي وخلال ثمانية شهور فقط.

نعم كانت هذه الظاهرة معروفة سابقاً في عقود العشرينيات والثلاثينات ولكنها لم تستمر،وربما كان الولاء هو سبباً في توظيف موظف ما في الدولة بالصحافة دون ان تكون له معرفة بالشؤون الصحفية.

وتتشابه حالة محمد الحديثي تقريباً مع حالة نور الدين داود الذي أستقدمه رئيس الوزراء جميل المدفعي بعد فشل حركة  مايس عام 1941 من دائرة الكمارك وعينه مديراً للدعاية في وزارة الداخلية ، لكنه تمكن من الثبات في عمله لأكثر من سنتين ثم عمل في الصحافة لعدة سنوات بينما لم يستمر محمد الحديثي في الصحافة سوى ثمانية شهور لم يحقق خلالها أية نتائج وعاد الى وظيفته في وزارة الداخلية.وأشتغل مع جميع الشخصيات التي تولت منصب وزير الداخلية ومنهم  وطبان ابراهيم التكريتي حيث كان محمد الحديثي حينئذ مسؤول لجنة شكاوى المواطنين بوزارة الداخلية.ووجدت أن توليه رئاسة تحرير جريدة الجمهورية لبضعة أيام في تموز عام 1968 أمراً غريباً لا يمكن تفسيره سوى وقوفه الى جانب جماعة رئيس الوزراء عبد الرزاق النايف في نزاعهم مع البعثيين في السيطرة على الصحف،

وفي صورة منشورة مع هذا المقال نجد أسم محمد الحديثي في صدر جريدة الجمهورية ليوم 30 تموز عام 1968.

وتشير الدلائل الى أنه لم يتعرض للأذى ، بعد الإطاحة بالنايف في الثلاثين من تموز عام 1968 ، وأعيد الى وظيفته بوزارة الداخلية.

 باحث في تاريخ الصحافة


مشاهدات 611
الكاتب مليح صالح شكر
أضيف 2024/05/25 - 12:37 AM
آخر تحديث 2024/07/17 - 12:58 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 275 الشهر 7843 الكلي 9369915
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير